الفيتوري… شاعر القضايا العربية والمتأزم مع أنظمتها

القاهرة ـ «القدس العربي»: يعد الفيتوري من رواد الحركة الأدبية العربية المعاصرة، وكذلك من رواد الشعر الحر الحديث، وتجلى ذلك في الكثير من قصائده، ومنها قصيدة «تحت الأمطار»، التي تحدى فيها كل ما تنص عليه القواعد القديمة لكتابة الشعر. وتأثر الفيتوري تأثراً لافتاً بالتراث السوداني، فنجده يتحدث عن إيقاع أبياته الشعرية بأنها تحمل الطبول والدفوف الأفريقية، كما استقى الكثير من المفردات التراثية، وكذلك أثرت فيه تجربة والده وجده الصوفية، ليستقي من الصوفية الكثير من الأفكار والمفردات، لكن ما سبق لا يقارن بما تأثر به من جدته، التي طالما كانت تشكو إليه وهو صغير ما تلاقيه من اضطهاد بسبب لون بشرتها الأسود، لتزرع فيه حكايات جدته عقدته ضد كل ما هو عنصري وضد العبودية.

 الفيتوري… شاعر القضايا العربية والمتأزم مع أنظمتها

[wpcc-script type=”36496d1b86d8ff2d5f3c2383-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: يعد الفيتوري من رواد الحركة الأدبية العربية المعاصرة، وكذلك من رواد الشعر الحر الحديث، وتجلى ذلك في الكثير من قصائده، ومنها قصيدة «تحت الأمطار»، التي تحدى فيها كل ما تنص عليه القواعد القديمة لكتابة الشعر. وتأثر الفيتوري تأثراً لافتاً بالتراث السوداني، فنجده يتحدث عن إيقاع أبياته الشعرية بأنها تحمل الطبول والدفوف الأفريقية، كما استقى الكثير من المفردات التراثية، وكذلك أثرت فيه تجربة والده وجده الصوفية، ليستقي من الصوفية الكثير من الأفكار والمفردات، لكن ما سبق لا يقارن بما تأثر به من جدته، التي طالما كانت تشكو إليه وهو صغير ما تلاقيه من اضطهاد بسبب لون بشرتها الأسود، لتزرع فيه حكايات جدته عقدته ضد كل ما هو عنصري وضد العبودية.
كما تجلى صراع الفيتوري ضد الرق والاستعمار في الكثير من أعماله الشعرية، مناقشاً لقضية «الزنوجة» ونبذه لكل أنواع العنصرية، داعياً الزنوج إلى التفاخر بلونهم الأسود الذي لا يعني أبداً أنهم على درجة أقل شأناً من الرجل الأبيض، الذي كان رمزاً لاحتلال الأوطان في أفريقيا.
أما اهتمامه بالحركات التحررية الأفريقية فكان بطول القارة السمراء وعرضها، داعياً الشعوب إلى التحرر من محتليها ومن قيودها، ومما يعكس مدى اهتمام الشاعر الراحل بالشأن الأفريقي هو صدور أربعة دواوين له بعناوين «أغاني أفريقيا 1955»، «عاشق من أفريقيا 1964»، «اذكريني يا أفريقيا 1965» و»أحزان أفريقيا 1966»، ليصبح الفيتوري أحد الأصوات البارزة التي حملت هموم القارة السمراء، وناقشت قضاياها وعكست معاناتها. ولم ينفصل الفيتوري عن هموم العالم العربي، خاصة القضية الفلسطينية، التي ساندها ودعمها.
وعلى الرغم من أن الفيتوري كتب الكثير من شعر المنفى، إلا أنه في أكثر من لقاء معه أكد أنه لا يشعر بالغربة في أي بلد عربي، حيث يرى الوطن العربي كله وطنا له، ولقد تنقل في الكثير من البلدان العربية طوال مسيرته الأدبية. من ناحية أخرى تعرض في شعره إلى الشخصيات التي ارتأى فيها تجسيداً لأحلامه بالحرية والاستقلال، فكتب شعراً في مانديلا، وبن بلة ورفاقه ممن أشعلوا فتيل الثورة الجزائرية، ولومومبا، كما كتب أيضاً عن هزيمة حزيران/يونيو عام 1967، متعرضاً لاستبداد الحكام العرب، وفساد الطبقة الحاكمة.

المرأة ورمزيتها

ولم يغب الجانب العاطفي عن شعر الفيتوري، حيث تجلت المرأة وعشقها في العديد من أعماله الشعرية، فدائما ما يرى العاشق في حالة دائمة من الظمأ الذي لا يرتوي، وتنوعت رؤيته للمرأة بتنوع قصائده، فهي المعشوقة التي تبحث دائماً عمن يفهمها، وهي المناضلة التي ترمز إلى الوطن ونضاله ضد الظلم والاستعمار قصيدة «رسالة إلى جميلة».

الموقف من الأنظمة العربية

دفع الفيتوري الكثير لقاء آرائه ومواقفه السياسية، إلى حد إسقاط الجنسية وسحب جواز السفر السوداني منه في عام 1974، بعد معارضته الشديدة لنظام حكم النميري في السودان، وقامت الجماهيرية الليبية بقيادة القذافي آنذاك بتبنيه ومنحته جواز سفر ليبيا، وعمل مستشاراً ثقافياً للسفارة الليبية في إيطاليا، ثم مستشاراً وسفيرا في السفارة الليبية في لبنان، ومستشاراً للشؤون السياسية والإعلامية في سفارة ليبيا في المغرب.
بعد سقوط نظام القذافي تم سحب جواز السفر الليبي منه، واستمر في الإقامة في مدينة الرباط في المغرب، إلى أن استجابت السلطات السودانية لدعوات رد الجنسية وجواز السفر السوداني إليه، وبالفعل منحته السودان جواز السفر الدبلوماسي. علاقة الفيتوري بالسلطة تتسم بالتشابك والتعقيد والاضطراب الشديد، فبينما طرده النميري من السودان وأسقط عنه جنسيته، قربه إليه القذافي وأعطاه جواز سفر دبلوماسياً وعينه سفيراً، إلى حد وصفه في إحدى قصائده بأنه مثل بعض النبيين! وأعجب به صدام حسين وقربه إليه بعد كتابته في بغداد قصيدة «يأتي العاشقون إليك»، ومنحه جائزة قدرها مئة ألف دولار. كما أعجب به السادات وتم إدراج بعض قصائده ضمن مناهج بعض كليات الآداب للغة العربية في أواخر فترة السبعينيات من القرن الماضي، وكذلك في مناهج اللغة العربية للتعليم الأساسي.. منها قصيدتا «من أغاني أفريقيا» و«أصبح الصبح»، حتى هاجمه في إحدى قصائده بعد اتفاقية كامب ديفيد «الراقدون على بطونهم والدجى من فوقهم حجر» إرضاء للقذافي، الذي كان على خلاف مع السادات. كما هاجم جمال عبد الناصر هجوما ضاريا قصيدة «مات الساعة 6». كما كان صديقاً لبن بلة رئيس الجزائر السابق، وكتب فيه مدحاً في إحدى قصائده.

من أشعاره …
وسّد الآن رأسك
متعبة هذه الرأس
مُتعبة
مثلما اضطربت نجمة في مداراتها
أمس قد مَرّ طاغية من هنا
نافخاً بُوقه تَحت أَقواسها
وانتهى حيثُ مَرّ
كان سقف رَصَاصٍ ثقيلاً
تهالك فوق المدينة والنّاس
كان الدّمامة في الكون
والجوع في الأرض
والقهر في الناس
قد مرّ طاغيةُ من هُنا ذات ليل
أَتى فوق دبّابةٍ
وتسلَّق مجداً
وحاصر شعباً
غاص في جسمه
ثم هام بعيداً
ونصَّب من نفسه للفجيعة رَبَّا
(من قصيدة التراب المقدس)

ببلوغرافيا

الأعمال الشعرية والمسرحية:
أغانى أفريقيا 1955، عاشق من أفريقيا 1964، اذكريني يا أفريقيا 1965، أحزان أفريقيا 1966، البطل والثورة والمشنقة 1968، سقوط دبشليم 1969، سولارا (مسرحية شعرية) 1970، معزوقة درويش متجول 1971، ثورة عمر المختار 1973، أقوال شاهد إثبات، ابتسمي حتى تمر الخيل 1975، عصفورة الدم 1983، شرق الشمس… غرب القمر 1985، يأتي العاشقون إليك 1989، قوس الليل… قوس النهار 1994، أغصان الليل عليك، يوسف بن تاشفين (مسرحية) 1997، الشاعر واللعبة (مسرحية) 1997، نار في رماد الأشياء، عريانا يرقص في الشمس 2005.

الجوائز:
حصل الفيتوري على العديد من الجوائز، منها وسام الفاتح الليبي، والوسام الذهبي للعلوم والفنون والآداب من السودان.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *