قد يتبع بعض الأشخاص بعض الحميات الغذائية، أو ما تعرف بنظام الريجيم أو الدايت، التي تعد غير صحية بهدف إنقاص الوزن أو زيداته، في حين أن بعض الأشخاص قد يتبعون استراتيجية في الأكل والتي تسمى بالأكل الواعي (بالإنجليزية: Mindful Eating) من أجل الحفاظ على أوزانهم ضمن الحدود الطبيعية مع استمرار تناولهم للأطعمة والمشروبات بالمعدل الطبيعي. في هذا المقال سنتناول الحديث عن الفرق ما بين نظام الدايت واستراتيجية الأكل الواعي.

اقرأ أيضاً: الأكل الواعي، كيف نبدأ؟

ربما تكون قد خضعت عزيزي القارئ إلى بعض الحميات الغذائية بهدف تخفيف الوزن أو زيادته، ولربما تكون قد نجحت في تحقيق أهدافك عن طريق الالتزام بنظام الريجيم ولربما لم تنجح. وربما قد نجحت في الوصول إلى هدفك ولكن عدت مرة أخرى إلى ما كنت عليه. وأيضاً، قد تكون مارست أكثر من نوع من أنظمة الريجيم سواء مع الشخص المختص أو قد كنت ضحية للحميات المنتشرة عبر شبكة الإنترنت؛ بنقرة واحدة على محركات البحث، تظهر لك العديد من أنواع الدايت والتي قد تكون غالباً غير مناسبة لجسمك.

وكم من مرة شعرت فيها بالإحباط لأنك لم تحصل على النتيجة من الحمية التي قمت بها كما قيل لك، فحمية ما قد تنقصك 4 كيلو في الأسبوع! وأخرى 10 كيلو في الشهر! 

ولكن، قد نجد أيضاً العديد من التجارب الناجحة للحميات الغذائية، وخاصة تلك التي تمارسها مع الشخص المختص، لسبب بسيط جداً، وهو أن أخصائي التغذية يراقب جيداً حاجات جسمك ورغباته ويحاول فهم معدل حرق الدهون لديك حتى يتسنى له وضع الخطة الغذائية لك أسبوع بأسبوع، أو شهر بشهر. ولكن، هل تستطيع أن تقيم مدى استمرارك على العادات التي تعلمتها مع المختص؟ أم أنك عدت أدراجك بعد الوصول إلى هدفك؟

وهنا يمكن أن نسأل:

  • هل يمكن أن تضع تركيزك أثناء الأكل لحظة بلحظة؟
  • هل من الممكن أن تصبح قادراً على الاستماع إلى حاجات جسمك الحقيقية وتلبيتها؟
  • هل من الممكن أن تصبح قادراً على تمييز اللحظات التي تشعر فيها بالرغبة الشديدة إلى الأكل والتي قد تكون غير مرتبطة بالجوع؟ 
  • هل تستطيع أن تعيد برمجة أفكارك وأسلوب حياتك لتصل إلى أهدافك؟

جميع الأسئلة السابقة تشير إلى مفهوم الأكل الواعي؛ وهي تقنية تساعدك على اكتساب المقدرة على التحكم بعاداتك الغذائية. وقد تبين من الممارسات لهذه التقنية أنها تعزز فقدان الوزن، وتقلل من نهم الأكل والإفراط في تناول الطعام، كما أنها تساعد على الشعور بالصحة والراحة والتحسن. فيما يلي توضيح 8 فروق بين الأكل الواعي والحميات الغذائية.

الفرق الأول: التفكير في الأكل

قد لا تستطيع التوقف عن التفكير في الأكل أثناء ممارسة الحمية الغذائية، فإحدى المشاكل التي قد تواجه بعض الأشخاص أثناء الدايت هي الشعور بعدم الاكتفاء؛ حيث أن تقييد ما يمكننا تناوله أو عدم تناوله قد يخلق تأثيراً عكسياً وقد يشعر الشخص بأنه يرغب به بشكل أكثر. 

على سبيل المثال: في بعض أنظمة الريجيم والتي تقوم على تقييد تناول السكر بشكل كامل، يجد بعض الأشخاص أنفسهم يفكرون طوال الوقت في الشوكولاتة والحلويات. وقد يؤثر ذلك على سلوك الفرد بعد انتهاء الحمية ويعود إلى تناول الشيء الذي منع عنه أثناء الحمية بشراهة. كما إن تنظيم الوجبات الغذائية والوجبات الخفيفة في الحمية الغذائية، يجعلك في حالة تفكير دائم وتساؤل: ما الذي سوف نتناوله في اليوم التالي؟ متى وكيف سأحضر وجباتي؟.

أما إن شعورك بإمكانية تناولك لأي شيء في أي وقت تريده، لن يجعلك تشعر بنفس الرغبة الشديدة في حالة المنع، ولن تبالغ بأكل ذلك الشيء.ففي مهارة التغذية الواعية ستفكر في الأكل عندما تجوع فقط، فعند اتباع التغذية الواعية، فأنت تستمع إلى إشارات جسمك، وتتناول ما تحتاج إليه، فلن تشعر بأنك تتوق لتناول شيء أو أنك تنتظر الوقت المسموح لك بتناوله. كذلك إن أحد مهارات التغذية الواعية هي نقل التركيز من التفكير المستمر بالأكل نحو أمور أخرى كالجلوس في الطبيعة، وممارسة أي أمر تحبه، حتى تصل إلى القدرة على التفكير في الأكل عند الحاجة إليه فقط.

الفرق الثاني: الانتباه لإشارات الجوع والشبع

قد تتجاهل إشارات الجوع والامتلاء عند اتباعك لنظام ريجيم معين. فعند ممارسة الحمية الغذائية، لن يكون التركيز على حدسك ومشاعرك أولوية، ولن يكون الالتفات إلى حاجات جسمك ودرجة الجوع أو الشبع لديك أولوية أيضاً. بل ستعتمد على الوجبة المصممة لك، والتي يتم فيها تحديد الكمية والنوعية التي تتناولها بالإضافة إلى الوقت الذي يستلزم عليك به تناول وجبتك.

قد يبدو واضحاً أن المشكلة في ذلك هو الاعتماد على البرنامج المصمم لك، والذي قد لا يراعي أحياناً نمط حياتك وحاجات جسمك التي قد لا تشبه حاجات أي شخص آخر. فعلى سبيل المثال: قد تكون في بعض الأيام في حالة نشاط، وبالتالي، قد يحتاج جسمك إلى وجبة أكبر وأكثر طاقة من المعتاد. وفي أيام أخرى، قد يكون نمط حياتك ثابتاً ولا يوجد به الكثير من الحركة، حينها قد تحتاج إلى وجبة أقل نوعاً وكماً. وبالتالي، قد تكون خطة الوجبات ليست مرنة بما يكفي لاستيعاب أنماط الحياة والاحتياجات الفردية اليومية.

إن أساس الأكل الواعي هو اليقظة لإشارات الجوع والشبع، فالأكل الواعي يعني أنك تستمع إلى جسدك وأنت على دراية وتركيز باحتياجاتك. فعلى سبيل المثال: ستتناول طعام الفطور فور شعورك بالجوع، ولربما تقرر أن تأكل وجبة خفيفة ظهراً لأنك تحركت أو بذلت مجهوداً استثنائياً في ذلك اليوم. ولربما أيضاً قد تدفع طبق الغذاء بعيداً عنك فور شعورك بالشبع حتى لو لم تنهي كامل الوجبة.

الفرق الثالث: تصنيف الأكل إلى جيد وغير جيد

في الحميات الغذائية يصنف الطعام إلى غذاء صحي أو غذاء غير صحي، قد تستمع إلى العبارات التالية أثناء التزامك ببعض أنواع الرجيم: لا بد من قطع السكر فهو غير صحي، الكربوهيدرات عدو الحمية الغذائية، الدهون تزيد من السمنة، وغيرها. جميع العبارات السابقة هي عبارات مقيدة. كما تحدثنا سابقاً، قد يؤدي التقييد إلى الرغبة الشديدة والشراهة في نهاية المطاف.

وقد يكون حذف واحدة من المجموعات الغذائية ضرورياً لبعض الحالات؛ فمثلاً، قد يكون لدى الشخص تحسساً من الحليب أو القمح أو ربما يقيد تناول اللحوم بسبب داء النقرس. ولكن، بالنسبة لمعظم الناس الذين لا يعانون من أي تحسس أو مانع لتناول أي مادة غذائية، فإن تقييد تناول بعض الأطعمة قد يؤدي إلى الرغبة الشديدة والشراهة في نهاية المطاف.

اقرأ أيضاً: أسباب الأكل العاطفي وعلاجه

أما في التغذية الواعية الأكل هو أكل دون مسميات، فإذا مارست التغذية الواعية فلن تشعر بالذنب إزاء تناول أي طعام، مهما كان نوعه. كما إن أساس الأكل بوعي هو التركيز على إشارات جسدك، فسوف تدرك أن بعض الأطعمة قد تجعلك تشعر بانتفاخ البطن إذا تناولت الكثير منها، لذلك تميل إلى تناول القليل. وتدرك أيضاً أن بعض الأطعمة تجعلك تشعر بأنك جيداً ومرتاحاً، لذلك قد تميل إلى تناول المزيد منها.

ولذلك لن يتم تقييد تناول أي مجموعة غذائية، ستميل فقط إلى الأفضل لجسمك. مثلاً؛ قد تشعر بالتعب عند تناول اللحوم بكثرة، لذلك قد تميل إلى تناول كميات أقل، ولكن لن تطلق على نفسك أنك شخص نباتي وتنقطع عن تناول اللحوم تماماً.

الفرق الرابع: كيفية التعامل مع الشعور بالرغبة الشديدة للأكل

معظم أنظمة الريجيم تتجاهل الشعور بالرغبة إلى الأكل، لذلك يسعى الأشخاص الخاضعين للحميات الغذائية عادة إلى عدم السعي وراء رغباتهم؛ حيث يحاولون استبدال ما يرغبون به بأشياء تتطابق وتتناسب مع نظام الدايت الذي يتبعونه. فعلى سبيل المثال: قد تجد نفسك بحاجة ماسة إلى الشوكولاتة بعد العشاء، ولكن ستضطر أن تأكل وجبة خفيفة (صحية)، أو أن تشرب كوباً من الماء، أو أن تصنع كوباً من الشاي لإلهاء نفسك عما تريده حقاً. 

أما التغذية الواعية تسمح لك بالانغماس في رغباتك ومعرفة مصدرها والتعامل معها، فعند ممارسة الأكل بيقظة ووعي، لن تسعى إلى تجاهل رغباتك حتى لو كانت سكريات أو دهون، سوف تتعلم كيفية الاستجابة إلى رغباتك بوعي وإدراك. ستكون يقظاً لما تأكل،  وتستمتع بكل قضمة تتناولها ببطء وبحس تذوق عال، وستتوقف عندما تشعر بالرضا.

الفرق الخامس: تتبع ما تأكل بالوقت والكمية

في الحمية الغذائية ستراقب ما تأكل وتتبعه، حيث سيتعلم الفرد حساب السعرات الحرارية التي تتناولها، وذلك سيحتم عليك مراقبة كل ما يدخل جوفك منذ بداية اليوم. قد يبدو الأمر في ظاهره بأن اكتساب تلك المهارة هي ارتفاع في مستوى الوعي الغذائي، ولكن مع مرور الوقت قد تكون حقيقة هذه المشاعر هي زيادة في  القيود والسيطرة على نوعية الأغذية التي تتناولها بعيداً عن الالتفات لحاجات الجسم الفردية والاختلافات التي تطرأ عليه يوم بيوم ولحظة بلحظة.

إنما في الأكل الواعي لن تتبع وتحسب ما تأكل، حيث عندما تتناول طعامك بوعي، سوف تكون على ثقة عالية بجسمك، وتستقبل منه الإشارات التي ستجعلك تحدد النوع والكمية التي يحتاجها. حتى أنه ليس بالضرورة أن تلتزم بالكمية التي أمامك؛ ربما تستقبل إشارات الشعور بالامتلاء قبيل إنهاء وجبتك وتستجيب لها بوعي.

الفرق السادس: درجة التركيز والاستمتاع في الطعام أثناء الأكل 

قد تكون أولوية التركيز في نظام الريجيم على أن الطعام الموجود أمامك ينقص الوزن، حيث قد تلاحظ طعامك وتركز عليه بالكاد أثناء الحمية الغذائية؛ عندما تخضع لنظام غذائي، فإن الطعام مجرد وسيلة لتحقيق غاية معينة (مثل فقدان الوزن)، فقد يكون تكوين علاقة جيدة مع طعامك والاستمتاع به أمراً ليس سهلاً أثناء نظام الدايت. وعندما تنتهي الحمية، ففي الغالب يعود معظم الأشخاص إلى عاداتهم القديمة والتي كانت سبباً في زيادة أوزانهم. وقد يعانون من الشعور بالذنب، ولربما قد يكون الاستمتاع بقطعة من الحلويات  أو البيتزا أمراً صعباً.

إنما قد تستمتع بطعامك بكل ما فيه عند ممارسة التغذية الواعية، كما إن الاستمتاع في الطعام أثناء تناوله في كل مرة هو إحدى العادات التي يتدرب عليها الشخص الذي يسلك هذا الطريق، مثل: 

  • استخدام الحواس مثل حاستي الشم والتذوق.
  •  الاستمتاع برائحة الطعام  والتذوق على مهل للاستمتاع بالمذاق وتمييز النكهات المختلفة
  • الأكل ببطء للحصول على متعة أكبر

جميع ما سبق ذكره يساهم في تعزيز الشعور بالشبع دون أكل كميات كبيرة. يمكن التوقف قليلاً أثناء الأكل وأخذ العديد من الأنفاس العميقة والعودة مرة أخرى للأكل.

الفرق السابع: عدد الوجبات في اليوم

تشمل معظم أنظمة الريجيم عدداً محدداً من الوجبات، فعندما يصمم المختص الرجيم، فغالباً يحتوي على وجبات رئيسية ووجبات خفيفة، وترتبط هذه الوجبات بمدى زمني، ويفضل عدم تجاوزه لضمان نجاح الحمية. وإن تحديد وجبات غذائية يقلل من انتباه الشخص إلى حاجات جسمه الحقيقية؛ سواء كانت تتعلق بالجوع بأوقات لا تتناسب مع أوقات الوجبات أو الشعور بالشبع قبل موعد الوجبة. 

أما التغذية الواعية فهي لا تشترط تحديد عدد معين من الوجبات، حيث أنه لا يوجد عدد معين من الوجبات لمن يتغذى بطريقة واعية؛  فتناول الوجبة الغذائية مرتبط بتمييزه الشعور بالجوع. قد يتناول وجبة واحدة وأخرى خفيفة، أو قد يزيد عدد الوجبات حسب حاجته ونشاطه ذلك اليوم، وربما يقتصر الأمر على وجبة واحدة إذا لم يشعر بالجوع سوا في وقت واحد خلال اليوم. ولا يشترط وقت معين لتناول أي من الوجبات، لأن الوقت مرتبط بإشارات الجسم.

الفرق الثامن: المشاركات الاجتماعية 

قد تصبح الحياة الاجتماعية في ظل الحمية الغذائية صراعاً نفسياً، حيث قد يكون الاجتماع مع الأهل، أو الأصدقاء، أو تناول الطعام في الخارج مع زملاء العمل أمراً متعباً لمن يخضع للرجيم، فهو يعيش صراعاً بين حاجاته الغذائية أثناء الحمية، وبين ما يأكله الآخرون والذي يتعارض مع نظام الدايت خاصته. وقد ينتهي الأمر أحياناً بتجنب الحياة الاجتماعية أثناء الحمية وخاصة تلك الجلسات التي يجتمع بها الأشخاص لتناول الطعام.

في حين أن في الأكل الواعي يبقى التواصل الاجتماعي ممتعاً، فعندما تأكل بوعي، لن تكون مضطراً إلى عدم الالتزام ببرنامج حمية غذائي لكي تخرج مع أصدقائك، أو انتظار اليوم الحر الذي يصمم  في بعض الحميات للاستمتاع بالطعام  والجلوس مع الأصدقاء. وسوف تأكل ما ترغب مع أصدقائك بوعي وفي أي وقت، وتستمتع بكل قضمة لأنك تدرك أن هذه مجرد وجبة واحدة وليست انعكاساً  لجميع أنماط تناول الطعام بشكل عام.

اقرأ أيضاً: الفرق بين الأكل الواعي والأكل العاطفي