«الموت في لوحات» للفوتوغرافي المصري كريم نبيل: دائرة تحولات الروح والجسد

القاهرة - «القدس العربي»: لم يعد الموت نهاية، بل مرحلة لمراحل أخرى مجهولة، وما حالات الإنسان وجسده في الحياة إلا تدريب على هذه الانتقالات، قد تتماس وحالات الحِس الصوفي، الذي يقتصر بدوره على التجربة الإنسانية الخاصة بكل شخص على حدة.

«الموت في لوحات» للفوتوغرافي المصري كريم نبيل: دائرة تحولات الروح والجسد

[wpcc-script type=”e5b43b5f260c89d7c2e2eaaa-text/javascript”]

القاهرة – «القدس العربي»: لم يعد الموت نهاية، بل مرحلة لمراحل أخرى مجهولة، وما حالات الإنسان وجسده في الحياة إلا تدريب على هذه الانتقالات، قد تتماس وحالات الحِس الصوفي، الذي يقتصر بدوره على التجربة الإنسانية الخاصة بكل شخص على حدة.
وهي تمجد الفرد، الذي يعرف جيداً معنى الفناء. حول هذه الأفكار والرؤى يأتي معرض المصوّر الفوتوغرافي كريم نبيل، الذي اختار له عنواناً استمده من إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل.. «الموت في لوحات»، وربما المباشرة في اختيار عنوان مثل هذا تشفع لها التقنية المُبتكرة، التي قدّم الفنان من خلالها عمله الفني، المتمثل في المزج ما بين اللقطة الفوتوغرافية، الخط العربي، النصوص الشعرية، الملابس، والإطار شبه المسرحي، الذي اعتمد المشهد، في تقديم هذه الحالة الفنية المتميزة. أقيم المعرض في قاعة (اتجاه) في قصر الفنون، في دار الأوبرا المصرية.

اللوحات

ضم المعرض ثماني لوحات ــ بورتريهات فوتوغرافية ــ حاولت تجسيد فكرة الموت، كما يراها صاحبها. هذه اللقطات تم التعبير عنها باستخدام الأبيات الشعرية، وملابس كل شخصية ــ الملابس الحقيقية ــ تحكي حالتها، فالأمر أشبه بأكفان الموتى. والخط العربي في تنوعاته فوق إطار خشبي يُحيط بالشخصية المُصوّرة، وكأنه يرسم حدود عالمها، كما أنه يوجد في الفراغ، بعدما تغادره الشخصية صاحبة الحالة.
هذا التنوع البصري للحالات أوحى بقوة التعايش معها، خاصة أن كل حالة/شخصية تصبح شبه مُنفصله عن الأخرى، من خلال تحديدها، وكأنها تستعرض نفسها على خشبة مسرح. هذه الحالة التأمُلية في معنى ومغزى الموت تم تجسيدها بحرفية عالية، من خلال خلق إيقاع للعرض، وهو ما جعلها توحي بحالة من المسرحة، وقد نجح في ذلك إلى حدٍ كبير.

الحالات

جاءت الحالات لتحمل دلالاتها من الأسماء، وهي .. «الشيطان، العشق، الغيبة، الوليد، الشهيد، الرسالة، الحكيم، الكفيف». كل حالة تجاورها أبيات شعرية مُنتقاة لكل من أمل دنقل، محمود درويش، عمر الخيام، وعلي الجارم.
فمقطع دنقل الشهير من قصيدته (كلمات سبارتاكوس الأخيرة) يُصاحب حالة التحوّل الأولى.. «المجد للشيطان معبود الرياح/مَن قال لا في وجه مَن قالوا نعم/مَن علّم الإنسان تمزيق العدم، مَن قال لا فلم يمت/وظل روحاً أبدية الألم».
تبدأ أولى اللوحات المعنونة بالشيطان بنفي الموت، فهو حالة وجودية ورمز للرفض، هذه الكلمة (لا) التي غيّرت من معنى وجود الشيطان ــ حسب الأساطير والمقولات الدينية ــ وتأتي حالة العشق، ليُعبّر عنها محمود درويش، في قصيدته «في الانتظار» .. «فإن الموت يعشق فجأة/مثلي/لا يُحب الانتظار).
هناك خيط درامي يربط الحالات الثماني، هو حالة الرفض وعدم الاستسلام، والمفارقة أن ترتبط هذه الحالة مع الموت، وهو ما يمكن تفسيره بأنه أشبه بالحِس الصوفي، الذي يؤمن بالأحوال ودرجاتها، وتبعاتها في النهاية على صاحبها وتجربته الذاتية. ولعل هذه التحولات التي بدأت بمَن مزّق العدم ــ كما قال دنقل ــ تنتهي بصورة الكفيف، الذي لم يزل يسير في الظلام، ماداً يده مُتلمّساً هذا العدم مرّة أخرى، دائرة لن تنتهي، كما جسدها صاحب العمل في الدائرة الخشبية التي تحمل أبيات الشعر، والتي تحيط بكل الشخصيات.
ولكن يبدو أن الفنان نبيل كريم حاول أن يوضح الأمر أكثر، فكتب فقرات نثرية أسفل المقاطع الشعرية المُختارة، وهو ما أوحى بأنها توجيه مباشر للمُتلقي بأن ينظر كما نظر الفنان وجسّد، وهو ما جعل العمل أكثر تحديداً بهذه الفقرات الشارحة، فخفتت حدته إلى حدٍ ما.

التقنية وفريق العمل

بما أن المعرض ضم عدة فنون، كالخط والفوتوغراف، كذلك تصميم الأزياء، وشخصيات قامت بالتمثيل أو الأداء في اللقطة المُصوّرة، فقد لجأ نبيل إلى عدة فنانين لتجسيد الفكرة كما أراد لها.
فكل من الفنانين ربيع عبد الرحمن، أسماء نبيل وفاطمة الزهراء قاموا بكتابة القصائد بالخطوط العربية المتنوعة، وصمّمت الأزياء مها أبو سريع، والمُنسِقة الأدبية مروة وهدان، التي انتقت وساعدت في اختيار الأبيات الشعرية المناسبة لكل لقطة، حتى تكتمل اللوحة العامة، وأخيراً قام بتمثيل شخصيات اللوحات كل من .. عبد الرحمن عبد الجبار، فاطمة العراقي وحسين محمود. وهو ما يقترب كثيراً بالعمل الجماعي في عملية إنتاج وإخراج المشهد، أكثر منه معرضاً للفوتوغرافيا.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *