«رومانتيكا» للمخرج زكي فطين عبد الوهاب… فانتازيا الآلهة الضالة

القاهرة ـ «القدس العربي»: حتى الآن يظل فيلم «رومانتيكا» هو التجربة الوحيدة للمخرج زكي فطين عبد الوهاب، هذا الفيلم اللافت جداً منذ عرضه عام 1996، وبعدما يُقارب العشرين عاما يظل الفيلم محتفظاً بالكثير من مقوماته كفيلم سينمائي مصري مختلف عن السائد، يحاول أن يحكي عن هَم حقيقي، ربما بدا ذاتياً، إلا أنه امتد ليشمل فئات عدة من المجتمع المصري، لم يكن يعرفها مُشاهد السينما من قبل.

«رومانتيكا» للمخرج زكي فطين عبد الوهاب… فانتازيا الآلهة الضالة

[wpcc-script type=”ec6648d07aec1f7652119c11-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: حتى الآن يظل فيلم «رومانتيكا» هو التجربة الوحيدة للمخرج زكي فطين عبد الوهاب، هذا الفيلم اللافت جداً منذ عرضه عام 1996، وبعدما يُقارب العشرين عاما يظل الفيلم محتفظاً بالكثير من مقوماته كفيلم سينمائي مصري مختلف عن السائد، يحاول أن يحكي عن هَم حقيقي، ربما بدا ذاتياً، إلا أنه امتد ليشمل فئات عدة من المجتمع المصري، لم يكن يعرفها مُشاهد السينما من قبل.
لم تكن وقتها سينما الديجتال ولا التقنيات الحديثة، التي أتاحت للبعض الخروج عن المألوف السينمائي ــ رغم تفاوت التجارب وتهافت الكثير منها ــ هذه التجربة المتميزة والمؤثرة في أغلب مَن شاهد الفيلم، تمتد غرابتها إلى أن صاحب العمل نفسه لم يُكمله، ولم يحضر عملية المونتاج، ليبدو كشخصياته تماماً ــ بالمصادفة ــ الدائرة نفسها، وعدم تكرار التجربة حتى هذه اللحظة!

الحكاية

مخرج من أسرة فنية (حسن/ممدوح عبد العليم) تجاوز الثلاثين، ويحاول إخراج أول أفلامه، يتقرب من جماعة في وسط المدينة «الخرتية» ــ ما يُشبه المرشد السياحي، من دون رخصة ومُراقبا دوماً من الأمن ــ يحاول أن يصنع فيلماً عنهم وعن عالمهم، وبرغبة التقرّب إلى إحدى الفتيات التي تعمل معهم (صباح/لوسي) التي لا تعيره أدنى اهتمام. وما بين محاولاته يقوم أحد الخرتية (سيد سكارفيس/أشرف عبد الباقي) بقتل أحد موظفي السفارة الألمانية، ويُساق الجميع إلى التحقيقات، حتى يسلم القاتل نفسه وقد فقد عقله تماماً.

التفاصيل

الأعمال الجيدة هي التي تُنسَج من التفاصيل، والتي لا يمكن الإحاطة بها من مجرد سرد حكايتها، أو التي لا يمكن حكايتها، ورومانتيكا كذلك، رغم الفقرة السابقة التي توحي بأنها حكاية الفيلم، إلا أن الفيلم تكمن جمالياته في تفاصيله وخطوط الشخصيات المتقاطعة ومصائرها التي تبدو نهاياتها منذ البداية، لكن رحلة الوصول إلى هذه النهاية هي الأهم، فكل شخص من الممكن تلخيص حياته في كلمات ثلاث… ولد/عاش/مات. القيمة تكمن في التفاصيل، والفيلم ينتمي لبناء أشبه ببناء أعمال ما بعد الحداثة، ليس في البناء العام، بل في حيوات وتفاصيل الشخصيات وحكاياتها. من مجنون السينما (سيد سكارفيس)، ومدمن فيلم «سائق التاكسي»، وما يمثله الفيلم وشخصية البطل من مفاهيم، انتهى إليها سكارفيس بطريقة أخرى.
هذه الشخصية التي قام بها أشرف عبد الباقي تعد الحد الأقصى لجميع الشخصيات التي حاولت التحايل والاحتفاظ بعقلها، بخلاف مجنون زينب/علاء ولي الدين، الذي يكلم حبيبته في هاتف يحمله في حقيبته ــ لم يكن استخدام المحمول شائعا وقتها ــ كلها شخصيات تبحث عن حل وهمي، حالة هرب مزمنة، سواء كان حلا أشبه بالحلول السينمائية، التي يخيّب الفيلم ظن المُشاهد في تحققها، فحتى الفيلم الذي يريد حسن تنفيذه لن يتم، ويصبح مجرد أوراق يتم تمزيقها والتخلص منها في النهاية، وقد تم سجن صباح، وهو لم يزل ينتظرها على أمل أن تبادله الشعور نفسه.

لعبة المحاولات

فكرة الأمل والانتظار هذه هي التي تدور الشخصيات في فلكها، وكلما تظن أنها قريبه منه يختفي هذا الأمل تماماً، فريق الخرتية والحلم بالهروب من البلد والهجرة، سكارفيس الذي يود الذهاب إلى هوليوود، وحسن الذي يريد تحقيق حلمه بعمل الفيلم، والهرب من واقع الفشل وعبء الانتماء إلى أسرة فنية شهيرة ــ فطين عبد الوهاب وليلى مراد ــ ولم يزل ينفق من أموال والدته التي تأتيه شهرياً في مظروف مغلق، ربما يحقق ما يريد، حتى منتج الفيلم يقوم بذلك إكراماً للأم! فالبطل ــ مجازاً ــ ضائع بدوره.

الصورة الحقيقية

بتحقق جريمة القتل، يبدأ التحقيق مع الجميع، وهنا تبدو الصورة على حقيقتها، ويسخر الفيلم من المقولات الكبرى التي تأتي على لسان وكيل النيابة، من هيبة الدولة وصورتها أمام الآخرين، وقبلهم نفسها، وهل يمكن عمل فيلم يستعرض حياة هؤلاء؟! ترى السُلطة أنهم عار عليها، لكنها لا تتورع استخدامهم عند الحاجة، لكن الأمر خرج عن سيطرتها وجريمة القتل حدثت لأحد أعضاء السلك الدبلوماسي، فالفضيحة لا يمكن التستر عليها، وبالتالي لابد من دفع ثمنها. توبيخ وكيل النيابة لحسن يرد عليه الأخير بأنه حتى يكون وطنياً ويثبت ذلك، هل لزاماً عليه أن يأتي بالأكاذيب، ويصف أن الجميع يعيشون في سعادة، والحياة بمصر لا مثيل لها! هنا تتأكد الصورة السياحية التي تريدها السلطة وتعمل جاهدة على إظهارها، من دون مقولات مباشرة أو فجة، كما يحدث في العديد من الأعمال. لنا أن نلاحظ توقيت الفيلم، ومقارنته بالأعمال التي عُرضت ذلك الوقت، وهي على سبيل المثال لا الحصر: «استاكوزا، إشارة مرور، اغتيال، التحويلة، الجنتل، النوم في العسل»، وغيرها.
لنا أن نقارن المناخ السينمائي من خلال هذه الأفلام، الدعائية والموجهة أو المتهافتة والتافهة، من حيث الفكر والمستوى الجمالي، ليأتي فيلم مثل «رومانتيكا» ويتحدث بوضوح عن عالم يتماس مع عوالم أخرى تمثل أغلب الفئات الاجتماعية. على سبيل المثال الخلفية الاجتماعية لهذه الشخصيات، صباح ابنة صاحبة بيت الهوى، وأسرة القاتل بالمصادفة سيد سكارفيس، أسرة عادية من فئة تحت المتوسطة، حتى لا ننخدع في مظهر هؤلاء الذين نطالعهم في شوارع ومقاه وسط المدينة. فالكل يتحايل ليعيش، ولا نستطيع إصدار الأحكام على أحد، ولكل مبرراته، لكن رؤية السلطة ووجهة نظرها تريد أن تجمع الجميع في زنزانة لتداري قبحها في المقام الأول.

رومانتيكا

الرومانتيكي دوماً يعيش وفق خياله، ويخلق عالمه من خلال هذا الخيال، علاقاته مع الأشياء والآخرين وقبلهما نفسه، فهناك دوماً حالة من الثقل ومحاولة تحقيق الرؤية الذاتية رغم كل ما يحدث، أو يدّعي الموضوعية أو الواقعية، هنا يصبح الصدام حقيقيا ومؤكدا، فالرومانتيكي إله بلا سُلطة أو نبي بلا أتباع.

رومانتيكا إنتاج عام 1996
سيناريو وإخراج: زكي فطين عبد الوهاب
تصوير: سمير بهزان
مونتاج: أحمد داود
موسيقى: أحمد الناصر، عمرو أبو ذكرى
صوت: جميل عزيز
أداء: ممدوح عبد العليم، شريف منير، أشرف عبد الباقي، لوسي، علاء ولي الدين، مخلص البحيري، تميم عبده.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *