«3000 ليلة» فيلم لــ مي المصري في «مهرجان لندن السينمائي»: شهرزاد الفلسطينية في قبضة الاحتلال الإسرائيلي
[wpcc-script type=”ee9260ed5f8c098dbe340d74-text/javascript”]
لندن ـ «القدس العربي»: تحضر شهرزاد في ثوب جديد، تنسج الحكايا على نوله بمنطق مختلف ومنطلقات مختلفة بالضرورة، الانتصار على الموت هو غاية الحكاية هنا وهناك، استنطاق الأسطوري والسحري وخلق العالم من نقطة بدء تنتصر لوعي المخلوق بمصيره وأقداره، بأحلامه وإيمانه بمقدرته على الخلق والانعتاق من ربقة القدر المحتوم والمقرر سلفاً؛ شهرزاد هنا لا تجلس تحت أقدام الملك كل ليلة من لياليها الألف وليلة، لتسلّيه وتنجو بسحر سلطة اللغة، شهرزاد في ثوبها الجديد تتسلطن في تركيب الصور بلغة عصر جديد، ووعي جديد بأقدارها ومصائرها، كما تبدّى لنا في شريط الفلسطينية مي المصري السينمائي الأخير «3000 ليلة» (عرض أخيراً ضمن فعاليات «مهرجان لندن السينمائي» إثر مشاركتها في «مهرجان تورنتو السينمائي الدولي» في سبتمبر/أيلول الماضي، ثم في «المهرجان السينمائي الدولي في كوريا الجنوبية). شهرزاد هنا تكتب بلغة الكاميرا حكايا جديدة بالغة الخصوصية والعمق.
تختبر ليال – بطلة الفيلم وشهرزاده – ليلتها الأولى في السجن، في ليلة ماطرة، وهي ليست ناشطة سياسية أو ذات خبرة بالمعتقلات والسجون، هي معلمة مدرسية ألقت بها أقدارها في خضم التجربة، لتشرع في تحولات دائبة من خضم التجربة نفسها: جلسات التحقيق القاسية ومحاولات نزع اعترافات على جرائم مفترضة، انتهاك للكرامة ومساومات أخلاقية بائسة، قبل أن تقدم لأي محاكمة عادلة أو غير عادلة. الأقسى مواجهة الليلة الأولى في زنزانة محتلة بسجينات جنائيات إسرائيليات.
مجابهة العنصرية في أحطّ صورها
في الجانب الآخر تجابه ليال شكوك سناء، المناضلة السياسية الراسخة والقيادية الملهمة في الزنزانة الأخرى، قبل أن تنتقل إليها، أيضاً تجابه ليال في ليلتها الأولى هناك خذلان الرفيق، شريك العمر، حين تكتشف أنها حبلى في شهورها الأولى. تتبدى شكوك سناء أولاً في أسئلتها المباشرة والحادة لليال، حين كانت تحظى بزيارات من زوجها وبعض مكالمات هاتفية معه في مكتب مديرة السجن، الأمر الذي يعد ترفاً نسبة لقدامى السجينات، ما لم يك مرتبطا بصفقة ما.
على الجانب الآخر فجيعتها حين تكتشف أنها حبلى ويتوافق موقف زوجها مع موقف إدارة السجن، التي ترى أن إسقاط الجنين هو الحل الأفضل لكونها لا تزال قابعة في جدران السجن. أكثر من ذلك؛ تعبير زوجها نفسه بالشك في نسبة الجنين له، عندما يلمح لشبهة تعرضها للاغتصاب، ومواقفه العملية، مثل انحيازه للسفر والهجرة إلى كندا. تختبر ليال روح المصادمة والنضال، وهي تتحسس طريقها للأمومة لأول مرة، تقاتل من أجل «نور» وتتبلور شخصيتها الجديدة من خلال الأحداث والمواقف في سياق الحكاية.
مي المصري، صاحبة الحكاية وصانعة الصور، تختبر إنسانية المشاهد بمقدرتها الفائقة على تفجير ما هو شاعري في خضم تفاصيل الأحداث الصادمة، تستخلص من مشاهد البؤس في جدران الزنازين وقسوتها أنبل التفاصيل التي تنتصر للحياة، في لحظاتها العادية، والحنين الفطري لضوء الشمس، وصنع الطعام وتنشئة الأطفال بما يستحقون من عطف وحنو ورعاية. ترصد كاميرا المصري شهرزاد الحكاية وهي تلاعب طفلها نور في السجن الانفرادي إثر انخراطها في الإضراب السياسي للسجينات العربيات احتجاجاً على مجزرة «صبرا وشاتيلا». تلعب معه بدمية عصفور حتى ينام والدمية في قبضته الغضة. تقنص مي المصري دمية الطفل في تلك اللحظة، ويتحرر العصفور من قبضة الطفل النائم، يتحرر من جماديته بغتة، فتضج الشاشة بسحر الجمال الخلاق وترتعش القلوب بنبض الحياة والأمل.
تجربة الحياة في السجن ظلت لوقت طويل ملهمة لأعمال أدبية وفنية كثيرة، لكن تجربة الحياة في سجن النساء، ظلت مغيبة عن دوائر التداول الأدبي والفني، على الأخص تجارب السجن النسائي السياسي، ومن بينها تجاربهن في ظل الاحتلال.
في تجربة «ليال» يحق لنا أن نسأل عن قيمة العمل الإبداعي وعمقه في آن، من دون أن يكون نتاجاً لأسئلة وافتراضات مسبقة؛ صانعة الشريط السينمائي عملت على إبراز قضاياها بوضوح واقتدار فني ملحوظ، لنكتشف بأنفسنا ما هو هناك، ما يقبع خلف الظلمة، لنكتشف المنسي والمهمل ربما عن عمد وإصرار.
على مسرح سينما «Curzon Mayfair» في لندن ألقت مي المصري أخيراً التحية على الحضور الكبير في الصالة، قالت «هذا الفيلم لم أصنعه وحدي». قدمت الشكر لفريق العمل من محترفين وهواة، وبأريحية تجاوبت مع أسئلة ومداخلات الحضور في ختام العرض. الفيلم إنتاج فلسطيني فرنسي أردني لبناني مشترك، شاركت في بطولته ميساء عبد الهادي ونادرة عمران.
الصّادق الرضي