تشكيليات مصريات يستعرضن تطورات تجاربهن الفنية
[wpcc-script type=”91cf210b3b9bb1b9c5b97fe0-text/javascript”]
القاهرة ــ «القدس العربي» : تحت عنوان «الفن النسوي رؤية مصرية معاصرة» أقيمت ندوة في متحف الفن الحديث في دار الأوبرا المصرية في القاهرة. أدارها الفنان سمير فؤاد، بمشاركة كل من الفنانات أسماء النواوي وهند الفلافلي وإيمان أسامة، وكلهن يعملن في السلك الأكاديمي في كلية الفنون الجميلة في جامعة حلوان. وبعد البداية التأصيلية والتاريخية التي قدمها سمير فؤاد للحركة النسوية في الفن العالمي، قامت كل من الفنانات المشاركات بتقديم تجربتهن الفنية وتطورها من خلال استعراض بعض من أعمالهن والتعليق عليها، ورغم تنوع هذه التجارب وتباينها، إلا أن اللافت هو استغراق الفنانات في ذواتهن، ومحاولة التحقق من خلال تجاربهن الفنية، يخبو الاجتماعي إلى حدٍ كبير، رغم الادعاء بالتفاعل مع الحالة الثورية التي شهدتها مصر، هناك أعمال تم استعراضها، نسبتها الفنانات إلى المناخ الثوري، لكنه لا يرقى إلى حدث الثورة، وكأنهن منعزلات تماماً وغارقات في مشكلات وقضايا الذات، كتهويمات ما بين إقحام الرموز والأساطير والبحث عن الحب المفقود.
إرهاصات الحركة وأعلامها في الفن
أشار الفنان سمير فؤاد في مقدمته التنظيرية إلى أن بداية من العصر الحجري الحديث وحتى الآن نعيش عصر السلطة الذكورية، ورغم الاختلافات والتباينات النفسية والفيزيقية ما بين الرجل والمرأة، إلا أن هذا لا ينفي حال المساواة بينهما، هذه المساواة التي تولدت نتيجة تقدم الوعي الإنساني والمدنيات الحديثة، خلال ذلك خاضت المرأة تاريخا طويلا من النضال لاسترداد حقوقها في الحياة والفن. فالحركة النسوية لها إرهاصات تاريخية قبلما تتبلور في حركة أو منهج نقدي ورؤية أصبحت تسمى بالـ«النسوية» ــ الحركة لا تقتصر في تنظيراتها وأسسها على النساء ــ وفي مجال الفن التشكيلي استعرض فؤاد تجارب العديد من الفنانات الغربيات، أمثال، ماري كاسات، جورجيا أوكيف، فريدا كالو، ميريت أوبنهايم، ولويز بورجوا. ومع تباين هذه التجارب تبدو محاولة عدم انفصام الذاتي عن الاجتماعي، وعدم حصر المرأة في منطقة الإغواء الجنسي التي أراد لها الرجل أن تظل بها، وأن تعبّر عنها جسداً وروحاً. كما أن هذه التجارب لم تتخذ دوماً نغمة التواجد أو الاعتراض الهادئ، كما كان في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بل وصلت حد الصدمات والعنف، خاصة في فترة المد الثوري العالمي في ستينيات القرن الفائت. ظهر ذلك من خلال أعمال تعبّر عن الأمومة والأعمال المنزلية، والسخرية من حصر المرأة في هذا الدور فقط، فتولدت رؤية شاملة للعالم ــ الحياة والفن ــ من خلال وجهة النظر النسوية. كما أشار فؤاد إلى بعض التجارب في الشرق، منها الإيرانية شيرين نشأت والمصرية أمل قناوي.
ترى الفنانة إيمان أسامة أنها تحاول من خلال أعمالها ألا تغيّب الجسد الأنثوي، فهو ليس عيباً ــ وإن كان يبدو كذلك اجتماعياً ــ فهو مثال للجمال، وعن طريق استحضار الجسد تبدو المرأة وقضاياها كفكرة وموضوع. المرأة هنا سواء كانت في شكل خطوط أو كتلة لونية تبدو في صراع دائم مع محيطها الاجتماعي وذاتها في الأساس، حالات مختلفة من القلق والتوتر والعزلة. كما أنها حاولت ألا تحصر المرأة في شكل الرمز الجنسي، جسدها الموسوم بالإغواء كما في العقلية الذكورية. أصبحت المرأة كعمل فني بالنسبة للفنانة ومع تطور أساليبها التشكيلية أن تكون هي أساس التجربة الفنية ككل.
عالم المرأة ومعاناتها
وتحدثت الفنانة هند الفلافلي عن تجربتها بداية من الرسم بالرصاص وصولاً إلى التصور الزيتي، والعمل من خلال اللوحات كبيرة الحجم، لأنها ترى أنها تكون أكثر حرية في التعامل وفق هذه المساحات. وحاولت الفكاك من أسر الأكاديمية قدر الإمكان. وتبدو الحرفية والتمكن من التقنية في الأعمال الفنية، فاللوحات مدروسة إلى حدٍ كبير، هناك ابتعاد تام عن التلقائية أو الانفعال اللحظي، فالمنطق المحسوب هو ما يسيطر على هذه الأعمال. أما بالنسبة لموضوعاتها فهي ــ حسب قولها ــ تجسيداً لمعاناة المرأة، خاصة في مجتمع شرقي ويعاني من رِدة حضارية شديدة. كالنظر إلى المرأة ككائن هامشي. وفي أعمالها يبدو التأثر الكبير بالمدرسة المستقبلية، التي تعتمد على تحليل الحركة، كمحاولة لاكتشاف الدلالة والجماليات. وفي ما يخص الثورة المصرية، استعرضت الفلافلي عدة لوحات حاولت أن تنسبها إلى الثورة وأثرها، لكنها لا تمت للثورة بصلة، ولا تختلف عن مجموعة أعمالها التي عرضتها، اللهم إلا تأويل الفنانة نفسها لهذه الأعمال، هذه التأويلات أو التفسيرات التي أفسدت الأعمال إلى حدٍ كبير.
الرمز واللغة البصرية
وتقول الفنانة أسماء النواوي عن تجربتها، ومحاولة بحثها الدائم عن صيغة تشكيلية مختلفة، فوجدت ضالتها في الرمز، وكيف يكون بذاته لغة بصرية، ونسبت إلى العولمة إمكانية التفاعل مع كل الحضارات ورموزها، كالرمز الأمريكي القديم للأرض الأم، وهو ما استخدمته في العديد من لوحاتها، كذلك بعض الزخارف الفارسية، ومحاولة قلب دلالة بعض الرموز في ثقافتنا، كالغرابيب والبوم، بعيداً عن الإيحاء بالتشاؤم، وصولاً إلى الحكمة وما شابه. من ناحية أخرى اعتمدت النواوي على بعض الأشكال والرموز التراثية، كتعويذة العروس الورقية ضد الحسد، وهو ما كانت تفعله الجدات والأمهات لوقت قريب مع الأطفال، لكن رغم الحِس الفني الراقي للفنانة، إلا أن هذه الأعمال ستظل بعيدة بعض الشيء عن المتلقي، فما تظنه رمزاً عالمياً ما هو إلا رمز محلي خاص بالمجتمع الأمريكي، وما نراه إلا محاولة للبحث عن الاختلاف لمجرد الاختلاف والتأويل حسب الهوى، العمل الفني في حالة النواوي غارق في الذاتية وصولاً إلى النرجسية ــ لم تنس النواوي نسب بعض أعمالها إلى الثورة ــ وحيدة في فراغ تحارب طواحين الهواء.
نظرة أخيرة
ليس كل من يستحضر امرأة في عمل فني أو أدبي يصبح من دعاة أو دلالات الفكر النسوي، كما لا يقتصر هذا الفكر على النساء وإنتاجهن الفني، الأمر أكثر تعقيداً، فهو دوماً يرتبط بما هو اجتماعي وسياسي واقتصادي، حالة من الوعي الحاد، خاصة أن الفنان يريد أن يعتلي منصة الخطاب، وأن يواجه المتلقي من خلال هذا الفن أو ذاك، لكن التجارب التي شاهدناها من فنانات ــ أكاديميات ــ لا ترتقي لعنوان الندوة التي شاركن بها، فهن بعيدات تماماً عن المسألة النسوية ومشكلاتها وتعبيراتها ودلالاتها، وما الأمر إلا تعبير عن الذات لا أكثر ولا أقل، لا نقول بأن تصنع الفنانة مقولات أو أعمال مباشرة ــ لا نتحدث عن التأسي لعاملات المصانع أو الفلاحات في الحقول ــ لكن الفنانات يردن الانتساب إلى فئة تخطّت ما يحاولنه بمراحل، وللغرابة منذ زمن بعيد، وتاريخ الفن التشكيلي يشهد العديد من النماذج.
في ندوة احتضنها متحف الفن الحديث في القاهرة
محمد عبد الرحيم