3 دروس تتعلّمها من السفر بمفردك

قبل سنوات مضت، قمت بواحدٍ من أكثر الأعمال جرأةً في حياتي؛ فقد سافرت في شهر يونيو من عام 2008، بمفردي إلى مدينةِ أوبود، في جزيرة بالي الاندونيسيَّة. كان عمري في وقتها 27 عاماً، ولم يسبق لي قبل ذلك أن غادرتُ أرض الولايات المتحدة أبداً، على الرَّغم من رغبتي المستمرة في القيام بذلك. فقد تركني مزيجٌ من الخوف والراحة، رهينةً لألفتي وتعودي على نمط حياتي.

Share your love

تلاقت الأوصاف المُفَصِّلَة للكتاب عن الثقافة الإندونيسية الغنية وريف اندونيسيا الخصب، مع رؤيتي المتخيَّلة للمنحوتات الخشبية المزخرفة والمعابد الملونة وحقول الأرُزْ المترامية الأطراف. ولم يترك لي نسيجُ الحياة الجميل الذي كنتُ أتخيله في عقلي أيَّ تساؤلٍ عن مكان رحلتي الأولى للخارج. وذلك عندما امتلكت ما يكفي من شجاعةٍ للقيام بتلك الرحلة لوحدي، كما فعلت مؤلفة ذلك الكتاب؛ إليزابيث جيلبرت. لذا تركتُ فكرة السفر لوحديَ إلى أرضٍ مجهولةٍ وبعيدة تختمرُ في عقلي لبضعة أسابيع، لكي أرى ما إذا كان إحساسيَ الدَّاخلي سيثنيني عن القيام بتلكَ الرِّحلة. لكن تَوْقِي للقيام بتلك الرحلة لم يفارقني. لذا وبعد ثلاثة أسابيع من الانتهاء من قراءة الكتاب، جمعت ما لديَّ من ثقةٍ بنفسي، واشتريت تذكرة طائرة. وقد كان ذلك أحد أكثر الأمور المثيرة للقلق التي قمت بها على الإطلاق.

لا تراجع

بمجرد ما إن اكتملت عملية شراء تلك التذكرة، حتى تلاشى ذلك الوسواس الذي اعتملَ في صدري، وتلاشت معه تلك الأفكار المخيفة التي سيطرت على عقلي. إذ وبشكلٍ مثيرٍ للدهشة، ما إن اشتريتُ تلك التذكرة حتى هدَّءَ روعي وقلَّ قلقي ومخاوفي، وذلك لأنني ربحت نصف المعركة بالفعل حالما تخلَّيتُ عن خيارِ التَّراجع. فقد كان بحوزتي تذكرةَ طيرانٍ غير مُرتَجَعَة بقيمة 1500 دولار حتى تُذَكّرَنِي بذلك. وأَجْرَيتُ بعدئذٍ العديدَ من عمليات البحث على الإنترنت بهدف العثور على دار ضيافة موثوق بها، من أجل أن أقيم فيها. واشتريتُ دليل سفر من أجل التَّخطيط لجوانب أخرى من رحلتي. وتلقيت قليلاً من اللقاحات، واشتريت خاتم زواج مزيف من أجل تلافي عروض الصداقة غير المرحَّب بها، وتعلمت بضعَ كلماتٍ بالإندونيسية، مثل: Selamat pagi (“صباح الخير” بالاندونيسيَّة، أو بلغة المالايو على نحوٍ أدق).

وعندما جاء شهر سبتمبر، استقلَّيتُ الطائرة لأبدأ واحدة من أكثر الرحلات روعةً في حياتي. وبعد وصولي لاندونيسيا وتجاوز الصَّدمة الأولية لكوني أبعدُ آلاف الأميال عن منزلي أو أيِّ شخص يعرفني، أصبحت على ما يرام. وقد تحتَّم عليَّ أن أكون كذلك. لأُمضي بعد ذلك عشرةَ أيَّامٍ في رصد جوانب الثقافة في إندونيسيا، وركوب الدراجة عبر معالمها الطَّبيعيَّة، وزيارة المتاجر، وتناول الطعام غير المُعَالَج، وقراءة رواية الحب في زمن الكوليرا، وإخبار الناس أنني: نعم أنا سوداءُ البشرة، ولا، لا صلة قرابةٍ تربطني بباراك أوباما أو مايكل جوردان.

ما قد جُبِلتُ عليه

لم أتعرض لا للسَّلب ولا للنَّهب، ولم أكن ضحيَّةَ نصبٍ أبداً، ولم يتم إيذائي أو حتى تهديدي. بمعنىً أدق، لم تتحقق أيٌّ من المخاوف التي كانت تجولُ بخاطري قبل أن أبدأ رحلتي هذه. ولو كنت قد تركت هذه المخاوف تعترض طريقي، لكنت عندئذٍ قد فوَّتُّ على نفسيَ واحدةً من أكثر التَّجارب تحرُّرَاً في حياتي. فهذه الرِّحلةُ هي ما أَوْضَحَ لي ما قد جُبِلتُ عليه: فِطْنِةُ أهل الجنوب الأمريكي وسُخْرِيّتَهُم، بالاضافة للجرأة. ومنذ عودتي من تلك الرحلة، أصبحَت عبارةُ “كوني جريئة” هي مبدئي وشعاريَ في هذه الحياة. فالجرأة بالنسبةِ لي، هيَ ليست شيئاً يمكن أن يقاسَ بالخطر أو المجازفة. إذ لا يتوجب على المرءِ أن يورِدَ نَفْسَهُ مواردَ التَّهلكة، أو أن يُقَامرَ بِصِحّتِه حتَّى يكونَ جَسُورَاً، ولا يتوجب عليه أن يسافرَ حول العالم حتى يُوَضَعَ في مَصَافِ الشُّجعان. بل بدلاً من ذلك، دعوني أقدم إليكم ما قد تعلَّمتُه عن الجُّرأة:

1. إنَّ الشعورَ بالرَّاحة أمرٌ مبالغٌ فيه:

أنا استخدم كلمة جريء لأَعنيَ بها “غير مريح”. لذا، ما تعنيه فعلاً عبارةُ “كُن جريئاً” هو “تقبل عدم الارتياح”. إذ إنَّ الانزعاج وعدم الارتياح، هو الذي يُوَلِّد الوعيَ والنَّماء، وليسَ الراحة.

نعم وبكل تأكيد، إنَّ الشعورَ بالراحة يُشعركَ بأنَّك أفضل حالاً. إذ إنَّه يَحُوطكَ بشعورٍ من الاسترخاء والطُّمأنينة، فهو شعورٌ آمن ودافئ، ويُدخلك في جوٍّ من الخمول والكسل والتَّراخي. إنَّه يميل لأن يُبقيكَ في مكانك، فهو يُقنعك بعدم تجاوز القيودِ المفروضةِ عليك. إنَّ الشعورَ بالراحة يُقنعك بالبقاء ضمن نفس العلاقات والمهن والمدن التي قد كبرت عليها. إنَّه واحد من أعظم القوى التي تكمن وراءَ الأحلام المؤجلة، والمخاطر التي لم يتم خوضها، والحياة التي لم يتم استكشافها.

لا يمكنك أن تكون جريئاً وفي حالة راحةٍ في آنٍ معاً، إذ تتطلب الجرأة منك أن تخرجَ من منطقة راحتك. فإذا كُنتَ تريد أن تُدخِلَ مزيداً من الجرأة إلى يومك، فاسأل نفسك سؤالاً بسيطاً قبلَ إكمالك لمهمَّة ما، أو اتخاذك لأحد القرارات: ما هو الإجراء الأسهل والأكثر راحة الذي يمكنني اتخاذه؟ ومن ثم استبعد ذلكَ الخيار وامضِ بخيارٍ يحمل في طياته لكَ مزيداً من الرِّيبة.

2. إنَّ الالتزامَ هو أمرٌ يتم التَّقليل من شأنه:

إنَّه لمنَ الغريب أن يكون للالتزام تلكَ القدرة على التَّقليل من الخوف. إذ ما إن اشتريت تذكرة الطائرة إلى إندونيسيا، حتى أصبح الخوف عاملاً ثانوياً عند قياميَ بالتَّخطيط لتلك الرِّحلة. ذلك مردُّه ربما لأنَّنا نشعرُ بالخوف عندما نعتقدُ أنَّنا في خطرٍ ما؛ فإذا كان الخطر لا وجودَ له، يكونُ الخوفُ أمراً مُتَخَيَّلاً عندئذٍ. إلا أنَّ الالتزامَ سيكون أمراً حقيقياً على أيَّةِ حال. وكلما ألزمتَ نفسكَ بالقيامِ بأمرٍ ما وبقيتَ وفيَّاً لالتزامك هذا، كُلَّما تعلمتَ أن تثقَ بنفسكَ أكثر. وكُلَّمَا أصبحتَ تَثِقُ بنفسك أكثر، كلما ازداد لديك عاملُ الثقة بالنَّفس. وكلما ازداد لديك عاملُ الثِّقة بالنَّفس، كلما قلَّ سماحُك للخوف بالحَؤُولِ دونَك ودونَ الأمرِ الذي تريدُ القيامَ به. وكلما قلَّ سماحُك للخوف بالحَؤُولِ دونَك ودونَ الأمرِ الذي تريدُ القيامَ به؛ كُلما أصبحتَ أكثرَ جرأة.

3. لن يظهر الخوف عندك ما لم تجعله أنتَ أمراً ملموساً:

عندما يحاول الخوف منعك من الالتزام بأمرٍ تريدُ القيام به بِشِدَّة، اسأل نفسكَ عمَّا إذا كان خطرُ قيامك بذلك الأمر حقيقيَّاً أم مُتَخَيَّلاً. أنا عن نفسي لم يحدث لي في تلك الرحلة أيَّاً من الأمور التي قد خشيتُ حدوثها. إذ اكتشفت أنَّني كنت أعيشُ حياتي وأنا خائفةٌ من خطر لم يكن موجوداً أبداً. لذا قارن خوفك مع الأسف الذي ستشعر به إذا ما تركتَ الخوف يتحكَّم بحياتك. فهل تفضِّلُ أن تشعرَ بالخوف أم بالنَّدم؟ مع العلم أنَّ الخوف حالةٌ مؤقَّتة، بينما سيلازِمُكَ شعورُكَ بالنَّدم طوالَ حياتك.

اغرس في نفسك عادةَ الأخذ بالمزيد من الالتزامات تجاهَ نفسك، ومن ثمَّ الإيفاءِ بهم. إبدأ بالأمور الصَّغيرة وتَدرَّج بها، واجعل من الالتزام عادةً لديك. ألزم نفسكَ مثلاً بالاتصال بصديقٍ لم تتحدث معه منذ مدة، أو بالقيام بنزهة أو بمشاركةٍ فعالةٍ أكثر ضمن صفٍّ تَحضُرُهُ، أو بالتَّقدم بأحد الاقتراحات في اجتماع تشارك فيه. إنَّ الالتزامات التي تسبب لك بعضاً من عدم الارتياح، هي أفضل أنواعِ الالتزامات التي عليك أخذها على عاتقك، ومن ثمّ عليكَ الايفاءَ بها. إذ كلما تقبلتَ شعورك بعدم الرَّاحة وتغلبتَ عليه، كُلَّمَا أصبحَ ذلك الشُّعور مُرَحَّباً به بسبب الفرصة التي يوفرها لك. وستجد نفسك بعد فترةٍ تشعرُ أنَّ عدمَ قيامك بأمرٍ سبقَ أن قُلتَ بأنَّك ستقومُ به، سَيُشعركَ بعدمِ راحةٍ أكثر، بالمقارنة مع قيامكَ به.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!