«يوم أن قتلوا الغناء» أهلاً بجعجعة الستينيات وتهافتها
[wpcc-script type=”a07c9ef0db18b290908c0874-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: «هي عودة للمسرح الغنائي الملحمي». (من جريدة اليوم السابع). «إن العلاقة التي عمل المشاركون في العرض على تأسيسها مع المتلقي ترجع إلى إمتلاك كل ممثل لأدواته التمثيلية بشكل ملحوظ وسليم وباحترافية تجل عن النظير. أنتج الاشتغال المتعدد على المتن النصي إلى تباين في المعنى على مستوى اللغة أو الفكرة. اختار فريق العرض التعاطي مع منظومة سردية تنسجم مع الفكرة، الأمر الذي لم يقتصر فيه السرد على الملفوظ اللغوي بل تعداه إلى تعبيرات لا لفظية من أجل إيصال الفكرة، ويعود ذلك إلى إشتراطات الكتابة النصية نفسها، فضلا عن ذلك فقد امتلك الممثلون قدرات أدائية امتلكت حضورها، فإن الممثلين كانوا يوظفون أدواتهم التمثيلية بشكل فاعل وجاد، ذلك أن المشاهد التي قاموا بتجسيدها تحتكم على أفكار مثيرة، وهذا جعل الأداء أكثر من رائع». (من دراسة نقدية في جريدة البيان).
هذه بعض العبارات المنتقاة التي وردت في الصحف كمتابعة تهليلية للعرض المسرحي «يوم أن قتلوا الغناء» الذي فاز بجائزة أفضل عرض في المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الأخيرة. وبخلاف عبارة العودة إلى المسرح الملحمي ــ الكلام مجاني بالطبع ــ تأتي عبارات مثل امتلاك الممثل لأدواته، والتفذلك ــ بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي ــ في صياغة العبارات الأخرى التي تصبح بدورها أكثر دعائية وسذاجة. هذا حال بعض المتابعات، الكلام لمجرد الكلام! الأمر الأكثر غرابة هو الحالة الاحتفائية العجيبة ــ وكأننا أمام أوديب سوفكل مثلاً ــ بنص مكرور الحكاية منذ البداية، إضافة إلى مشكلات مزمنة في العرض المسرحي نفسه، من أداء تمثيلي متكلف، وكلمات أغاني من قبيل «في الصباح الشمس تشرق/ومعها دفء ونور/والطيور تغني وتفرح/تعزف لنا لحن الزهور». أو «قريبا سوف تكتمل السفينة/ونصعد فوقها جميعا في سلام/ونزرع في قلوب الناس السكينة والحب/ثم ننزل على الأرض الجديدة/نبني بيوتا بأوراق الشجر/ونزرع مكان الدموع السعادة التي ستندفع بقوة من أعيننا لنعرف أن هناك دموعاً أخرى جديدة غير تلك التي تندفع من شدة الظلم والفقر». العرض أداء كل من ياسر صادق، وعلاء قوقة، وحمادة شوشة، وطارق صبرى، ومحمد ناصر، أداء صوتي نبيل الحلفاوي، وموسيقى أحمد نبيل، ديكور محمد سعد، وملابس مروة منير، وتعبير حركي عمرو باتريك، ومن تأليف محمود جمال وإخراج تامر كرم. والعرض من إنتاج مسرح «الطليعة».
لعبة الخير والشر
شقيقان سيلبا ومدى، الأول يختلق إلهاً، ويصبح هو المعبّر عنه، وبالتالي يتسيد جموع الناس، بما أنه المتحدث بلسانه، والثاني يعزف على الناي ويغني. وما بين السلطة والحرية يصبح الناس/الشعب محل الصراع. يمنع سيلبا الذي أصبح حاكماً، الغناء وكانت عقوبته القتل، وبينما امرأة تحتفي بوليدها فيتم ضبطها تغني وتُقتل، ويقوم سيلبا بتربية الطفل، الذي يصبح قاتلاً عديم المشاعر. وفي ظل حالة الخوف والرعب من الجميع، يقوم مدى ورفاقه بمحاولة بناء سفينة ضخمة والفرار بها من أرض المظالم هذه. نحن أمام تشكيلة من أساطير دينية وحكايات أسطورية تم توليفها، وادعاء أنها تتغنى بالحرية وتنتصر للأمل، وكل هذه الكلمات التي تفقد دلالتها في ظل ما نعيشه بالفعل، فالحاكم ينجح عن طريق الشاب الذي تبناه في قتل أخيه، وقتل فتى وفتاه من شيعته ــ بما أننا في إطار الأساطير الدينية ــ ولا يهم الموت في سبيل الفكرة، وهكذا عبارات من سبيل «الأفكار لها أجنحة» وكده يعني. ويلوذ الجميع بالسفينة/الحلم في النهاية، وتوتة توتة.
إرهاب الدين أم إرهاب السلطة؟
حاول مخرج العرض من خلال أحاديثه ــ لا من خلال العرض ــ أن يقول إنه يناقش قضايا التطرف والإرهاب باسم الدين، وهذا لا خلاف عليه، ففي أي مجتمع متخلف ستظل المكانة المتضخمة لرجال الدين، والتقوّل دائماً بديلاً عن الله. وبالطبع التقطت المتابعات الصحافية من المخرج الكلمتين واشتغلت تطبيلا، فالنص ضد الإرهاب والظلام الفكري وهكذا عبارات أنهكتها البلاغة. لكن بجانب الإرهاب الديني وسيطرته على وعي العامة، هناك الإرهاب الأساسي وهو إرهاب السلطة الحاكمة، والتي تستغل بدورها الدين ورجاله الأوفياء في خدمة رجلها الأول، حاكما كان أو ملكا أو رئيسا حسب موضة عصرنا السعيد. فالأمر يتماس أيضاً بل وأكثر مع السلطة السياسية، التي حاول العرض أن يؤصل لها دينياً ويلعب في توتر ما بين أساطير دينية معروفة للمتفرج، كقابيل وهابيل ونوح وسفينته، ذلك بما أننا في حكاية أسطورية. وبالطبع لا يمكن أن يكون النضال ضد الحاكم إلا بالغناء والحب ــ نعرف أنها حالة مجازية ــ والأفكار الموهومة، وأن ينتصر الشاب القوي ــ ابن المرأة المقتولة، شهيدة الغناء ــ وينضم إلى فريق سفينة الحالمين، وأين الشعب؟! أين المقاومون من المجهولين، الجموع الذين لا ولن يصبح أحدهم نجماً أو بطلاً؟ بل فقط هنا في هذا العرض الثوري ينتظرون الحل، لينشروا الفرح والسعادة البلهاء، دائماً في موقف الكورس من المغني البطل، حتى وإن صعد إلى سفينة الخلاص المزعومة، فسيصبح سلطة بدورة، وتُعاد الكرّة، و»لا تحلموا بعالم سعيد».
مفردات العرض المسرحي
تحدثنا عن حكاية العرض وفكرته الباهتة، وتعرضنا لبعض من كلمات الأغاني التي تتكرر طوال العرض وكأنها المُعبّر عن الفكرة. لكن اللافت وأهم ما يميز العرض هو تصميم بعض اللوحات الأدائية، كقتل الأصدقاء الثلاثة على سبيل المثال، أما اللوحات الغنائية والراقصة في عالم الطيبين أصحاب السفينة، فيبدو عليها الارتباك الشديد والابتسامات المتكلفة والمُفتعلة في وجه الجمهور. وتبقى سمة الديكور في الإيحاء بجو الرهبة من الإله الوهمي المعبود، وكذا بعض التكوينات في عمق خشبة المسرح وعلى جانبيها، ويبدو التناقض التام أيضاً ما بين بيت الإله وقصر الحاكم، وفقر التكوينات ولغة التشكيل التي غابت تماماً عن عالم هؤلاء. لا نقصد التقابل بين التفخيم والبساطة، بل عدم الاهتمام والتوازن بين تفاصيل العالمين. أما الأداء التمثيلي فهو الطامة الكبرى، أداء متكلف غاية في الافتعال، ربما ضبطه بعض الشيء كل من علاء قوقة، وياسر صادق وحمادة شوشة، والأخير أكثرهم انضباطاً من ناحية افتعال الأداء، وهو ما يذكرنا بالعروض المسرحية في ستينيات القرن الفائت، التي كان أغلبها يقوم على الطنطنة البلاغية والصراخ والمبالغة، اللهم بعض التجارب المسرحية القليلة. فالعبارات يؤديها الممثل في عصبية زائدة، وانفعالات غير مدروسة ــ نتحدث عن الغناء الذي لا يجب قتله ــ فربما العودة إلى مثل هذه العروض العجيبة هي ما خلقت حالة من الإحساس بالقيمة، القيمة المتفاوتة، والتي دوماً تشير إلى موضوعات تحاول الإيحاء بالأهمية والوعي ونبض الجماهير والتعبير عن أحلامهم وآمالهم، كلها مفردات كان الإصرار على التغني بها سبباً في الكثير من العواقب الوخيمة.
الفائز بجائزة أفضل عرض في المهرجان القومي للمسرح:
محمد عبد الرحيم