كتبت – ندي سامي:
رسوم – سحر عيسى
خلف الكثير من الأبواب المغلقة، هناك العديد من الأمهات التي تتعايش مع ذلك المرض، الذي يقع على عاتق أطفالهن منذ صرخة الميلاد، مرورًا بفترة المراهقة، وصولًا إلى مرحلتي الشباب والشيب.
وفي السطور التالية، نكشف النقاب عن ثلاث حالات بأعمار مختلفة، تكبدت أمهاتهم أعوام من المعاناة مع التوحد، الذي مازال علاجه ضرب من ضروب الخيال.
“زياد” قتلته العزلة
أشبه بدمية متحركة، يميل إلى العزلة، لا يرغب في مشاركة أقرانه باللعب، هكذا وصفت صفاء وليدها، الذي ظنت أنه يعاني من فقدان السمع أو البصر، فطرقت أبواب الأطباء، لمعرفة علة صغيرها، إلى أن أثبتت الفحوصات أن “زياد” بصحة جيدة، ولكنه يعاني من “الأوتيزم”.
كان وقع الكلمة غريب على أذنيها، فاحتضنت طفلها، وحاولت أن تقنع نفسها بأنه لا يعاني من شئ، إلى أنها لاحظت أن حالته في طريقها إلى التفاقم، ما دفعها للبحث عن كلمة “الأوتيزم”، حيث اكتشفت أنه أحد أنواع مرض التوحد، الذي يسبب عطب في الجهاز العصبي المركزي، يجعل المصابين به يميلون إلى العزلة، ويفقدون القدرة على التكيف مع العالم الخارجي.
أقرأ أيضًا: خلقي أم مكتسب.. كيف يتعرض الأطفال للإصابة بالتوحد؟
وبعد أن أيقنت خطورة مرض طفلها، طرقت صفاء أبواب مركز دراسات الطفولة، وهناك وجدت الرعاية الشاملة لزياد، الذي خضع لجلسات تخاطب ورعاية نفسية وتعديل سلوك، فضلًا عن العلاج الوظيفي والحركي، وعلى الرغم من اختفاء الكثير من أعراض المرض، إلا أنه مازال يعاني من الأنطواء والعزلة الاجتماعية، إلى جانب اضطرابات النوم.
كما خضعت صفاء -هي الأخرى- للعديد من الدورات التدريبية، لكيفية التعامل مع الأطفال المصابين بالأوتيزم، تحت إشراف عدد كبير من المتخصصين، ما حسّن من حالتها النفسية، وانعكس بالإيجاب على حالة زياد، إلأ أن أصبحت واحدة من العاملات بالمركز، وساهمت بشكل كبيرة في علاج المصابين به.
“يوسف” واجه التوحد بمواكبة الموضة
لم تختلف حالة “يوسف” عن زياد كثيرًا، فكان يعاني أيضًا من طفولة مضطربة، ولم تتعرف والدته على حقيقة مرضه، إلا بعد أن أتم الرابعة من عمره، ما جعلها تترك وظيفتها وتتفرغ له، خاصةً عندما انفصل عنها زوجها، ورفضت أي من الحضانات استضافته، بحجة أنه مختلف عن باقي زملائه، ويجب أن يتواجد في مكان مختص للتعامل مع ذوي الإعاقة، ما أصاب حنان باليأس.
لاحظت حنان أن نجلها غريب الأطوار، وهذا ما دفع زملائه للنفور منه، وشعوره بالوحده جعله يمضي يومه بعد المدرسة في البكاء حتى الخلود إلى النوم، مما أدي إلى تراجع مستواه الدراسي.
علامات تدل على إصابة طفلك بالتوحد.. تعرفي عليها
أصبح الأمر أكثر تعقيدًا عندما بلغ يوسف الـ14 عامًا، وبدأت علامات البلوغ تعتلي ملامح جسده، ولكن مازال عقله في عمر طفل يحبو، ولكن حاولت حنان أن تقلص الفجوة بينه وبين أقرانه بتصفيف شعره وجعله يرتدي ملابس تواكب موضة العصر، وقررت أن تواجه العالم بنجلها المختلف، وتساعده على التحكم في مشاعره، الذي لا يجيد التعبير عنها.
“مريد” طفل في جسد شاب
أما عن الشاب فلسطيني الكائن بحي شبرا، على الرغم من أنه يبلغ من العمر 23 عامًا، إلا أنه سرعان ما يتحول “مريد” إلى طفل صغير يجهش بالبكاء، عندما يتعرض للمضايقات من أصدقائه.
ولكن لا يظهر على ملامح أمه علامات التعجب، عندما تجد نجلها في تلك الحالة، لأنها اكتشفت إصابته بمرض التوحد في عمر 5 سنوات، ما جعلها تعتاد على ذلك، ومن يومها ظلت تبحث على الشبكة العكنبوتية وتطرق أبواب مراكز علاج التوحد، للوصول إلى علاج، يضمن له أن يمضي الباقي من عمره كباقي أقرانه.
قد يهمك أيضًا: أسباب متعددة للتوحد عند الأطفال.. إليكِ أعراضه وموعد ظهورها
وكباقي مصابي التوحد، لا يستطيع مريد أن يتحكم في مشاعره، ما يجعله يغاز الفتيات، ويعرض نفسه وعائلته للعديد من المشكلات، لأن هيأته لا تنم عن إصابته بمرض عقلي، يجعله ينفجر من البكاء، إذا وجد أن بيجامته الرمادية التي يرتديها عند نومه غير جاهزة، ما جعلها تكرث حياتها له، وتتناسى أن لديها أبناء أخرين، لتتجنب تفاقم حالته إلى التشنجات، التي لازالت تفزعها رغم مرور كل هذه السنوات.