روبير سوليه في «سقوط الفرعون»: 25 يناير ليست مجرّد ذكرى فالثورة متواصلة

«لم تكن الثورة انتفاضة شعب باسم الاشتراكية أو معاداة الصهيونية أو باسم الإسلام، لكنها كانت انتفاضة باسم الحرية والكرامة وضد الفساد والتعذيب. ثم هذه الأجواء الرائعة عن الوحدة الوطنية، أغنياء وفقراء، شباب وعجائز، رجال وسيدات، محبات وسافرات، مسلمات ومسيحيات، جميعاً يهتفون معاً ويقاتلون معاً». هذه العبارات من افتتاحية الكاتب الفرنسي روبير سوليه لكتابه «سقوط الفرعون … ثمانية عشر يوماً غيّرت وجه مصر»، الذي أنهاه في نيسان/أبريل 2012. صدر الكتاب في طبعة خاصة ضمن مشروع مكتبة الأسرة في العام 2013، بترجمة ناهد الطناني في 232 صفحة من القطع الكبير. وتناولنا هنا لما جاء بالكتاب من أحداث دقيقة، وإن جاء بمناسبة مرور خمس سنوات على ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011، إلا أن الداعي الأكبر هو التذكير بما حدث، وما آلت إليه الأمور بعد ذلك، وما مدى مشابهة الأجواء التي قامت في ظلها ثورة يناير، لما تعيشه مصر الآن، على الرغم من اختلاف الظروف والأشخاص. إلا أن الأسباب التي أدت إليها لم تزل قائمة، خاصة في ظل سُلطة لم يستتب لها الأمر كما تظن.

روبير سوليه في «سقوط الفرعون»: 25 يناير ليست مجرّد ذكرى فالثورة متواصلة

[wpcc-script type=”b6f950f1bebbc848412714d3-text/javascript”]

«لم تكن الثورة انتفاضة شعب باسم الاشتراكية أو معاداة الصهيونية أو باسم الإسلام، لكنها كانت انتفاضة باسم الحرية والكرامة وضد الفساد والتعذيب. ثم هذه الأجواء الرائعة عن الوحدة الوطنية، أغنياء وفقراء، شباب وعجائز، رجال وسيدات، محبات وسافرات، مسلمات ومسيحيات، جميعاً يهتفون معاً ويقاتلون معاً». هذه العبارات من افتتاحية الكاتب الفرنسي روبير سوليه لكتابه «سقوط الفرعون … ثمانية عشر يوماً غيّرت وجه مصر»، الذي أنهاه في نيسان/أبريل 2012. صدر الكتاب في طبعة خاصة ضمن مشروع مكتبة الأسرة في العام 2013، بترجمة ناهد الطناني في 232 صفحة من القطع الكبير. وتناولنا هنا لما جاء بالكتاب من أحداث دقيقة، وإن جاء بمناسبة مرور خمس سنوات على ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011، إلا أن الداعي الأكبر هو التذكير بما حدث، وما آلت إليه الأمور بعد ذلك، وما مدى مشابهة الأجواء التي قامت في ظلها ثورة يناير، لما تعيشه مصر الآن، على الرغم من اختلاف الظروف والأشخاص. إلا أن الأسباب التي أدت إليها لم تزل قائمة، خاصة في ظل سُلطة لم يستتب لها الأمر كما تظن.
في الخامس والعشرين من يناير 2011 نُسِف حاجز أدى إلى التحرر من كمٍ كبير من المعاناة والإذلال والاحباطات وعدم الفهم، فقد مرّت مصر في أقل من نصف قرن بتغييرات هائلة لم تستطع استيعابها، فهي ببساطة انتقلت من اشتراكية الدولة إلى الاقتصاد الخاص، ومن الشقيق الأكبر السوفييتي إلى العم سام، ومن الحرب إلى السلام، ومن العروبة إلى الإسلام. بالطبع لم تتم أي من هذه التحولات بين عشية وضحاها، ولكن أي منها لم تصاحبه تفسيرات كافية أو مشاورات شعبية، أو أي نوع من الحوار الوطني، وهو ما يُفسر جزئياً هذه الهوة المتزايدة بين الشعب وقادته.
في الثامن عشر من يناير 2011 حاول صاحب مطعم صغير في القاهرة أن يُشعل النار في جسده أمام مجلس الشعب، في اليوم التالي تكرر الأمر مع محام في الأربعين من عمره، ظل يهتف بشعارات ضد ارتفاع الأسعار أمام مقر الحكومة، كما حاول موظف بشركة المياة إحراق نفسه أمام مبنى التلفزيون، وقد تم انقاذهم في اللحظات الأخيرة، إلا أن شاباً عاطلاً من الأسكندرية توفى متأثراً بإحراق نفسه … إضافة إلى حالات كثيرة من الانتحار قد طالت الفلاحين في القرى لسوء الأحوال المعيشية … وتدخلت السلطات الدينية القريبة من السلطة لتستنكر هذا الفعل، وفي هذا المناخ اشتعلت الشبكة العنكبوتية بعبارة «إن الثورة لا تقوم بإحراق النفس، ولكن بالنزول إلى الشاع».

 مصر ليست تونس

ظلت الصحافة الرسمية وكذلك أغلب المُحللين المصريين والأجانب في تكرار عبارة «مصر ليست تونس»، وذلك وفق الاختلافات ما بين عدد السكان ونسبة المتعلمين، وديكتاتورية (مبارك) ونظامه مقارنة بـ (بن علي). إلا أن مصر لم تنتظر أن تبدأ بالتحرك، فهناك منذ أعوام أشكال غير مألوفة من التمرد، غذتها الصعوبات الاقتصادية، وعدم المساواة الاجتماعية، والقبضة الحديدية ــ سياسية أو دينية ــ وإعلام رسمي لا يعكس تطلعات المواطنين، وحالة طوارئ استمرت 29 عاماً، هي فترة حُكم مبارك. ففي عام 2004 نزل حفنة من الشباب الجسور إلى الشارع، رافعين لافتات كُتب عليها «كفاية»، فقالوا كل شيء في كلمة واحدة. من ناحية أخرى تحدد ميعاد مظاهرات 25 يناير قبل بداية أحداث تونس، وكانت حركة 6 أبريل من الداعين إلى النزول هذا اليوم، ضمن حركات أخرى، كما شاركت والدة خالد سعيد في دعوة النزول إلى الشارع، لوضع حد لممارسات الشرطة، وأعلن الإخوان وحزب الوفد عدم المشاركة في «يوم الغضب» والسماح لشبابهم بالمشاركة، أما أعضاء الحزب الناصري فلم يتخذوا موقفاً محددا، بينما رأى حزب التجمّع ــ لسان حال اليسار الماركسي ــ أنه من غير المناسب التظاهر في مثل هذا اليوم! وقرر محمد البرادعي الموجود حينذاك في فيينا العودة إلى مصر، تأييد الدعوة إلى التظاهر، وأدان التهديد باستخدام القوة من قِبل نظام يرتجف أمام شعبه، وصرّح قائلاً «إذا كان التونسيون قد فعلوها، فمن المؤكد أن المصريين قادرين أيضاً على فعلها».
يستشهد المؤلف هنا بالحوارات الصحافية، أو التي أجراها بنفسه نختار بعضها، ونبدأ بعبارت (جمال الغيطاني) لما لها من دلالة في حواره مع المؤلف «كنتُ قد ألتقيته يوم 11 يناير في احتفال أقيم على شرف الدكتور مجدي يعقوب، كنا نحو مئة مدعو في القصر الرئاسي بمصر الجديدة، للاحتفال بتسليم قلادة النيل للجرّاح العظيم. شعرتُ أنني أمام إمبراطور، فحسني مبارك الذي تردد أنه مريض، ظل واقفاً لنحو الساعة يحيي كل شخص لوقتٍ طويل، كان يبدو في قمة القوة، وكان الله وحده يعلم ما الذي سيحدث بعد أسبوعين». ويذكر عمار علي حسن .. «ان يكون التظاهر ضد الحكومة نفسها، فهذا ما لم نشهده منذ اضطرابات 1977، في أعقاب ارتفاع أسعار الخبز … كنت أعتقد أن عددنا لن يتجاوز العشرات كالعادة، وعندما رأيت هذه الحشود الهائلة والمواطنين العاديين يجرون وراء رجال الشرطة، قلت: ها قد حانت اللحظة». ويصف ياسر حسن الطالب بإعلام القاهرة المشهد .. «قلنا إذا تركنا الميدان، فستأتي الشرطة للبحث عنا في منازلنا، لذا قررنا البقاء. كنا قد تعرضنا للكثير من الغازات المسيّلة للدموع، لكن أهالي الحي أمدونا بالخل والبيض للتخفيف من أثره».
لم تذكر الصحافة الحكومية شيئاً ذي قيمة كبيرة من هذا اليوم الذي سيذكره التاريخ .. كان عنوان جريدة الجمهورية في اليوم التالي «المتظاهرون يقطعون الطريق ويحدثون حالة من الفوضى في ميدان التحرير». أما جريدة «الأهرام» فانصب اهتمامها على ما يحدث في بيروت «احتجاجات واسعة واضطرابات في لبنان»، أما موقعها على الإنترنت، فقد وضع صورة لوزير الداخلية مُبتسماً حاملاً الزهور، والتعليق عليها «احتفل المواطنون ورجال الشرطة في جو من البهجة بعيد الشرطة في مختلف المحافظات، حيث تبادلوا الأزهار والشوكولاته».

محبوب جداً ويفهم الرأي العام

هذه العبارة التي قالها بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، رداً على سؤال أحد الصحافيين عن مدى التهديد الذي يطول النظام: «بالقطع لا، فقد حدثت في مصر خلال الخمسين سنة الأخيرة عشرات المظاهرات، فهذا ليس بالأمر الجديد». وفي ما يتعلق بالعداء تجاه مبارك، قال: «هو محبوب جداً، إنه يفهم الرأي العام ويعرف كيف يتحدث إليه». وفي مساء يوم الجمعة 28 يناير 2011 ظهر «المحبوب» على شاشة التلفزيون في وجه شمعي جامد، تعلوه طبقات من الماكياج والشعر المصبوغ للتو، مُتحدثاً بالفصحى .. «لقد طلبت من الحكومة تقديم استقالتها، وغداً ستكون هناك حكومة جديدة». مع الوعود بالمزيد من الحريات والقضاء على البطالة وما شابه، وهي الكلمات نفسها التي ظل يكررها طيلة فترة حُكمه.
جاء خطاب مبارك ليوضح عدم الانتواء بالترشح لفترة رئاسية جديدة، لكنه لن يرحل، وأنه سيموت على أرض مصر. وبدأت القناة الفضائية المصرية في إذاعة أفلام وثائقية قديمة تمجد «الرئيس» مُذكّرة بإنجازاته وما قدمه للبلاد. كذلك توضيح أن المظاهرات الحالية كان مُعدا لها منذ عامين، وتم تنظيمها بالتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة، أما قناة «المحور» فذاعت تسجيلات لبعض الشباب الذين أقروا أنهم تلقوا تدريبات في قطر حول كيفية زعزعة النظام، وقد ظهرت شابة منهارة من البكاء، تبدي الندم وتطالب بالصفح والغفران من «والدنا حسني مبارك»، بعدها جاءت «موقعة الجمل»، والتي أكدت بالفعل مقولة الموت على أرض مصر .. موت الثوار.
هذه بعض لمحات من الكتاب، ولا نجد ختاماً أفضل من هذه العبارات التي كُتبت في النصف الأول من عام 2012، ولم تزل صالحة وستظل إلى حين، وهو تساؤل يطرحه المؤلف: «لماذا يجد هذا الشعب المتحضر نفسه مُضطراً للاختيار ما بين الديكتاتورية البوليسية والديكتاتورية الدينية؟ فهناك طريق ثالث هو الديمقراطية». ويؤكد في نهاية الكتاب أن 25 يناير 2011 ما هي إلا دعوة للتقدم إلى الأمام أكثر منها مجرد ذكرى، فالثورة ما تكاد تبدأ.
روبير سوليه: «سقوط الفرعون: ثمانية عشر يوماً غيرت وجه مصر»
ترجمة ناهد الطناني
مكتبة الأسرة، القاهرة 2013
232 صفحة

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *