72 عاماً، والنكبة بلا فيلم! طلاق السينما والأدب فلسطينياً

الإيطالية الباحثة عن فيلم في مطلع هذا العام الصعب، كتبتْ لي العزيزة «نادا»، تخبرني أن لجان مناصرة فلسطين في الشمال الإيطالي تخطط لإقامة عدد من النشاطات في الذكرى 72 للنكبة، وطلبت مني أن أرشّح لها فيلماً عن النكبة ليتمّ عرضه. حين تسأل هذه الصديقة سؤالاً كهذا، فإن الأمر يدعو للتأمل، لا لشيء، إلا لأنها متابعة […]

72 عاماً، والنكبة بلا فيلم! طلاق السينما والأدب فلسطينياً

[wpcc-script type=”287080ecb94320a82b544218-text/javascript”]

الإيطالية الباحثة عن فيلم

في مطلع هذا العام الصعب، كتبتْ لي العزيزة «نادا»، تخبرني أن لجان مناصرة فلسطين في الشمال الإيطالي تخطط لإقامة عدد من النشاطات في الذكرى 72 للنكبة، وطلبت مني أن أرشّح لها فيلماً عن النكبة ليتمّ عرضه.
حين تسأل هذه الصديقة سؤالاً كهذا، فإن الأمر يدعو للتأمل، لا لشيء، إلا لأنها متابعة استثنائية للأفلام التي تُنتج عن فلسطين، سواء تلك التي يُنتجها فلسطينيون، عرب، أو ينتجها أو يخرجها سينمائيون كثر في هذا العالم. كما أنها متابعة لكل مهرجان له علاقة بفلسطين، وبخاصة مهرجان «الأرض»، الذي يقام سنوياً في جزيرة سردينيا الإيطالية، إضافة إلى كونها متابعة استثنائية للأدب الفلسطيني.
«أريد فيلماً روائيّاً عن النكبة»، قالت لي، حين اقترحتُ عليها أسماء بعض الأفلام الوثائقية.
رحتُ أبحث في ذاكرتي، كما بحثتْ في ذاكرتها، قبلي، وفي النهاية وجدنا أننا ندور في فراغ!

الأدب الفلسطيني في واد والمخرجون في واد آخر

بعد 72 عاماً، يمكننا أن نعترف بخجل شديد، وبغضب، أن حكاية النكبة لم تُقدَّم في فيلم سينمائي روائي طويل يليق بها، رغم وجود مخرجين فلسطينيين رائعين، بعضهم قدّم أعمالاً بمستوى عالمي فعلاً، وليس هناك أدني شك في موهبتهم ووطنيتهم. قد تلعب ملابسات التمويل دوراً في إغلاق الباب أمامهم حين يتعلق الأمر بحكاية النكبة، لكن ذلك ليس كافياً لنقول: ها هنا تكمن المشكلة. كثير من هؤلاء المخرجين يتّجهون إلى ما يعرف بسينما المؤلف، حيث يكتب المخرج سيناريو فيلمه، وفي ذلك تسهيل لعملية التفاوض بينه وبين الجهات المنتجة بيسر، وبسرّيَّة، وحرية، لأنه صاحب الفكرة التي يمكن أن تُعدّل أو تُستبدل، بعيداً عن وجود مالك آخر لها! لكن ذلك حرم السينما الفلسطينية من أهم منهل للسينما في العالم، وهو الأدب، إذ نلاحظ أن السينما الفلسطينية كانت الأكثر بُعداً عن الأدب الفلسطيني! ومن المفارقات الكبرى أن أبرز من توجّهوا إلى الأدب الفلسطيني هم مخرجون عرب، مثل توفيق صالح، المصري، الذي أنجز فيلم «المخدوعون» عن رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس»، وقاسم حوَل، العراقي، الذي أنجز «عائد إلى حيفا» عن رواية غسان أيضاً، ويُسري نصر الله، المصري، الذي أنجز رواية إلياس خوري، الفلسطينية «باب الشمس».
تلك مفارقة كبرى أن يكون الأدب الفلسطيني في واد والمخرجون الفلسطينيون في واد آخر، وإذا كان باستطاعتنا أن نقر، عبر قربنا منهم، أن بعضهم لا يقرأون! إلا أن المثقفين منهم في حاجةإلى إعادة النظر في ذلك، لأننا نرى اليوم أن كثيراً ممن لا يقرأون، وأعني هنا مخرجات ومخرجين، يقدّمون لنا أفلاماً روائية حافلة بأخطاء لا تغتفر، وبعضها يصل إلى السطحية، لإصرارهم على أن يكتبوا هم أعمالهم. ولذا، فإننا في الحقيقة لا نستطيع إلا أن نطالب بشدة المخرجين الفلسطينيين البارزين، الذين نكنّ لهم احتراماً كبيراً، ومعنا العالم، أن يخرجوا للقاء الأدب، وهذا اتجاه ثبت أنه يغني السينما، من رواية الحرب والسلام، إلى ذهب مع الريح، العراب، فورست غامب، البؤساء، طيران فوق عشق الوقواق، وآلاف غيرها، وعربياً: روايات نجيب محفوظ، وأعمال خيري شلبي، يوسف السباعي، إحسان عبد القدوس، إبراهيم أصلان، وروايته مالك الحزين، التي حولها المخرج داود عبد السيد إلى فيلم عظيم، هو «الكيت كات»، والقائمة لا تنتهي.
في ظني أن السينما الفلسطينية الروائية كان يمكن أن تكون أهم بكثير رغم أهمية بعض نماذجها، ولنعترف أن عدد الأفلام الكبيرة التي يُعتد بها فعلاً لم يزل قليلاً. كما أن بعض المخرجين الذين قدّموا أعمالاً ممتازة في بداياتهم تراجعت أعمالهم أكثر فأكثر على مرّ السنوات، ولعل السبب الأبرز في ذلك هو إصرارهم على كتابة أعمالهم. وكأن النص الأدبي أضيق من خيالهم، مع أن مخرجين كباراً ذهبوا إلى الأدب بقوة، من أمثال: فرانسيس كوبولا، وسبلبيرغ، وريدلي سكوت، ورون هوارد، وكوروساوا، وسواهم. هؤلاء لم يكن ينقصهم الخيال ليكتبوا سيناريوهات أفلامهم، حين توجهوا للرواية، وللمسرح أيضاً، لتقديم أعمال سينمائية باتت من أبرز العلامات.
ولعل الملاحظة التي لا بدّ منها هنا هي أن المسرحيين الفلسطينيين هم من اتجهوا للرواية، وقدموا أعمالاً مسرحية رائعة نحييهم عليها.

درس واحد يكفي لتعلُّم الكثير!

ونعود لفجيعة أننا لا نملك فيلماً واحداً نجرؤ على أن نقول من خلاله للعالم: هذه هي النكبة. وهذا تقصير يوشك أن يكون عاراً، إن لم يكن! بخاصة إذا تذكرنا أن ميلاد السينما الفلسطينية كان قبل النكبة ذاتها.
لا يعقل أن تبقى النكبة، سينمائياً، ماثلة في مشهد هنا أو مشهد هناك. ربما كان يمكن للبعض قبل ثلاثين عاماً أن يتحدث عن قصور الرواية الفلسطينية أيضاً، لكن من يقرأ لا يستطيع أن يعيد هذا اليوم، لأن الرواية الفلسطينية تنوّعت وتقدّمت وتجاوزت نفسها بشكل استثنائي، والذي لا يراها كذلك ليس قارئاً، حتى لو كان مخرجاً أو ناقداً أو أستاذاً جامعياً، فهؤلاء سبقهم القراء وتجاوزوهم بمراحل كبيرة، بل سبقتهم بناتهم وأولادهم.
يتحدث المرء بحرقة وبوضوح، ما أتاح له الوضوح ذلك، وهو يوجه التحية للسينما الوثائقية الفلسطينية، والعربية التي أُنتجتْ عن فلسطين، وهناك نماذج كبرى، ومنها عن النكبة، وما قبل النكبة، وإلى ذلك نماذج عالمية كثيرة، وقد لا يصدّق البعض أن إيطاليا وحدها أنتجت أكثر من 70 فيلماً وثائقياً عن فلسطين بين عامي 1965 و2011! ولعل هذا الأمر يحتاج إلى مقال خاص.
بحْثُ الصديقة «نادا» عن فيلم روائي يقول للعالم ما النكبة، وبحثنا، من المحزن أن يتواصل في السنوات المقبلة دون العثور على هذا الفيلم، بخاصة أننا سنغمض عيناً الآن، وآمل أن لا نفتحها في الذكرى 75 للنكبة، ولا نجد أيضاً ذلك الفيلم.
على رأس المال الوطني الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية المستقلة أن تتحرك، وهناك طرق كثيرة لدعم هذا المشروع، ليس بالضرورة في العلن، وقد باتت مؤسساتٌ وأصحابُها يخشون تهمة الإرهاب إذا موّلوا مسرحية أو أغنية أو فيلم! على هؤلاء، ومعهم المخرجون الفلسطينيون الذي نثق بهم ونقدِّر إنجازاتهم، أن يشاهدوا فيلم «الطائر المصبوغ» الذي أنتج عام 2019، المأخوذ عن رواية، فهو درس واحدٌ يكفي لتعلُّم الكثير! لتعلُّم كيف تقدّم الصهيونية حكايتها بقوة استثنائية، ليس في هذا الفيلم وحده، بل في مئات الأفلام، ويعرفوا أيضاً كيف يمكن أن تكون الروايات أمّهات عظيمات للأفلام الكبرى!

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *