الفنان الليبي عدنان معتيق:  يكتب قصائده بالألوان ويسرد رواياته على متون لوحاته

بين الميثولوجيا والواقع، نلمح أناساً ملونين لا يشبهون النّاس الرّماديين الذين يملؤون شوارعنا، يرقصون ويتقافزون على متن لوحات الفنان الليبي عدنان معتيق. على رؤوس أصابعهم يتنقلون بين الكواكب، فكأنهم يعيشون في الفضاء، في الفراغ هناك يتنفسون نجوماً ونيازك، وكأنهم يدورون حول نيرانٍ مقدّسة، أو كأنهم يهربون من المجهول يهرولون حتى تطال أقدامهم ظهورهم وتدّق أجراس الرّيح. كائناتٌ مطموسة الملامح لا تحتاج عينين لتبصر ولا فماً لتتكلم ولا آذاناً لتنصت، فهي كتلةٌ إنسانية ترى وتسمع وتتحدث عبر حركاتها وألوانها وخطوطها التي تنتمي لمدارس مختلفة.

الفنان الليبي عدنان معتيق:  يكتب قصائده بالألوان ويسرد رواياته على متون لوحاته

[wpcc-script type=”ae4881e9ea77e9d099c51d1a-text/javascript”]

 بين الميثولوجيا والواقع، نلمح أناساً ملونين لا يشبهون النّاس الرّماديين الذين يملؤون شوارعنا، يرقصون ويتقافزون على متن لوحات الفنان الليبي عدنان معتيق. على رؤوس أصابعهم يتنقلون بين الكواكب، فكأنهم يعيشون في الفضاء، في الفراغ هناك يتنفسون نجوماً ونيازك، وكأنهم يدورون حول نيرانٍ مقدّسة، أو كأنهم يهربون من المجهول يهرولون حتى تطال أقدامهم ظهورهم وتدّق أجراس الرّيح. كائناتٌ مطموسة الملامح لا تحتاج عينين لتبصر ولا فماً لتتكلم ولا آذاناً لتنصت، فهي كتلةٌ إنسانية ترى وتسمع وتتحدث عبر حركاتها وألوانها وخطوطها التي تنتمي لمدارس مختلفة.
لوحات معتيق تتأرجح ما بين الواقعية أحياناً وما بين التعبيرية والتجريدية بألوانٍ وحشيّة قويّة واضحة لكلٍ منها حضوره المستقل ضمن فكرة العمل، فنلاحظ في مجمل الأعمال شفافية ألوان الأكواريل والتي تذكرنا بجمالية مائيات هنري ميلر وبلوحات الفنان الليبي علي الزويّك، عفوية الأطفال نفسها وبراءة الفنون البدائية في نشر البقع اللونيّة لتتآلف فيما بعد خالقةً عالماً مستقلاً. الاستفادة من فنون الأطفال ليست بالأمر الجديد فهي سمةٌ بارزة ميّزت التجريدية والسريالية اللتين هما أفقان رحبان يجنح لهما معتيق في أعماله، حيث يحلّق نحو سماء السريالية عبر شخوصٍ مبتورة الأطراف أو شخوص مركّبة جسد إنسان برأس ثورٍ أو كائناتٌ أخرى مختلطة (قطط، أسماك…) تعود بأصولها لعقائد قديمة تذكّرنا بأنصاف الآلهة وبالكائنات الخارقة. هي توظيفٌ للرموز في أعماله بحلةِ قيمٍ تشكيلية جديدة.
عن كائنات معتيق يقول الفنان الليبي القذافي الفاخري: «معتيق فنان يدعونا لولائم الإبصار لكائناته الإنسانية المتوزعة في حركة مستمرة ومتشظية داخل عالم الوجود القاسي. كائناته إنسانية مفجوعة دونكيشوتيه تقاتل طواحين القتامة والليل! دائما في حالة مطاردة لا تستقر! ما الذي يدفعها للفرار ومحاولة الاختباء تحت ثنايا ألوان الأصفر الذهبي والأحمر البرتقالي؟ تتأطر بخطوط الأسود فيفتضح أمرها! عدنان معتيق فنان يكتب برقياته على أسطح تلوينه وخطوطه يناور ما بين تعبيرية وتجريد يتخللهما الرمز بتكثيف الحالات المرتهنة لممارساته الإبداعية».
وفي لوحاتٍ أخرى نلاحظ قدماً تحضن وردة! أن تكون القدم مزهرية فهذه إشارةٌ واضحة لسريالية الأمل ودهشته، إشارةٌ للغد، للحياة. في لوحةٍ أخرى يدٌ تخرج وسط الرمال لتقطف زهرة، هذه الزهرة نفسها يجاهد كائنٌ غارقٌ بالعتمة ليصل إليها. هذه الغرائبية ابتسامةٌ يحاول معتيق زرعها على وجه من يتابع لوحاته ليقول إن الحروب والمآسي ستنتهي، لا سيما بأنه ابن ليبيا وعاصر ما جرّته الأحداث الأخيرة عليها من ويلات.
أما التجريدية فهي متجليّة بين كسور بعض الأشكال ومحاولة تكوينها من جديد، عبر إعادة توزيع الأعضاء ضمن الوجه في لوحاتٍ تحاكي تجارب بيكاسو من حيث عمق الفكرة وبساطة إيصال أعقد المسائل النفسية والاجتماعية. فمن ضمن تخطيطات الفنان معتيق وجهٌ لفتاة صفراء ذات عينين بعيدتين عن التناسق أو عن التناظر فيما بينهما، أفقٌ واسع للتأويل نضيع وسطه. عن تجربته التجريدية يقول الفنان: «الرسم التجريدي عالم رحب دون قيود نعم، ولا توجد به نماذج سابقة فغالبا ما تتم عملية الدخول إلى عالم اللوحة بشكل عفوي بدون تخطيطات سابقة. علاقتي بالألوان مستمرة تبدأ من الصباح وتنتهي في المساء وربما تستمر إلى الفجر».
الألوان عند معتيق قويّة تكون عادةً بين خيارين إما مكتظةً ومتداخلة مع بعضها في لوحة تحضن الأحمروالأزرق والأخضر كخلفيّة لونية مع شخوصٍ عارية مكتسيّة بالألوان فقط، أو أن تكون لوحة بلون أو لونين وغالباً ما يكون اللون الأصفر هو المسيطر بأغلب أعماله إما بصحبة الأبيض أو الأسود. بدأ ظهور اللون الأصفر عند معتيق بعد قراءته لقصيدة رينيه شار، بعنوان السحابة الصفراء. كيف لا والشعر يعدّ أحد مصادر الرسم الحيوية لديه، فهو القارئ للشعر الغربي والعربي لأمثال شار، ت. س. إليوت، وأمل دنقل، وبدر شاكر السياب، ومحمود درويش…غادرت تلك السحابة قصيدة شار، ورافقت معتيق في لوحاته، فهي تطل في الكثير منها في أشكال متباينة من حيث الشكل والمعنى الذي يتكئ على خيالٍ خصب وعلى ذاكرةٍ بصريّة غنية.
وبعيداً عن الألوان نلاحظ تخطيطات معتيق بالأبيض والأسود تظهر بقوةِ وهيبةِ تخطيطات الفنانين العالميين، ذكرتني بكروكيات (تخطيطات بدائية للوحة) كان قد رسمها ماتيس، وهنا تظهر الموهبة عارية من كل ما يمكن أن يتلبسها من زيف في إطارات الفن التشكيلي، فنرى معتيق يرسم ببساطة وعفوية كما ذكرنا بعيداً عن أدوات الإبهار التي يلجأ إليها سواه من اشتغالٍ كبير على الزخارف أو استعراض للواقعية المفرطة، لا يتبجح بعناوين عريضة بقصد التهويل، يعي حقيقة أن الرسم هو شغفٌ أولاً وليس حلاً لمعضلات البشرية. بشغفه ذاك يتناول تفاصيل إنسانية ويعالجها ويرتقي بالفكر على طريقته، فالعناوين الكبيرة دوماً تغمز لنا بعين الكذب، لم تعد تخدع أحداً. ومعتيق بكل بساطة يقول عن سبب اشتغاله بالرسم: «لا شيء إلا الرغبة في الرسم، فقط الرغبة في الرسم. وكل ما أنتجه يأتي خلال عملي دون أي تجهيز مسبق، اكتمال الصورة ووضوحها عندي يومض بشكل سريع ويتم التقاطها خلال العمل في اللوحة وربما تتدخل الخبرة والتكنيك في إكمال اللوحة من حيث التوازن وغيرها من شروط التكوين في العمل الفني».
معتيق يكتب قصيدته بالألوان ويسرد رواياته على متون لوحاته، فالفن التشكيلي متغلغلٌ عنده في كل نواحي الإبداع ومتداخلٌ معها فيجد أن السينما والمسرح تعتمد على المشاهد البصرية التي يُظهرها المخرج وغالبا ما يكون ذو خبرة بصرية كبيرة، كما تعتمد الرواية والشعر على الوصف البصري، فالكاتب يعتمد على المخيلة الخصبة في تشكيل نصوصه التي يكتب.
معتيق في حراكٍ درامي مستمر ضمن أعماله يصرخ: «أنا أرسم إذاً أنا موجود!». بالرسم قتل أشباح الخوف والتصحر الروحي، ويبعث على الأمل وتجدد الحياة.
 

 

بسمة شيخو

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *