«مُحاضرات في الإخراج السينمائي»…: تجارب فكرية وتقنية متنوعة لأهم مخرجي السينما
[wpcc-script type=”32a43a28e6e9560ed5f312fe-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»:عن المجلس القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة في القاهرة صدر كتاب «محاضرات في الإخراج السينمائي» إعداد وتحرير لوران تيرار، وترجمة محسن ويفي. ويقع في 245 صفحة من القطع الكبير. يستعرض الكتاب وجهات نظر العديد من المخرجين العالميين في عملية الإبداع السينمائي، ورؤاهم الفلسفية كخلفية لما أبدعوه وأضافوه لفن السينما. منهم على سبيل المثال، وودي آلن، أوليفر ستون، برتولوتشي، ألمودوفار، ديفيد لينش، إمير كوستاريكا، وجان لوك جودار. ويعتبر هؤلاء نماذج لمدارس واتجهات سينمائية مختلفة تشكلت من خلال أفكارهم وأعمالهم، أو أنهم نقلوا الفلسفة السياسية والاجتماعية إلى الشاشة. إضافة إلى الحديث عن الخبرات التقنية وكيفية خلق الفيلم والتعامل مع الممثلين، من خلال عمل معقد يُنجزه الكثيرون، لكنه في الوقت نفسه عمل ذاتي تماماً يتشكل في ذهن صانع الفيلم حتى لحظة عرضه على الشاشة.
وودي آلن …
القواعد صُنعت كي تُكسر
يحرص وودي آلن على التجريب في أعماله، والخروج عن القواعد قدر الإمكان بعد تعلمها جيداً، للوصول إلى الخروج عليها. ويستعرض تجربته في فيلم Zelig حيث قام بتصوير الشخصية من خلال لقطات مختصرة، دون استعراضها كما هو مُتّبع، كأن تدخل سيارة أو تخرج مُسرعة من مبنى. إضافة إلى استخدامه الشكل الوثائقي، الذي لم يكن يتوقع استخدامه في يوم ما. من ناحية أخرى يذكر كيف استخدم تكنيك الكاميرا المتحركة دوماً والمحمولة، وكان لم يمتلك الخبرة في ذلك، إلا أن استخدامها كان بدافع عكس الفوضى الذهنية لدى الشخصيات.
ويتشكك آلن في ردود فعل المتفرج، فهو يظن خلال العمل في الفيلم أن شخصية ما مثلاً ستكون مصدر اهتمام المشاهد، فيجتهد في رسمها وتأصيل تفاصيلها، لكنه يصاب بالصدمة حينما يتجاهلها المشاهد، وينصرف اهتمامه لشخصية أخرى هامشية. ويبرر ذلك في أن لا أحد يعرف كل شيء عن السينما، ولو توصل هو إلى هذه المعرفة لتوقف عن العمل منذ زمن.
برتولوتشي … الأفكار في صور
يرى برتولوتشي أن الفيلم إطار لفكرة في مجموعة صور، لكن بطريقة غامضة، فرغم اعتماده على سيناريوهات مُعدّة جيداً، إلا أن الشكل النهائي للفيلم يختلف دوماً عما تم تخيله أو التفكير فيه من البداية. ويرى أن التناقض في كل شيء هو الدافع للإبداع، ويذكر في نوع من السخرية أن فيلمه 1900 كان ممولاً بنقود أمريكية، وهو فيلم عن مولد الاشتراكية. وقد جمع في الفيلم العديد من ممثلي هوليوود مع فلاحين لم ير أحدهم كاميرا في حياته.
مارتن سكورسيزي …
الحديث عما تعرفه
يؤكد سكورسيزي أن صانع الفيلم عليه التعامل مع موضوع وثيمات وحكاية يعرفها ويشعر بها، ويريد حكيها لآخرين ناقلاً إليهم هذا الإحساس أو هذه الحالة، وهو ما يوضح الفارق بين مخرج وآخر. فالأمر لا يقتصر على عمل فيلم فقط. فالأمر شخصي في الأساس. ويُشير إلى فيلمه (عصر البراءة) حيث كان يريد اختبار أو التعبير عن أفكار وإحساسات ما ولكن من خلال عصر وزمن آخر. مشاعر كونية في الخبرة الإنسانية يريد اكتشافها بطريقة انثروبولوجية، المشاعر نفسها في زمن تصوير الفيلم كيف كانت، ولكنها في زمن الحكاية كيف ستكون؟!
ويرى سكورسيزي أنه يصنع أفلاماً لنفسه في المقام الأول، بمعنى .. أنه يعرف سيوجد الجمهور بالطبع، لكن كم عددهم ومَن هم وأين؟ فالبعض سيرى الفيلم والآخر قد يُعيد مشاهدته، لكن بالتأكيد ليس الكل سيرونه، لذا يرى أنه يفترض أنه يعمل فيلماً كما لو كان هو الجمهور.
فيم فاندرز … طرق عديدة لعمل فيلم
يحكي فيم فاندرز تجربته من خلال العمل كمساعد مع أنطونيوني ــ بعدما قام بإخراج عدة أفلام ــ ويصف كيف أن اختيارات أنطونيوني في التصوير كانت تبدو له غريبة، ولم تحقق هدفها عند العرض. ذلك من خلال تقنيات كان يرفض التعامل معها في أفلامه، كتعدد الكاميرات، أو استخدام عدسة الـ Zoom، لكن النتيجة غيّرت من أفكاره، وأنه علم كيف كان سجيناً لهذه الأفكار والقواعد التي انتهجها فترة من الزمن، فالأهمية ترجع إلى كيفية استخدام التكنيك، والأهم هو ما الهدف من هذا الاستخدام؟
ألمودوفار …
حالة الاستكشاف المستمرة
يرى ألمودوفار أن من الوهم بالنسبة لصانع الفيلم أن يضبط أو يتحكم في كل شيء في فيلمه، فالفيلم يعتمد على فريق من الكائنات الإنسانية ومن المستحيل ضبطها مئة في المئة. ففكرة الضبط هذه مرتبطة تماماً بما يحدث في موقع التصوير. من ناحية أخرى يصل الأمر إلى الفكرة نفسها، حيث يرى أنه يفهم فيلمه عندما يكتمل تماماً، وأحياناً تتأخر عملية الفهم هذه حتى استماعه إلى آراء الآخرين. فافتراضه للمعرفة هنا شيء أشبه بمعرفة اللاوعي، وقرارات التصوير تتم بشكل غريزي أكثر منها مفهومة على إطلاقها أو مُحددة بدقة. فالسينما بذلك من وجهة نظرة حالة دائمة من الاستكشافات، للذات في المقام الأول، قد تنجح من وجهة نظر الآخرين/ الجمهور، لكنها تتوقف على مدى اقتناع صانع الفيلم بها.
دافيد لينش … الممثل كآلة موسيقية
يتحدث لينش عن كيفية اختيار الممثل، ويعقد مقارنة في ان عدة ممثلين بإمكانهم أداء الدور، ولكن الصعوبة تكمن في إيجاد الممثل الملائم، فالأمر أشبه بالموسيقى، من الممكن أن تعزف عدة آلات مقطوعة معينة، لكن لكل آلة حالة مختلفة، المشكلة في إيجاد الآلة المناسبة للعزف. ومن الممكن أن تساعد البروفات في ذلك، ولكن كثرتها ستفقد الممثل واللقطة عفويتهما، وهي معادلة صعبة لكنها ليست مستحيلة. فالممثل هو الذي يقدم التضحية الأكبر، فهو الذي سيقف أمام الكاميرا، وعليه أن يكون في الوقت نفسه مستمتعاً بما يفعل، إضافة إلى أنه ينتظر في رعب نتيجة هذا الفعل.
أوليفر ستون …
الفيلم يعني وجهة نظر
يرى ستون أن أكثر شيء أهمية يحتاجه المخرج هو وجهة النظر، فالتفكير في ما وراء الفيلم هو المثير للدهشة دائماً. وبالنسبة للسيناريو ــ ستون كاتب سيناريو في الأساس ــ يراه بعد تجربته في صناعة الأفلام السيناريو ليس إنجيلاً، فالعديد من المشاهد تكون على الورق رائعة وبعد تنفيذها تصبح لا معنى لها، إضافة إلى أن هناك أشياء لا يمكن كتابتها .. كالطريقة التي سينظر بها ممثل إلى آخر، ومَن هو الممثل الذي تم اختياره لأداء الدور المكتوب، ويستشهد ستون بفيلم (حكايات شعبية) الذي اعتقد أنه لن ينجح، نظراً لثرثرته المفرطة، لكن بعد أن نفذه (تارانتينو) واختياره للممثلين، فالأمر اختلف تماماً.
لوران تيرار (إعداد وتحرير): محاضرات في الإخراج السينمائي
ترجمة: محسن ويفي
المركز القومي للترجمة، القاهرة 2014
245 صفحة.
محمد عبد الرحيم