5 أنواع من الحديث مع النفس يُحبِّها العقل أكثر من غيرها

لقد كان الأشخاص الذين يتحدثون مع أنفسهم يُعَدُّون "مجانين" في وقتٍ من الأوقات؛ أمَّا الآن، فقد أصبح الخبراء يَعُدُّون الحديث مع النفس واحداً من أكثر أدوات العلاج المُتاحة فعاليَّةً. أظهر العلم الحديث مراراً وتكراراً، أنَّ طريقة استخدام الحديث مع النفس تُحدِث فارقاً كبيراً، إذ يمكن أن تؤدِّي الكلمات السلبية إلى القلق والاكتئاب؛ في حين تخفِّف الكلمات الإيجابية وطأة اختلال الحالة الذهنية، وتعزِّز صحة الذهن. فيما يأتي 5 أنواعٍ من الحديث مع النفس يفضِّلها الدماغ أكثر من غيرها.

Share your love

ملاحظة: هذه المقالة مأخوذةٌ عن تجربةٍ شخصيةٍ للمؤلِّف “برايان روبينسون” (Bryan E. Robinson)، والذي يحدِّثنا فيها عن تجربته الشخصية مع أنواع الحديث مع النفس.

لذا اضطررتُ -وأنا متشبِّثٌ بالمِقوَد- إلى قيادة السيارة 30 ميلاً آخر عبر الطرق الجبلية الملتوية وشديدة الانحدار، وقد سمعتُ عقلي يوبِّخني قائلاً: “أتمنَّى أنَّك تشعر الآن بالرضا أيُّها الأبله، فها قد فعلتها”؛ لكن قبل أن يزداد التوبيخ حِدَّة، أدركتُ أنَّ أفكاري أخذت تلتفُّ حول عقلي ككرةٍ من الخيوط؛ لذا أخذتُ نفساً عميقاً، وبدأت أوجِّه نفسي بلطفٍ قائلاً: “حسناً برايان، هوِّن عليك، فأنت قادرٌ على ذلك، وستكون بخير؛ كلُّ ما عليك فعله أن تتنفَّس فحسب. هذا صحيح، تابع قيادة السيارة عبر الطريق. مرحى لك!”.

لقد كان الأشخاص الذين يتحدثون مع أنفسهم يُعَدُّون “مجانين” في وقتٍ من الأوقات؛ أمَّا الآن، فقد أصبح الخبراء يَعُدُّون الحديث مع النفس واحداً من أكثر أدوات العلاج المُتاحة فعاليَّةً.

لا شكَّ أنَّني تمكَّنتُ من العودة سالماً إلى البيت؛ لأنَّني أروي لكم هذه القصة الآن. أعتقد أنَّ سبب نجاتي كان الطريقة التي حدَّثتُ بها نفسي، إذ أظهر العلم الحديث مراراً وتكراراً، أنَّ طريقة استخدام الحديث مع النفس تُحدِث فارقاً كبيراً، إذ يمكن أن تؤدِّي الكلمات السلبية إلى القلق والاكتئاب؛ في حين تخفِّف الكلمات الإيجابية وطأة اختلال الحالة الذهنية، وتعزِّز صحة الذهن.

فيما يأتي 5 أنواعٍ من الحديث مع النفس يفضِّلها الدماغ أكثر من غيرها:

1. الأحاديث التي تخاطب النفس كشخصيَّةٍ مُستقلَّة:

تُظهِر الأبحاث أنَّ مخاطبة أنفسنا بأسمائنا عوضاً عن “أنا” يترك مسافةً نفسيَّةً بيننا وبين الأجزاء البدائية في أدمغتنا، حيث تتيح لنا هذه المسافة التحدُّث مع أنفسنا مثلما نتحدَّث مع أشخاصٍ آخرين.

إنَّ قصص البقاء على قيد الحياة التي يخاطب بها أصحاب العقول السلبية أنفسهم، ليست القصص الوحيدة التي يمكن أن يُخاطب المرء بها نفسه؛ بل ثمَّة قصص النجاح التي يخاطب بها أصحاب العقول الإيجابية أنفسهم، والتي تمنحك فرصة تسليط الضوء على السيناريو من زاويةٍ أخرى.

تتيح مخاطبة المرء نفسه بلغةٍ تترك مسافةً بينه وبين ذاته التعاملَ مع حدثٍ يدور داخله كما لو أنَّه يحدث مع شخصٍ آخر، إذ تَصرِف مخاطبة النفس بالاسم الأول أو باستخدام الضمير “أنت” الاهتمام بعيداً عن الأنانية الفطرية التي تُميِّز عقلك البدائي، وتقلِّل الإحساس بالقلق، وتُمكِّننا من ضبط أنفسنا، وتعزِّز تحلِّينا بالحكمة مع مرور الوقت، وتكتم الأصوات السلبية التي تُقيِّد إمكاناتنا.

أجرى “إيثان كروس” -عالم النفس الذي يعمل في جامعة ميشيغن- بحثاً حول قيمة مخاطبة النفس باستخدام الاسم الأول بوصفه وسيلةً للقضاء على القلق الاجتماعي، على أشخاصٍ قبل حضورهم حدثاً مثيراً للقلق وبعده؛ إذ يعيد الناس غالباً التفكير مراراً وتكراراً في الأداء الذي قدَّموه خلال الحدث. أعطى “كروس” 89 مشاركاً 5 دقائق للاستعداد لإلقاء خطاب، وطلب من نصف المشاركين ألَّا يستخدموا إلَّا الضمائر حينما يذكرون أنفسهم؛ بينما طلبَ من نصفهم الباقي أن يستخدموا أسماءهم.

أحَسَّ أفراد المجموعة الذين طُلِب منهم استعمال الضمائر بقلقٍ أشدَّ من الذي أحسَّ به الآخرون، حيث بدى ذلك من خلال استخدام عباراتٍ مثل “لا يمكن بأيِّ طريقةٍ أن أستعدَّ لإلقاء خطابٍ خلال 5 دقائق”؛ بينما أحسَّ أفراد المجموعة الذين طُلِب منهم استعمال أسمائهم بقلقٍ أقل، وعَبَّروا عن ثقتهم من خلال مخاطبة أنفسهم بعباراتٍ مثل: “آدم، أنت تستطيع فعل ذلك”، وقدَّموا أداءً أفضل بحسب أشخاصٍ مُستقلِّين أُوكِلت إليهم مهمَّة تقييم الخطابات، وكانوا أقلَّ ميلاً إلى إعادة التفكير في خطاباتهم بعد إلقائها.

تعزز مخاطبة النفس باستخدام الاسم الأوَّل أيضاً احتمال منحك القوة، وتزيد احتماليةَ التعامل مع المواقف بوصفها تحدِّيات، عوضاً عن التعامل معها بوصفها تهديدات.

2. الأحاديث التي تعزِّز قدرة الإنسان على التركيز:

لقد صُمِّمَت عقولنا تصميماً يركِّز الاهتمام على التهديدات مثلما تفعل عدسات التكبير الموجودة في الكاميرات، حيث تزداد نبضات القلب، وتجحظ العينان، وتتسارع الأنفاس؛ لتُمكِّنك من مواجهة الخطر أو الهروب منه. يُفسِّر هذا اتَّخاذك قراراتٍ مصيريةً تعيق قدرتك على رؤية الاحتمالات المُتاحة في أثناء الحديث مع نفسك، مع تركيز انتباه عقلك على الخطر.

يضيق التركيز مثلما يحصل حينما تستعمل عدسات التكبير في الكاميرا، ويحجب هذا عنك رؤية المشهد العام، وتتكوَّن لديك مع مرور الزمن نقاطٌ عمياء من التفكير السلبي دون أن تدرك ذلك؛ لكن يتيح لك الحديث مع النفس التراجع إلى الخلف، ورؤية المشهد العام كاملاً، والتوصَّل إلى مجموعةٍ واسعةٍ من الاحتمالات والحلول والفرص والخيارات.

قُسِّم المُشاركون الذين يبلغ عددهم 104 في دراسةٍ أجرتها الطبيبة “باربارا فريدريكسن” من جامعة “شمال كارولاينا”، إلى ثلاث مجموعات:

  • مجموعةٌ أولى يُحِسُّ أفرادها بمشاعر إيجابية (التسلية أو الراحة النفسية).
  • مجموعةٌ ثانيةٌ يُحِسُّ أفرادها بمشاعر سلبية (الغضب أو الخوف).
  • مجموعةٌ ثالثةٌ لا يُحِسُّ أفرادها بمشاعر محددة (حيادية).

ثمَّ قيل للمشاركين: “ضعوا قوائم تتضمَّن الأمور التي تريدون فعلها الآن، بالنظر إلى المشاعر التي تُحِسُّون بها”.

ضمَّت قائمة أصحاب المشاعر الإيجابية أكبر عددٍ من الاحتمالات، بالمقارنة مع قوائم أصحاب المشاعر السلبية والحيادية؛ لأنَّ النظر إلى الأمور من زاويةٍ إيجابية كشف لهم مجموعةً من الاحتمالات.

لدى الإنسان القدرة على تحويل العقل من عقلٍ ينشغل بأفكار الحفاظ على الحياة ويرى الأمور من زاويةٍ ضيِّقة، إلى عقلٍ يرى الأمور من زاويةٍ أوسع، ويعزِّز القدرة على جمع المعلومات، ويحرِّر صاحبه من قيود التفكير.

3. أحاديث الإطراء على النفس:

كان الممثلون الكوميديون في تسعينات القرن الماضي يستهزؤون بفكرة الإطراء على النفس بعباراتٍ ساخرةٍ، وبدأ الناس -الذين كانوا في يومٍ من الأيام يتقبَّلون فكرة التعامل بلطفٍ مع النفس والإطراء عليها بكلماتٍ إيجابية- خلال تلك السنوات يتجنَّبون ذلك وينفرون منه؛ فقد وَصمَت السخرية التي واجهتها تسعينات القرن الماضي هذا العمل بالعار والإحراج، ممَّا أدَّى إلى ازدراء الناس له.

لقد أجرى عالما النفس “كلايتون كريتشر” و”ديفيد دانينغ” سلسلةً من الدراسات التي أظهرت أنَّ عبارات الإطراء الإيجابية تعزِّز القدرات الإدراكية، وتمكِّن العقل من رؤية التهديدات التي يُحِسُّ بها من زاويةٍ أوسع؛ كما تُظهِر النتائج التي توصَّلوا إليها أنَّ عبارات الإطراء تساعدنا على تجاوز وضعية النظر إلى الأمور من زاويةٍ ضيِّقة، وعلى تفعيل قدرة العقل على النظر إليها من زاويةٍ أوسع.

ساعدَت عبارات “الإطراء على النفس” الأشخاصَ الذين شاركوا في البحث في بناء علاقةٍ بعيدة المدى مع الأصوات التي تخاطبهم من داخل نفوسهم وتُصدر بحقِّهم الأحكام، والنظر إلى أنفسهم نظرةً أكثر شمولاً، ومن زاويةٍ شخصيَّة تعزِّز إحساسهم بقيمة ذواتهم.

4. الأحاديث التي تعزِّز العلاقة مع مختلف أجزاء الشخصية:

حينما تلاحظ أنَّك في حالةٍ عاطفيَّةٍ بشعة -مثل التي تُحِس بها حينما تشعر بالقلق، أو الغضب، أو الإحباط- يعزِّز البحث في شخصيتك عن الجوانب التي لا تجمعك بها علاقةٌ وثيقة، والتعامل معها تعاملاً مُحايداً كما لو أنَّها جوانب منفصلةٌ عنك؛ القدرةَ على الحديث مع النفس بطريقةٍ إيجابيةٍ فيها الوضوح، والتعاطف، والهدوء.

يتيح لك التعامل مع هذه الجوانب التفكير في مصدرها، فعوضاً عن تجنُّبها أو تجاهلها أو تهميشها، من الهامِّ أن تعترف بوجودها بعباراتٍ مثل: “مرحباً أيُّها الإحباط، أرى أنَّك نشيطٌ اليوم”؛ إذ تعيد عبارات الإقرار البسيطة هذه الاسترخاء إلى تلك الجوانب، حتَّى تتمكَّن من مواجهة المِحن الحقيقية مهما كان سببها.

تُحوِّل هذه المسافة النفسية الأفكار السلبية التي تشغل الدماغ إلى أفكارٍ إيجابية، وهي المرحلة التي تكون فيها هادئاً، وصافي الذهن، ومُتعاطفاً، وتؤدِّي عملك بكفاءة، وتتحلَّى بمزيدٍ من الثقة والشجاعة.

5. التعاطف مع الذات:

يرتبط التعاطف مع الذات ارتباطاً مباشراً بالسعادة والصحة والنجاح، وكلَّما تعاطفتَ مع نفسك أكثر، كنت أكثر تحصيناً من الناحية العاطفية.

لقد أظهرت دراساتٌ أُجريَت في جامعة “ويسكونسن” أنَّ التأمُّل يعزِّز التعاطف واللطف اللذين يؤثِّران في مواضع من الدماغ تجعلك أكثر تعاطفاً مع الآخرين، واكتشف الباحثون باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أنَّ العواطف الإيجابية -مثل: المودة والتعاطف- يمكن تطويرهما، تماماً مثلما يمكن تطوير القدرة على العزف على الآلات الموسيقية أو إتقان رياضةٍ ما.

أظهرَت الصور أنَّ دارات الدماغ التي تُستخدَم لاكتشاف العواطف قد تغيَّرَت تغيُّراً جذريَّاً لدى المشاركين الذين أظهروا تعاطفاً واسعاً ومارسوا التأمُّل كثيراً، وأظهرت دراساتٌ أخرى أنَّ التعبير عن التعاطف يؤثِّر تأثيراً بعيد المدى في الحياتين الشخصية والمهنية؛ إذ يعدُّ أرباب الأعمال الذين يُعبِّرون عن تعاطفهم أكثر ميلاً إلى الاحتفاظ بالموظفين، وتعزيز إنتاجيتهم، والحدِّ من انتقالهم من عملٍ إلى آخر، وتعزيز الإحساس بالانتماء داخل الشركة.

إذا اكتسبتَ عادة الحديث بأسلوبٍ ودِّيٍّ مع نفسك، فقد غيَّرت في الحال طريقة تنشيط عقلك؛ إذ أظهرت الدراسات أنَّ الحديث مع النفس بكلامٍ سلبيٍّ فظٍّ يقلِّل فرصك في التعافي وتحقيق النجاح في نهاية المطاف.

يساعد التعامل مع نفسك تعاملاً ودِّيَّاً في التعافي بشكلٍ أسرع، حيث تجنِّبك مسامحة النفس على الهفوات التي ارتكبتها سابقاً الوقوع في مزيدٍ من الهفوات مستقبلاً؛ إذ في استطلاعٍ أُجري على 119 طالباً سامحوا أنفسهم بعد أن ماطلوا في امتحانات الفصل الأول في جامعة كارلتون، كان هؤلاء أقلّ ميلاً إلى المماطلة في مسألة الدراسة في الفصل الثاني.

الخلاصة:

حينما نخاطب أنفسنا بلُطف، ونترك مسافةً بيننا وبينها، ونبدي تعاطفنا معها، ونستخدم كلماتٍ إيجابية؛ نؤدي مهامنا بشكلٍ أفضل، ونتعافى سريعاً من الهزائم والانتكاسات مهما كانت الظروف قاهرة.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!