5 أخطاء عقلية شائعة تمنعك من اتخاذ قرارات جيدة

هل تعدُّ نفسك شخصاً عقلانياً؟ في الواقع أنتَ لست كذلك، والخبر السار أنَّك لست وحدك من يشعر بذلك، فكلُّنا غير عقلانيين ونرتكب أخطاء عقلية من حين إلى آخر. لن نتعمق في المصطلحات العلمية في هذا المقال، بل سنتحدث بدلاً من ذلك عن الأخطاء العقلية التي تظهر كثيراً في حياتنا ونشرحها بلغة يسهل فهمها؛ لذا نقدم إليك فيما يأتي خمسة أخطاء عقلية شائعة تمنعك من اتخاذ قرارات جيدة.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن جيمس كلير (JAMES CLEAR) والذي يحدثنا فيه عن تجربته الشخصية.

اعتقد الباحثون والاقتصاديون لفترة طويلة أنَّ البشر يتخذون قرارات منطقية ومدروسة جيداً، لكنَّهم اكتشفوا في العقود الأخيرة مجموعة واسعة من الأخطاء العقلية التي تعرقل تفكيرنا؛ إذ إنَّنا أحياناً نتخذ قرارات منطقية، ولكنَّنا نتخذ قرارات عاطفية وغير عقلانية ومربكة في أحيان أخرى.

يُحبِّذ علماء النفس والباحثون السلوكيون التعرف على هذه الأخطاء العقلية المختلفة، والتي توجد العشرات منها، وتمتلك جميعها أسماء خيالية مثل “تأثير التعرض المحض” (mere exposure effect) أو “المغالطة السردية” (narrative fallacy).

لن نتعمق في المصطلحات العلمية في هذا المقال، بل سنتحدث بدلاً من ذلك عن الأخطاء العقلية التي تظهر كثيراً في حياتنا ونشرحها بلغة يسهل فهمها؛ لذا نقدم إليك فيما يأتي خمسة أخطاء عقلية شائعة تمنعك من اتخاذ قرارات جيدة:

1. تحيُّز البقاء (Survivorship Bias):

تمتلئ معظم وسائل الإعلام المشهورة على الإنترنت بما يُسمَّى تحيز البقاء أو التحيز للأفضل (النجاح)، حيث نشاهد دائماً مقالات تحمل عناوين مثل “8 أشياء يفعلها الأشخاص الناجحون كل يوم”، أو “أفضل نصيحة تلقاها ريتشارد برانسون (Richard Branson) على الإطلاق”، أو “كيف تدرب ليبرون جيمس (LeBron James)؟”.

يشير هذا التحيز إلى ميلنا إلى التركيز على الناجحين والفائزين في أمور معينة ومحاولة التعلم منهم، بينما نتجاهل تماماً الخاسرين الذين ربَّما يستخدمون الاستراتيجيات نفسها.

قد يكون هناك الآلاف من الرياضيين الذين يتدربون بطريقة مشابهة جداً لليبرون جيمس، لكنَّهم لم يصلوا قط إلى الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين (NBA)؛ فالمشكلة ألَّا أحد يسمع عن آلاف الرياضيين الذين لم يصلوا إلى القمة، وإنَّما نسمع فقط عن الناس الذين نجحوا؛ فنحن نبالغ في تقدير الاستراتيجيات والتكتيكات ونصائح الأشخاص الناجحين، بينما نتجاهل حقيقة أنَّ هذه الاستراتيجيات والتكتيكات والنصائح لم تنجح مع أشخاص آخرين.

كمثال آخر: ترك كلٌّ من “ريتشارد برانسون” (Richard Branson) و”بيل جيتس” (Bill Gates) و”مارك زوكربيرج” (Mark Zuckerberg) الدراسة وأصبحوا أثرياء، ممَّا يعني أنَّك لست بحاجة إلى مدرسة كي تنجح في حياتك، حيث احتاج رواد الأعمال هؤلاء إلى التوقف عن إضاعة الوقت في الدراسة والبدء بالعمل؛ لكن في مقابل كلٍّ من برانسون وجيتس وزوكربيرج، يوجد الآلاف من رواد الأعمال الآخرين الذين يمتلكون مشاريع فاشلة وحسابات مصرفية مثقلة بالديون وهم لم يكملوا تعليمهم أيضاً.

لا يقتصر التحيز للبقاء على فكرة أنَّ الاستراتيجية قد لا تعمل على نحوٍ جيّدٍ بالنسبة إليك، وإنَّما لا نعرف حقاً ما إذا كانت تعمل على نحوٍ جيدٍ أصلاً؛ فعندما يُذكَر الفائزون ويُنسَى الخاسرون، يصبح من الصعب للغاية تحديد ما إذا كانت استراتيجية معينة تؤدي إلى النجاح أم لا.

تحيُّز البقاء (Survivorship Bias)

2. تفادي الخسارة (Loss Aversion):

يشير تفادي الخسارة إلى ميلنا إلى تفضيل تجنُّب الخسائر بشدة مقابل الحصول على المكاسب؛ حيث أظهرت الأبحاث أنَّه إذا أعطاك شخص ما 10 دولارات، فستشعر بالقليل من الرضا فقط؛ ولكن إذا خسرت 10 دولارات، فلن تتقبل خسارتك تلك، وستشعر بانعدام رضاً شديد؛ فردود الأفعال متعاكسة تماماً، لكنَّها غير متساوية في مقدارها.

يدفعنا ميلنا إلى تجنب الخسائر إلى اتخاذ قرارات سخيفة وتغيير سلوكنا لمجرد الاحتفاظ بالأشياء التي نمتلكها بالفعل؛ حيث نحمي بهذه الطريقة الأشياء التي نمتلكها، وقد يقودنا ذلك إلى المبالغة في تقدير هذه العناصر مقارنة بالخيارات الأخرى في حياتنا.

على سبيل المثال: إذا اشتريت زوجاً جديداً من الأحذية، فقد تشعر بالقليل من السعادة؛ ومع ذلك، حتى لو لم ترتدي الحذاء مطلقاً، فإنَّ التخلي عنه بعد بضعة أشهر قد يكون مؤلماً ومزعجاً للغاية؛ ورغم أنَّك لا تستخدمه أبداً، لكن لا يمكنك التخلي عنه لسبب ما، وتكمن هنا فكرة تفادي الخسارة؛ وبالمثل، قد تشعر بقليل من الفرح عندما تتمكن من تجاوز الإشارة الخضراء وأنت في طريقك إلى العمل، ولكنَّك ستغضب تماماً عندما تتجاوز السيارة التي أمامك الإشارة الخضراء وتفوتك فرصة اجتيازها؛ إذ إنَّ خسارة فرصتك في تجاوز الضوء الأخضر أكثر تأثيراً فيك إذا ما قارنتها بالسعادة البسيطة التي كنت لتشعر بها لو أنَّك تجاوزت الإشارة منذ البداية.

3. التحيّز للمتوفر (Availability Heuristic):

يشير مصطلح التحيز للمتوفر (Availability Heuristic) إلى خطأ شائع ترتكبه عقولنا، وهو افتراض أنَّ الأمثلة التي تتبادر إلى الذهن بسهولة هي أهم الأمور وأكثرها شيوعاً وانتشاراً؛ فعلى سبيل المثال: أظهر بحث أجراه “ستيفن بينكر” (Steven Pinker) في جامعة هارفارد أنَّ الوقت الذي نعيشه حالياً هو الأقل عنفاً في التاريخ، إذ يوجد أناس يعيشون في سلام الآن أكثر من أي وقت مضى، وإنَّ معدلات جرائم القتل والاختطاف والاغتصاب والاعتداء الجنسي وإساءة معاملة الأطفال في انخفاض مستمر.

ولكن يصاب معظم الناس بالصدمة عندما يسمعون هذه الإحصاءات، ويرفضونها رفضاً قاطعاً؛ فإذا كان هذا الوقت هو الأقل عنفاً والأكثر هدوءاً، فلماذا تحدث الكثير من الحروب الآن؟ ولماذا نسمع عن جرائم الاغتصاب والقتل وغيرها كل يوم؟ ولماذا يتحدث الجميع عن أعمال العنف والتدمير؟

الجواب هو أنَّنا لا نعيش في أكثر الأوقات هدوءاً وسلاماً في التاريخ فحسب، وإنَّما في أفضل وقت من حيث سهولة انتقال الأخبار وتوفرها أيضاً؛ حيث أصبحت المعلومات المتعلقة بأي كارثة أو جريمة متاحة على نطاق أوسع أكثر من أي وقت مضى، وسيؤدي بحث سريع على الإنترنت إلى الحصول على مزيد من المعلومات حول أي أمر يحدث أكثر ممَّا كان يمكن للصحف أن تقدمه في الماضي.

تتناقص النسبة المئوية الإجمالية للأحداث الخطيرة، لكنَّ احتمالية أن تسمع أخباراً عن هذه الأحداث في تزايد مستمر، وهذا بفضل التكنولوجيا؛ ولأنَّ أخبار هذه الأحداث أصبحت متاحة أكثر لتشغل أذهاننا، تفترض أدمغتنا أنَّها تحدث بتواتر أكبر ممَّا يحدث بالفعل؛ حيث إنَّنا نبالغ في تقدير تأثير الأشياء التي يمكننا تذكرها، ونقلِّل من أهمية وشيوع الأحداث التي لا نسمع عنها شيئاً.

التحيز للمتوفر (Availability Heuristic)

4. تحيز الارتساء (Anchoring):

يوجد بالقرب من منزلي مطعم برجر مشهور جداً، والذي يوضِّح ضمن قائمة طعامه أنَّ بإمكانك اختيار 6 أنواع من الجبن لكل برجر كحد أقصى.

فكرتي الأولى: كيف يمكن ذلك؟ من يفكر في الحصول على ستة أنواع من الجبن في البرجر؟

فكرتي الثانية: ما هي الأنواع الستة التي سأحصل عليها؟

لم أكن أدرك مدى ذكاء أصحاب المطعم حتى عرفت معنى “تحيز الترسيخ الذهني”، فعادة ما أختار نوعاً واحداً من الجبن على البرجر خاصتي، ولكن عندما قرأت عبارة “اختر 6 أنواع من الجبن كحد أقصى” في القائمة، ترسَّخ في ذهني أنَّ عليَّ أن أطلب عدداً أكبر بكثير من المعتاد.

لن يطلب معظم الناس ستة أنواع من الجبن في شطيرة برجر، لكنَّ هذه الفكرة كافية لرفع المتوسط من شريحة واحدة إلى قطعتين أو ثلاث قطع من الجبن، ودفع بضعة دولارات إضافية لكل برجر.

اختُبِر هذا التأثير في مجموعة واسعة من الدراسات البحثية والبيئات التجارية؛ فعلى سبيل المثال: وجد رجال الأعمال أنَّه إذا قلت “الحد الأقصى 12 قطعة لكل عميل”، فإنَّ الأشخاص يشترون ضعف كمية المنتج مقارنة بقولك “يمكنك شراء الكمية التي تريدها”.

طُلِبَ من المتطوعين في إحدى الدراسات البحثية تخمين النسبة المئوية للجنسيات الأفريقية في الأمم المتحدة؛ ولكن قبل أن يُقدِّروا الرقم، كان أمامهم عجلة تقف عند الرقم 10 أو عند الرقم 65. عندما توقفت العجلة عند بعض المتطوعين عند الرقم 65، كان متوسط ​​التخمين حوالي 45%؛ في حين أنَّه عندما توقفت العجلة عند الآخرين عند الرقم 10، كان المتوسط حوالي 25%؛ وكان هذا التأرجح المكون من 20 رقماً ببساطة نتيجة للترسيخ الذهني للتخمين بعدد أعلى أو أقل.

كما من الأمثلة الشائعة الأخرى عن الترسيخ الذهني هو التسعير؛ فمثلاً: إذا كان سعر ساعة جديدة هو 500 دولاراً، فقد يكون هذا السعر مرتفعاً جداً مقارنة بميزانيتك؛ ومع ذلك، إذا دخلت إلى أحد المتاجر ورأيت أولاً ساعة بقيمة 5000 دولاراً على الواجهة، فإنَّك تجد سعر الساعة التي تبلغ قيمتها 500 دولار معقولاً للغاية.

إنَّه لمن غير المتوقع أبداً للشركات التي تمتلك منتجات متميزة أن تبيع العديد منها، لكنَّ هذه المنتجات تؤدي دوراً هاماً للغاية في ترسيخ عقليتك وجعل المنتجات المتوسطة تبدو أرخص بكثير ممَّا لو كانت بمفردها.

5. التحيز التأكيدي (Confirmation Bias):

يُعدُّ التحيز التأكيدي أهم الأخطاء العقلية الشائعة، حيث يشير إلى ميلنا إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتنا وتؤيدها مع تجاهل المعلومات التي تتعارض مع معتقداتنا أو التقليل من قيمتها.

على سبيل المثال: يعتقد أحد الأشخاص أنَّ تغير المناخ يمثل مشكلة خطيرة، حيث يبحث ويقرأ القصص المتعلقة بالحفاظ على البيئة وتغير المناخ والطاقة المتجددة؛ ونتيجة لذلك، يستمر هذا الشخص في تأكيد ودعم معتقداته الحالية.

في حين لا يعتقد شخص آخر أنَّ تغير المناخ يمثل مشكلة خطيرة، ويجري البحث وقراءة القصص التي تناقش فكرة أنَّ تغير المناخ مجرد خرافة، وأنَّ العلماء ليسوا على صواب؛ ونتيجة لذلك، يواصل هذا الشخص تأكيد ودعم معتقداته الحالية أيضاً.

إنَّ تغيير رأيك أصعب ممَّا يبدو، فكلَّما اعتقدت أنَّك تعرف شيئاً ما، صفَّيت جميع المعلومات المعاكسة لذلك وتجاهلتها.

يمكنك توسيع نمط التفكير هذا ليشمل جميع المواضيع؛ فمثلاً: إذا اشتريت للتو سيارة ما وافترضت أنَّها الأفضل في السوق، فمن الطبيعي أن تقرأ أي مقال تصادفه يتحدث عنها ويصنفها كأفضل سيارة؛ وفي الوقت نفسه، إذا ذكرت مجلة أخرى سيارة من نوع آخر على أنَّها أفضل اختيار لهذا العام، فأنت ببساطة ترفضها، وتفترض أنَّ محرري تلك المجلة قد أخطؤوا أو كانوا يبحثون عن شيءٍ مختلفٍ عمَّا كنت تبحث عنه في السيارة.

ليس من عادتنا كبشر صياغة فرضية ثم اختبار طرائق مختلفة لإثبات خطئها؛ وبدلاً من ذلك، من المحتمل أن نؤمن بقناعة معينة ونفترض أنَّها صحيحة، ونبحث فقط عن المعلومات التي تدعمها وتؤكدها؛ إذ لا يريد معظم الناس معلومات جديدة، وإنَّما يريدون التأكيدات على صحة معلوماتهم.

التحيز التأكيدي (Confirmation Bias)

ماذا ستفعل الآن؟

بمجرد أن تفهم بعض هذه الأخطاء العقلية الشائعة، ستكون إجابتك الأولى قول “أريد منع حدوث ذلك، لكن كيف يمكنني منع عقلي من القيام بهذه الأشياء؟”.

إنَّه سؤال عادل، لكنَّ الأمر ليس بهذه البساطة؛ وبدلاً من التفكير في هذه الحسابات الخاطئة كإشارة إلى العقلية الفاشلة، فمن الأفضل اعتبارها دليلاً يؤكد أنَّ الاختصارات التي يستخدمها عقلك ليست مفيدة في جميع الحالات.

توجد العديد من مجالات الحياة اليومية التي تفيد العمليات العقلية المذكورة أعلاه فيها على نحو لا يصدق، فأنت لا تريد استبعاد آليات التفكير هذه؛ لكن تكمن المشكلة في أنَّ أدمغتنا جيدة جداً في أداء هذه الوظائف، فهي تتسلل إلى هذه الأنماط بسرعة كبيرة ودون عناء، لدرجة أنَّنا نستخدمها في نهاية المطاف في المواقف التي لا تخدمنا فيها؛ وفي مثل هذه الحالات، غالباً ما يكون الوعي الذاتي أحد أفضل الخيارات المتاحة لنا.

نأمل أن تساعدك هذه المقالة في اكتشاف هذه الأخطاء العقلية في المرات القادمة كيلا تقع ضحيتها مثل الكثير من البشر.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!