مواجهة الإرهاب على الطريقة العربية: سرادقات فنية وندوات فكرية لموظفي وزارة الثقافة المصرية
[wpcc-script type=”00b52794301ecb5ab649a02a-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يزل الكيان المُسمى بـ«وزارة الثقافة» يرى أن مهامه لا تتعدى المهام الوظيفية، التي فقط تقوم بتنفيذ التعليمات السيادية العُليا، لم يزل هذا الكيان الذي كان يُسمى «وزارة الإرشاد» في الستينيات من القرن الفائت، يسير على النهج نفسه، رغم تبدل الأحوال والظروف والتقدم التقني، الذي أصبح صوت الدولة مهما حاولت هو مجرّد صوت ضمن مجموعة أصوات مختلفة، ففكرة الصوت الواحد انتهت إلى الأبد، إلا أن الدولة وأجهزتها لم تزل تعيش في وهم السيطرة المُطلقة على مواطنيها.
ومؤخراً قامت وزارة الثقافة بعمل ما يُسمى بـ (الثقافة في مواجهة الإرهاب) بأن أطلقت موظفيها والمٌعتمدين لديها والموثوق بهم في ترديد خطابها بأن يُقيموا الندوات والعروض الفنية للارتقاء بالذوق الشعبي العام، والقضاء تماماً على ظاهرة ربما لم تلتفت إليها الوزارة إلا مؤخراً يُطلق عليها الإرهاب. كان لبعض المهتمين بالشان الثقافي آراء مختلفة ومُخالفة لما تقوم به الوزارة من أنشطة وفي هذه اللحظة الراهنة. وقد يُقال إن هناك شيئا من التحيّز للرأي المخالف، لكن العزاء أن موظفي الوزارة من الفنانين والشعراء والمسرحيين والأدباء في شغلهم الشاغل بالعمل للقضاء على الإرهاب، ومن ناحية أخرى سنترك الأمر للنتائج في النهاية.
أنشطة سطحية بمشاركة قوى الظلام
بداية يرى الأستاذ في أكاديمية الفنون، وعضو مجلس إدارة اتحاد الكُتّاب المصري، صلاح الراوي، أن وزارة الثقافة تعمل من دون أي تصور استراتيجي، ولو كان لها مثل هذا التصور لما قام الإرهاب أصلا. فالأداء الذي تقوم به مجرد أداء تقليدي وشكلي وسد خانة، بل ويشارك فيه مَن يدعمون القوى الظلامية في قلوبهم وعقولهم، ففي غير قليل من مواقع هذه الوزارة نجد خلايا إخوانية نائمة أو سلفية واضحة.
ويُضيف الراوي .. لست مقتنعاً بما تقوم به هذه الوزارة من نشاط سطحي أمام ظاهرة سمحت لها هذه الوزارة نفسها بأن تتجذر طوال عقود، فهذه الوزارة تتميز بالترهل والتراخي وتدار بعقلية الموظف المحدود الرؤية والكفاءة.
البحث عن الإدارة الرشيدة
ويضيف الروائي نعيم صبري قائلاً … لا أعتقد في الندوات. في رأيي المتواضع أن الأهم هو تفعيل قصور الثقافة في القرى والأحياء ومراكز الشباب الرياضية، ولا يتأتى تفعيل هذا الدور إلا من خلال وجود الإدارة الرشيدة وتوجيه كل الميزانيات لها .
انحطاط ثقافي وشكل من أشكال التضليل
أما الكاتب والصحافي أشرف الصباغ، فيفند الأمر أكثر ويرى أن مكافحة الإرهاب قضية تهم جميع مؤسسات الدولة من دون أي استثناء. وهي مهمة مباشرة لبعض المؤسسات والأجهزة الأمنية المختصة بهذا الموضوع أو استحداثها وتدريبها وتجهيزها لذلك. وإذا تجاوز مستوى الإرهاب حدا معينا، وبدأ يهدد وحدة أراضي الدولة، فالقوات المسلحة قد تأخذ على عاتقها هذه المهمة عبر قوات خاصة مدربة ومجهزة للقيام بهذه المهمة. فالأجهزة الاستخباراتية ومراكز الأبحاث والدراسات تتعامل مع جزء مهم من ظاهرة الإرهاب وتوفر كل الإمكانيات النظرية لحصار هذه الظاهرة، ومن ضمن ذلك إقامة الموائد المستديرة والمنتديات والندوات وتبادل الخبرات. أما وزارة الثقافة فليس لها علاقة أصلا بمكافحة الإرهاب أو إقامة المؤتمرات والندوات للحديث في هذا الشأن.
ليس من مهام وزارة الثقافة مكافحة الإرهاب، وإنما العمل باستقلالية والابتعاد تماما عن الدين والمؤسسات الدينية من جهة، والتركيز على نهج المدنية والعلمانية وفضح التمييز الديني والثقافي، وإعداد البرامج الفنية والثقافية لرفع الذوق العام والإحساس بالجمال وبقيمة الحياة من جهة أخرى. إذ أن رفع المستوى الذوق العام، وبلورة مفاهيم حب الحياة وتثمينها، وإنعاش قيم التقدم حرية الفكر والاعتقاد والإبداع تمثل أحد أهم وأخطر الأسلحة الاجتماعية في مواجهة الإرهاب والاستبداد والانحطاط الاجتماعي. ويرى الصباغ أن ممارسة وزارة الثقافة لمهمات ليست من اختصاصها يعمل على خلط الأوراق وتبديد موارد الدولة في أوجه غير الأوجه المخصصة لها، ويساهم في تفاقم الظاهرة والانقسام الثقافي والديني والمجتمعي، ويكرس لحالة الانحطاط الثقافي والفكري العام في المجتمع ككل.
وزارة الثقافة الأمنية
ويضيف أشرف الصباغ أن وزارة الثقافة ليس لها علاقة أصلا بالفعل الثقافي، وليس من مهامها التعامل المباشر مع المواطنين، بل وضع السياسات الثقافية والفنية، والبرامج المرتبطة بالتنمية الثقافية، وأحدث المناهج للتنوير ونشر المعرفة بعيدا عن التمييز الديني والعرقي والثقافي. وكذلك الابتعاد عن الدين والمؤسسات الدينية والتورط في مهمات تخص وزارة الداخلية أو أجهزة الاستخبارات أو التعاون مع أحزاب ومنظمات متطرفة تمارس التمييز الديني والثقافي والعرقي.
فتورط وزارة الثقافة في هذا المستنقع، الذي يخلط بين مهامها ومهام الأجهزة الأمنية، شكل من أشكال تضليل المجتمع وتبديد موارد الدولة والمشاركة في جرائم التمييز الديني والثقافي والعرقي. كما أن التعاون مع المؤسسات الدينية وجعلها أطرافا في العملية الثقافية التنويرية يعكس مدى تورط الوزارة في التقسيم الديني والثقافي في مصر، إضافة إلى التعاون المشبوه بين الوزارة وأحزاب دينية تلقى ترحيباً من النظام السياسي والأجهزة الأمنية، ما يجعل من وزارة الثقافة رقيبا أمنياً ودينياً وأخلاقيا في آن.
إصلاح المؤسسات وتطبيق القانون
وترى الكاتبة صفاء عبد المنعم أن القضاء على الأرهاب ليس بالندوات والمؤتمرات فقط، ولكن بالقضاء على الظواهر التي أدت إلى الإرهاب كإصلاح المؤسسات والسياسات على رأسها التعليم، والقضاء على الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية وتشغيل الشباب، الذي يقضي أهم فترات حياته في النوم أو المخدرات أو الوقوف على النواصى والجلوس وقضاء الوقت في الشات والنت، فلا بد من العودة إلى بعض المواقف التي اكتسبتها مصر بعد ثورة 1952 ومحاولة الوقوف على المستجدات الطارئة على المجتمع، من تضليل للفكر وقِلة الوعي.
وترى عبد المنعم أن هذا ما يتمثل في الكذب بوسائل الإعلام وفبركة الأخبار، والوساطة في العمل وتوريث المهن وحكرها على فئة معينة مما جعل هناك تضخما طبقيا ونمطا استهلاكيا مستحدثا. فتفعيل القانون وجعله سيفاً على الجميع وإصلاح نظرة المجتمع إلى المرأة من أولى الخطوات للقضاء على الإرهاب.
مواجهة شكلية بلا معنى
ومن جهته يرى الشاعر والروائي شحاته العريان أن الثقافة المصرية تعاني من اضمحلال دورها الاجتماعي، فلا وجود لها في متناول الجماهير، سوى من خلال بيوت وقصور الثقافة المتناثرة بطول مصر وعرضها، حيث كان يمكن للمتردد على المكان أن يجد مكتبة ونادي أدب وجماعة مسرح وفريق موسيقى وسواها.. غير أن معظم ذلك موجود نظريا فقط. فالمكتبة مغلقة ولا تسمح بالإعارة الخارجية والآلات الموسيقية عُهدة وقاعة المسرح مغلقة لحين استكمال الاشتراطات التأمينية منذ محرقة بني سويف، والندوات تحتاج تصاريح والجميع غارق في أضابير البيروقراطية. ويثق شحاته في إعادة تفعيل وإحياء هذه المواقع وقدرتها على مواجهة الإرهاب، ولكن كما يقول إن تلك الأمور تستغرق جهداً ومالاً، ولا تبدو نتائجها واضحة في مدى زمني قريب.
ويستشهد العريان بوزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، الذي منذ توليه الوزارة صار المظهر الثقافي أهم من المعنى، لذا سادت ثقافة المهرجانات والمؤتمرات والجوائز وكلها مركزية تصب في صناعة الشكل دون المعنى. وفي الأخير يرى أن مُقاومة الإرهاب ليست مسألة شكلية تعالج بقوافل توعية ثقافية رمضانية، بل بتوفير مناخ عمل ملائم لدور مواقعها الاجتماعي والاهتمام بتحسين عمل تلك المواقع اليومي المستمر وليس الاحتفالي الموقوت.
عدالة التوزيع الثقافي المفقودة
أما الكاتب والمخرج المسرحي أحمد عادل القضابي فيرى أن ما يحدث هو شكل من أشكال النَصب، فالمنتجات الفنية التي يتم تقديمها حسب قوله 80% منها ضعيف فنياً ومباشر كما الخطب العصماء التي تحفل بها هذه الندوات، ذات الكلمات الرنانة التي بلا معنى، ولا محل لها من الواقع. فمحاربة الإرهاب تكمن في الذهاب إلى القرى والنجوع، وليس عواصم المحافظات والمدن الكبرى، فالإرهاب قابع هناك في حضانات الفقر والجهل والتهميش، فلابد من تحقيق عدالة التوزيع في الثقافة. والتفكير بمنطق الستينيات لم يعد يُجدي، وقتها كانت الدولة قادرة على إنتاج المعنى باعتبارها الصوت الوحيد، وكانت جميع أجهزة الدولة تردد الكلمات والشعارات نفسها، وتعمل بشكل متناسق، أما الآن فليست الدولة وحدها هي المهيمنة على إنتاج المعنى، وﻻ أجهزتها تعمل بالقدر نفسه كما كانت في السابق.
عقلية الموظف الثقافي
الناقد السينمائي وكاتب السيناريو نادر رفاعي يرى الأزمة في عقلية موظفي الوزارة، وأن ما يحدث هو سبيل من سُبل كسب الرزق ليس أكثر. ويرى أنه من الصعب الحُكم على نتائج ما تقوم به وزارة الثقافة بشأن مواجهة الإرهاب، فالأمر يحتاج لعناصر متكاملة بين قطاعات الوزارة، الأزمة الحقيقية أن الإرهاب ليس وليد هذه اللحظة الحالية ومن ثم تستوجب مواجهته بأساليب مختلفة عن المتبع في فترة التسعينيات، هناك خطوات جيدة مثل إعادة طبع أعمال طه حسين ونصر حامد أبو زيد، ولكن هذا لا يكفى، نحن نقدر دور الفن بالتأكيد في مواجهة التطرف الديني ولكن الأهم هو أسلوب المعالجة الفنية لهذه الموضوعات التي تتناولها هذه العروض المسرحية على سبيل المثال، فالأزمة الكبرى تتمثل في أن عدداً من العاملين في وزارة الثقافة لا يرون في وظيفتهم إلا مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل أن بعضهم يرى أن السينما والثقافة هي أثم كبير، فالأولى أن تتمكن الوزارة من تغيير أفكار موظفيها تجاه الثقافة، وهو ما سيجعلها تحقق بعض النجاح في مواجهة الإرهاب.
ألعاب العبث
وختاماً يصف الأمر كاتب السيناريو والقاص محمود دسوقي قائلاً .. إن أول ما يطرأ على الذهن حينما يتم الإعلان عن ندوة لمحاربة الأفكار المتطرفة والإرهاب هو حضور الإرهابيين بكامل عدتهم (لحى، عمائم، كلاشينكوف، الخ…) للندوة والنقاش الدائر فيها، الذي ربما لا ينتج عنه إقناع أي منهما للآخر، ولكن هناك الشاب المتذبذب الجالس في الصفوف الخلفية يتابع ويستفيد ويعرف حقيقة الإرهاب اللعين.
«الفكر يرد عليه بالفكر» جُملة كلاسيكية تحولت إلى كليشيه من دون معنى وصارت حقيقة في أن لكل طرف الحق في أن يقول ويفعل أي شيء! فالدولة لا تقدم فكراً، والإرهاب وخطابه ليس فكراً أيضاً، الدولة تربي الإرهابي في مساجدها وجامعاتها وتضعه على أول الطريق، ثم تحارب الفكر الذي زرعت بذوره من الأساس، فالظلم واختفاء العدالة بذور، الاعتماد على الخرافة في تسيير أمور المواطن اليومية بذور، إن محاربة الإرهاب وتحديداً على منبر وزارة الثقافة الذي يحارب الإبداع بدعاوى رقابية ومجتمعية وسياسية وأمنية هو عبث لا جدوى من ورائه.
محمد عبد الرحيم