ندوة في مركز «البلد» الثقافي في القاهرة لكتابي طلعت رضوان: «قراءة في مذكرات ضباط يوليو» و«مثقفون مع الأصولية الإسلامية»
[wpcc-script type=”42aabab1a2c2ea0b08934c3a-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: أقيمت في مركز البلد الثقافي ندوة لمناقشة كتابي «قراءة في مذكرات ضباط يوليو» و«مثقفون مع الأصولية الإسلامية» للكاتب والروائي طلعت رضوان، الصادرين عن دار المحروسة للنشر. وقد شارك فيها كل من الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، والخبير التربوي كمال مُغيث.
والكتابان يتعرّضان لنقد وكشف الكثير من الأفكار والرؤى المغلوطة في الواقع السياسي والثقافي المصري، وهو ما أثار الكثير من الجدل حول مواقف وآراء المؤلف، لكنها بكل حال جديرة بالتفكير والمناقشة.
من الأفغاني إلى جمال حمدان
في البداية قدّم المؤلف طلعت رضوان لكتابه «مثقفون مع الأصولية الإسلامية» ذاكراً موقفه من جمال الدين الأفغاني أو الإيراني ــ حسب قوله ــ ومجلة «العروة الوثقى» التي اطلع عليها في دار الكتب والوثائق، فيقول .. رأيت الأفغاني يؤصل لفكرة الأصولية، فالولاء للدين ثم الوطن. واكتشفتُ العديد من الأسماء لشخصيات من مختلف التيارات، المحسوبين ليبراليين أو ماركسيين، لكنهم يغازلون الأصولية الإسلامية. وتوقفتُ عند جمال حمدان، حيث يتفق حوله الكثير من اليمين واليسار، لكنه يردد الكلام نفسه/كلام الثقافة السائدة مثل نحن مصريين وعرب، ويلعب بالألفاظ مثله مثل محمد حسنين هيكل في مؤلفاته. وله كتاب خطير، هو «استراتيجية الاستعمار والتحرر»، فيذكر بأن الفرس والهكسوس والرومان واليونان عبارة عن غزاة، بينما العرب هم من قاموا بنشأة إمبراطورية التحرر العربي! هنا نلمح التطابق بين مقولاته ومقولات عبد الناصر في أن الاستعمار الخبيث يحاول أن يجعل منا فراعنة وليس عربا.
ضرورة مُراجعة المُسلمات
بدأ حجازي كلمته بأنه رغم كل ما يحدث فلم تزل الثقافة تتنفس في مصر، وهي محاولة لاستئناف نهضتنا الثقافية، ورغم هذه الظروف الصعبة لم نزل قادرين على الاجتماع والتحاور حول الثقافة، وهذا ما يبعث على الثقة بالمستقبل. والمؤلف يتناول موضوعات تسمى في الغالب شائكة، وهي التي تصلح لأن تكون مجالاً للأخذ والرد والبحث، لكونها تدعو إلى التفكير ومراجعة المسلمات، وهو ما يعتبر واجبا وطنيا علينا القيام به.
الأمر مرهون بالديمقراطية
ويستطرد حجازي .. ما نحن فيه من خسائر سببه غياب الديمقراطية، التي لم نعرفها إلا لماماً، وقد ظللنا تحت وطاة الأمبراطوريات المقدسة المسيحية والإسلامية حوالي ألفي عام، وقد فقدنا دولتنا الوطنية منذ دخول الفرس. وعندما بدأنا نسمع عن شيء اسمه ديمقراطية وبرلمان وأحزاب ودستور هُزمنا، حتى ثورة 1919 واستعادة ملامح الدولة، فدستور تلك الفترة أفضل من كل الدساتير اللاحقة، خاصة الدستور الأخير، لأنه كان يعطي الشعب حقه، ويتحدث عن الدين بقدر كاف من إدراك الفرق بينه وبين السياسة، رغم وجود ملك، وشيوخ الأزهر الذين خلع عليهم ظله، جاء الدستور خالياً من هذه المادة المعيبة الموجودة في الدستور الحالي .. بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
طغيان أشد
ويُضيف.. ثم سقطنا في طغيان أشد، كان له مظهر وطني، لكنه كان أشنع من الغزاة الأجانب، وكانت النتائج مأساوية لضياع الديمقراطية، خلال العقود الـ6 الماضية، إضافة إلى التوحش الذي وصلت إليه جماعات الإسلام السياسي. لأن النظام الذي أسقطته يوليو/تموز 1952 كان يضمن قدراً من الحريات التقليدية المتمثلة في مبدأ الفصل بين السلطات، ووجود صحافة حرة. ومؤلفات الرجل هنا تأتي بدافع السبيل إلى هذه الديمقراطية، فهي مطلب حيوي وليست حلما.
مثقفون مع الأصولية الإسلامية
أشار حجازي إلى أن المؤلف ذكر في كتابه أربعة عشر اسماً، تجتمع حولها التيارات المختلفة للثقافة العربية كلها .. أحمد بهاء الدين، رجاء النقاش، قاسم عبده قاسم، مصطفى محمود، أحمد صبحي منصور، جلال أمين، صلاح عبد الصبور، جمال الدين الأفغاني، جمال حمدان، حسن حنفي، محمد عمارة، محمد سيد أحمد، فهمي هويدي. ورغم الاختلافات المتقاربة أو المتباعدة بين الشخصيات… فأحمد بهاء الدين على سبيل المثال اشتراكي عروبي، بينما رجاء النقاش اشتراكي ناصري، وجلال أمين قومي عربي، خاض عدة تحولات حتى وصل في المرحلة الأخيرة للقيام بحملة شعواء على الغرب، ومن المفترض أنه مفكر وليس سياسياً، وهو بذلك قريب من المتعصبين الذين يتحدثون عن الغزو الأجنبي. ويُشير حجازي إلى صلاح عبد الصبور، فيراه مدافعاً عن العقلانية والتجديد، وعلاقته بدأت منذ سنوات دراسته بالجماعات الشيوعية حتى عام 1954، ثم انتقل تدريجياً إلى موقع آخر، فكان قريباً من نظام يوليو في ذلك الوقت «كما كنا نحن أيضاً .. كنتُ مُعجباً بعبد الناصر، وكانت لي الكثير من التحفظات منذ أوائل الستينيات، رغم ذلك كنتُ شديد الإعجاب به، وأصدق أنه كان يستطيع أن يأخذنا إلى ما كان يعدنا به، كالقضاء على الاستعمار وعودة فلسطين وتحقيق الاشتراكية والوحدة العربية… لكن صلاح كان متحفظاً أكثر لعبد الناصر، وجامل دون أن يكون مُصدقاً».
مشكلة التعميم
ويواصل حجازي انتقاده للكتاب، بأن هذه الأسماء لا يجمعها شيء، فالمؤلف يتعامل معها وكأنها جميعها مع الأصولية الإسلامية، إلا أن الذين ينطبق عليهم هذا الوصف هم… محمد عمارة، حسن حنفي وفهمي هويدي. يصح أن يكون هذا الاسم أو ذاك اتخذ موقفاً قريباً من الأصولية، لكن.. هل أعتبر أحمد بهاء الدين أصولياً مثل فهمي هويدي؟ فالتمييز بين أصولي ملتزم وفكر متعاطف، أو بين موقف إيديولوجي وفكري هو أمر مختلف، فصاحب الموقف الإيديولوجي يدافع عنه من البداية للنهاية، من دون السماح بأي نقاش، أما الموقف الفكري فهو رأي يُقدّم للحوار والنقاش، وهو ليس ملتزماً سياسياً، على العكس من صاحب الموقف الأول، الذي يتضح موقفه سلوكاً وكتابة، بينما المتعاطف يبدي ذلك من خلال عبارات في مقالة أو كتاب، وقد تكون مثبطة بحالة أو قضية مطروحة وقتها.
السياق التاريخي والواقع
ملحوظة أخيرة أشار إليها حجازي في ما يتعلق بموقف جمال الدين الأفغاني.. فالرابطة والأخوة الدينية كان الحديث عنهما في سياق القرن التاسع عشر، ففكرة الرابطة الوطنية لم تكن قد قامت بعد، في أي دولة عربية أو إسلامية، هناك فقط إمبراطورية عثمانية. فيجب التمييز بين الدعوة إلى الرابطة الدينية وقتها وفكرتها وشكلها في وقتنا الراهن، فالحديث عن مثل هذه الفكرة الآن يُعد تفكيكاً للأبنية الوطنية التي لم تكن قد قامت وقت أن نادى الأفغاني بها.
أما ما يُنادي به المؤلف من رفض تام وقاطع للعروبة، فهو أمر يصطدم بالواقع، فنحن عرب ثقافياً، تعرضنا لقهر الغزاة، وما كان أصبح تراثياً، ونحن نعيش تحديث هذه الثقافة من خلال مؤلفات طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، ومن خلال لغة حديثة، فهذه ثقافتنا الآن وليست ثقافة الغزاة.
قراءة في مذكرات ضباط يوليو
تحدث كمال مغيث الباحث التربوي عن كتاب «قراءة في مذكرات ضباط يوليو»، وأشار إلى موقف المؤلف من هذه الحركة، وقد أطلق عليها «كارثة أبيب» نسبة للشهر القبطي المماثل لشهر يوليو. وبالفعل… فالكارثة بدأت من أن بعض الضباط لديهم ميول أصولية للإخوان، والبعض الآخر لديه ميول لليسار، إضافة لعدم وجود خبرة لديهم أو إيديولوجيا يواجهون بها تراث مصر السياسي، فكان العنف هو البديل. فكان وجه تغيير المجتمع المصري الذي يمكن حصره في عدة حالات.
فالأقباط على سبيل المثال كانوا يعيشون تحت ظل الحداثة أو الدستور في العهد الملكي، وبعد يوليو أصبحوا «كوتة» الأقباط، إضافة إلى خروجهم المنظم من مصر. كما احتل العسكر الوظائف العليا للدولة، من وقتها وحتى الآن. وإن كان عبد الناصر قد حجّم الإخوان سياسياً، إلا أنه قرّبهم فكرياً من خلال مناهج التعليم، ومن ناحية أخرى أصبح التعليم للحشد الإيديولوجي والتأييد السياسي، مما خلق حالة من التعصب والتطرف، من خلال الفعل وردّة الفعل. ولا أدل على ذلك من قانون 103 لسنة 1961 الخاص بإصلاح الأزهر، وإنشاء جامعة الأزهر، ليصبح التعليم الأزهري رافداً خصباً للتطرف. فبعد يوليو أصبح الحاكم يسأل ولا يُسأل، أبديا، لا حدود له، وأصبح التدخل الأمني في شتى مجالات الحياة من الثقافة وحتى مؤسسة الزواج، والمواطن لا قِبل له أمام آلة الدولة. ففساد مبارك هو امتداد ليوليو. ورغم بشاعة العهد الملكي، إلا أنها لا تقاس أو تقارن بما حدث بعد يوليو 1952.
محمد عبد الرحيم