نصوصٌ مهزومةٌ تبدأ بـ(أنا)
[wpcc-script type=”cb1564d6c726412e98611141-text/javascript”]
(1) أنا هوَ المجنونُ – نعم – أنا الذي يُكلّمُ كلَّ غيمةٍ على أنّها غيمتُهُ، وينفخُ من هواه المستحيل في بالوناتٍ ملونة، ويرسلُها مع الريحِ التي صدّقتهُ وآمنتِ بهواه، لا حرجَ على المجنونِ إذن إذا تعلّقَ بالهواءِ وطارَ، فكلُّ غيمةٍ غيمتهُ، وكلُّ غيمةٍ جاءتِ من أرضِهِ هناكَ.
طوبىَ للمجانين الذين (أنا)، طارَوا في بالونةٍ خفيفةٍ، وصارَوا جزءاً من السماء.
(2)
أنا الرقمُ (5) في سلةِ أعدادِ الأخوةِ
قبلَ أنْ ينتهوا أو يتناثروا في الجهات
مثلَ ريشِ الوسادةِ (المبعوجة)
أنا الرقم (1) في ابتلاعِ همومِ الأخوةِ
وذرفِ أحزانهِ بعيداً عنهم وعن البَلد
وأنا البلَد حينَ صارَ أغنيةً وحقيبة
وأنا الألفُ اللينة
تُطوىَ كبلسمٍ على جراحاتهم.
(3)
أنا الذي متُّ مرة
وعدتُ في زورقِ الورق
كلُّ الذينَ رأوكِ بحراً وصدّقوا
قالوا: ضاعَ الفتى!
منذُ أنْ غرقتُ فيكِ
وذقتُ طعمَ الغرق
وتلبَّستُ حيلتك
أسبحُ عالياً/ عالياً باتجاهِ الحياة.
(4)
أنا الذي كنتُ شجرةً
ولي روحُ الأشجارِ الخضراء
سكنَت روحي بابكِ إلى أبدِ الآبدين…
أتهيأُ لأصابعِكِ كجندي
ويؤلمني نقرُ الآخرين عليَّ
ما زلتُ أتذَكَرُ أنيَّ شجرةٌ تتكلمُ
ولستُ خشباً ميتا.
(5)
لستُ شاعراً عظيماً يا فتنةُ
لأنحتَ تمثالاً من الماء في نصي، وأخلدَّ: ضحكتكِ إلىَ الأبد، أسنانكِ اللؤلؤ، عينيكِ الصارختين، فمكِ (الشكولاتة)، أنفكِ قطعة السكر، نهديك الحاملين للتاريخ، شعركِ الخرنوبي المسدل، البذرة التي خبأتها في كفكِ، وصارت شجيرةَ خزامى، صوتك دنينُ الذهب، قوامكِ الحضاري، صمتكِ الدولُ، يديكِ الريحيتين، رجليكِ قلقُ المسافة ولهفةُ الوصول، جذعك المنحني عليَّ وعلى الإنسانية جمعاء رحمةً وسلاماً، أذنيكِ وهما يرصدانِ همسَ الملائكة وصفيرَ عبقر، أذنيكِ الكائنين الناطقين باسمي، تدويرة وجهكِ الأرضية بكل بساتينهِ.
لستُ شاعراً فأفعلُ نصاً سماوياً يشبهك، أزرقَ، ويمتدُ كأرخبيلٍ في الأرواح، حسبي سأتبعكِ، وأرفعُ ظلك عن الأرض، لئلا يتألمَ، فتتألمين.
(6)
نمنا أنا والقدر في سرير، كَمَنا لسربِ الأحلامِ والحقيقة، اصطادَ القدرُ حِلماً، واصطدتُ أنا الحقيقةَ وأنتِ، ثمَّ وقفتُ جانبَ الريحِ أحدّثُها عنكِ، لانَتْ ملامسُ الريحِ حتىَ صارَت عُشباً، وراحَت تُديرُ حواراً معَ الغابة. لكأني لا أنظرُ إلاَّ منكِ إليكِ، وهذا الكونُ الفسيح أنتِ، أنظرُ في الكرةِ الأرضيةِ علىَ الطاولةِ، أرىَ الكرةَ حدقةَ عينٍ/ عينكِ، فأقول: هذا هوَ عالمي. وأخلصُ للعالم الذي هو أنثىَ
وهوَ – أنت – علىَ نحوٍ ما.
(7)
وأنا شبيهُ قارب الموت
فالتقط رسالتي العرجاء يا ماءُ، ثمةَ مهزوم في داخلي، يتوكأُ على الذكرى، ويرسم من طريق الرجوع بيتاً وأطفالاً وحياةً ناقصة، ومن جملة ما يحفظُ جميعَ الأصوات، وأذنهُ صارت آلة موسيقى ونغمة نفير. قُل لأهلي، فَرطِ حَبَّةِ الرُمانِ الناريةِ، المشغولينَ بثمنِ الرصاصةِ وكِسرةِ الخبزِ وتذكرةِ الموتِ إلى أوروبا: محمد لم يتزوج المرأةَ الأوروبيةَ من أصلٍ سوري، واكتفى بإنجابِ أطفالٍ طيبين من ضحكتِها الحلوةِ، أما الحبُّ… وآهٍ من الحبِّ، أصابته جلطةٌ دماغيةٌ، ويتحركُ الآنَ على كرسي متحركٍ، ينتظرُ موتَهُ المُشتهى، يفكرُ محمد بحبٍ جديدٍ، يتحققُ في أحد المطارات، يقتلُ بهِ حبَّهُ القديمَ، وينتظرُ أن يكبرَ طفلاه (ثلاث سنين ونصف السنة) و(سنة ونصف السنة)، ليلتحقوا بالجامعةِ في (كولن)، ثم يتفرَّغ لنزواتهِ وطيشهِ المتأخرِ وصرفِ مالهِ على (الملذات الشخصية)، سَيفكرُ محمد جدياً بزيارةِ بيتِ الحبِّ العمومي في ميرزينيتش، لا لمعاشرةِ الأوكرانية من أصلٍ كازاخستاني ولا لشربِ الفودكا، إنّما ليظفرَ بوجبةِ (القريدس) الشهيرةِ وحمامِ الساونا.
في بلدٍ ليس لك، فكّر بتزجيةِ الوقت
أفضل من موتِك المتكررِ في كل (كريزة) اشتياق.
(8)
أنا ابنكِ العاقُ يا حبيبةُ
فَلتنطبقْ أرضكِ عليَّ وسماؤكِ
الأبناءُ العاقون أمثالي ـ عن غير قصد ـ يستحقونَ حضنَكِ.
٭ شاعر وناقد سوري
محمد المطرود