المعرض الفوتوغرافي في ساقية الصاوي في القاهرة: الحياة المصرية ما بين السياسي والاجتماعي والحِس الجمالي

القاهرة ـ «القدس العربي»: تعد اللقطة الفوتوغرافية تلخيصاً وتكثيفاً للحظة كاشفة من لحظات الحياة، وعلى قدر القوة أو الشحنة التعبيرية التي تنقلها اللقطة وتوحي بها من أفكار أو تداعيات للحظات وحالات أخرى، خارج إطار صالة العرض على سبيل المثال.

المعرض الفوتوغرافي في ساقية الصاوي في القاهرة: الحياة المصرية ما بين السياسي والاجتماعي والحِس الجمالي

[wpcc-script type=”91a96c51f2f09cd9728e12d7-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: تعد اللقطة الفوتوغرافية تلخيصاً وتكثيفاً للحظة كاشفة من لحظات الحياة، وعلى قدر القوة أو الشحنة التعبيرية التي تنقلها اللقطة وتوحي بها من أفكار أو تداعيات للحظات وحالات أخرى، خارج إطار صالة العرض على سبيل المثال.
بمعنى أن يصبح المُشاهِد جزءا من عالم اللقطة وحالتها التي تفرضها على وعي المُتلقي. من هنا يمكن الحديث عن التأثير ومداه، وحالة الصدق الفني التي من الممكن أن نتلمسها لدى الفنان، فهل هو بالفعل يصدق ما يقوم بالتقاطه ــ التصديق هنا يختلف عن قبول أو رفض الموضوع الذي يقوم بتصويره ــ المقصود هو الصدق الفني، وخلق حالة التواصل مع موضوع التصوير. وما بين أهمية الموضوع بالنسبة للفنان في المقام الأول، ومحاولة انتقال هذه الأهمية للمتلقي، ثم بعد ذلك تأتي الجماليات، فنحن نتحدث عن فن بالأساس، التوازن ما بين الموضوع وجمالياته هو ما حاول فنانو المعرض الفوتوغرافي المقام حالياً في «ساقية الصاوي» أن يتفاعلوا من خلاله.
وإن كان البعض تغلبت عليه الجماليات، بغض النظر عن توظيفها فنياً إلى حدها الأقصى، نجد البعض الآخر تخلقت جمالياته الفنية من خلال الموضوع الذي انتقاه، وجعل منه عملاً فنياً. من ناحية أخرى نجد أن تنوع الأعمال المعروضة ما بين الأبيض والأسود والألوان، كما أن اللافت هو عدم استخدام ألعاب التكنولوجيا الحديثة، في تحوير أو تغيير في طبيعة اللقطة المُصوّرة.

التوثيق السياسي

تنتمي الصورة الفوتوغرافية ــ في شيء من الشك ــ إلى عالم الوثيقة، وبما أن اللقطات لا تنتمي إلى زمن بعيد ــ جميع الفنانين من الشباب ــ بل تتصل بزمن عشناه ونعيش تبعاته الآن. فمن الممكن اعتبار اللقطات ضمن إطار الفعل التوثيقي. وهنا يأتي التوثيق لحدث الثورة ــ 25 يناير/كانون الثاني ــ الجموع والميدان والصلاة في حماية الآخرين. هذه الأيقونات الكُبرى، التي انحفرت في الوعي الجمعي المصري، وربما العالمي. ثم عمليات وأحداث مطاردة الجهاز الأمني لبعض الفئات العقائدية للشعب المصري. هنا تأتي لقطات قوية للفنان هشام محمد حسن، كالتقاط صورة لطفل يُمسك به أحد الضباط، وبينما الطفل يقبّل يده حتى يتركه، وخلفه أمه المُنتقبة.
لعب حسن على القهر السياسي هنا، وأيضاً على القهر الاجتماعي، المُتشكل من العنصر نفسه، المقهور في اللقطة السابقة «المرأة المُنتقبة»، والقاهر اجتماعياً في لقطة لاحقة ــ فتاة يظهر وجهها وسط جمع من النسوة المُنتقبات والملتفات بالسواد، وتحمل مظلة/شمسيّة بيضاء ــ العنصر نفسه قاهراً ومقهوراً. ولا تملك إلا التعاطف والتأسي في الحالتين للمغلوب على أمره، وبينما فتاة المظلة تحاول المواجهة والتنفس وسط هذا الظلام، تبدو الأم المُنتقبة في غاية اللوعة على طفلها الواقع في قبضة رجل الأمن، وملامح رفاقه المُتحفزة. كل هؤلاء في مواجهة طفل!

التوثيق الاجتماعي

بخلاف السُلطة الاجتماعية التي تجسدت في لقطة هشام محمد حسن، نجد العديد من اللقطات التي تظهر الوضع الاجتماعي المصري المتردي، والأساس الاقتصادي لهذه الحالة. كما في لقطات كل من الفنانين… مروة عبد الله، وسيم إمام، عبير أبو الخير. كل هذه اللقطات جعلت من الشخصية أساس اللقطة، رجل مُسن وطفلته يستدفئ أمام النيران، طفلة خلف شبّاك حديدي، أو رجل يسير بين المارة، ويبدو في غاية الإرهاق.
إلا أن حالة التشخيص هذه لم تنف تخيّل عوالم هذه الشخصيات، أو الخلفيات الاقتصادية والبيئة التي يعيشونها، اللقطة اقتطاع من عالم كبير آخر، على المُتلقي أن يبني تفاصيله، ويُحيك خطوط حكايات هؤلاء. وكل هذا من أسباب اللقطات الناجحة، التي لا تتوقف أمام ما تلتقطه الكاميرا فقط.

الحِس الجمالي

ويسيطر الحِس الجمالي كمبدأ في الصورة، سواء من خلال التباين بين الظِل والنور في لقطات الأبيض والأسود، كما في لقطة الفنان أحمد فؤاد، حيث العمارة الإسلامية من أقواس وأعمدة، وعمق يتشكل من الضوء، وأجساد تبدو أقرب للسلويت. ورغم جماليات اللقطة، إلا أنها لم تخرج عن إطار اللقطات التقليدية، التي أصبحت أسيرة مثل تلك الأماكن التراثية.
من ناحية أخرى نجد عملاً فنياً للفنانة سيلفيا عبارة عن لقطة لمنحوتة من المعدن، تمثل بائع الخبز القديم، بسمته المعهودة، حاملاً الخبز فوق رأسه، ويسير بدراجته الشهيرة. وربما هذا ما جعلها تفضل الأبيض والأسود كحل أو تقنية لونية للصورة. فالعمل الفني هنا مأخوذ عن عمل فني بدوره، وما هو إلا إعادة إنتاج من خلال اختلاف الوسيط/الفوتوغرافيا. لكنه احتفل واحتفظ بحالة التشخيص والفئة الاجتماعية التي تنتمي لها الشخصية، خاصة واللقطة تستعرضها في لحظة وظيفتها/عملها.

الحِس السردي

ما يلفت النظر في أغلبية الأعمال في المعرض هو الحث على الحكي، هناك حكاية ما وراء كل لقطة، وعلى المُتلقي افتراضها واستكمالها بعدد لا ينتهي من الحكايات عن الشخصيات وعالمها ومصائرها.
عملية الحكي والسرد الحكائي تلك من أسس فن الفوتوغرافيا ــ الوحدة الأولى لفن السينما ــ وربما ساعدت الشخصيات الحاضرة في أغلب اللقطات على استدعاء فعل السرد هذا، أو توقع الحكايات واختلاقها. ليبدو الخيال السردي للمُتلقي مُشاركا ضروريا في العمل الفني، وهو أحد أهم سمات نجاح الأعمال الفنية، على اختلاف أشكالها وأساليبها التعبيرية.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *