المعرض الجماعي لصيف 2015 في غاليري «دروب» في القاهرة … أعمال تشكيلية مهمة تتناول البيئة الشعبية والمعتقدات التراثية في مصر

القاهرة ـ «القدس العربي»: يُقام حالياً في غاليري «دروب» معرضاً جماعياً لصيف 2015، يضم العديد من الأعمال المتميزة التي عُرضت في معارض خاصة وجماعية خلال العام. ويبدو أن ثيمة الانتقاء جاءت من خلال التعبير عن الحياة الشعبية المصرية، والبيئات المختلفة المُمتدة، كالصحراء والساحل والريف والمدينة.

المعرض الجماعي لصيف 2015 في غاليري «دروب» في القاهرة … أعمال تشكيلية مهمة تتناول البيئة الشعبية والمعتقدات التراثية في مصر

[wpcc-script type=”810f59f321474539498c3011-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: يُقام حالياً في غاليري «دروب» معرضاً جماعياً لصيف 2015، يضم العديد من الأعمال المتميزة التي عُرضت في معارض خاصة وجماعية خلال العام. ويبدو أن ثيمة الانتقاء جاءت من خلال التعبير عن الحياة الشعبية المصرية، والبيئات المختلفة المُمتدة، كالصحراء والساحل والريف والمدينة.
من ناحية أخرى تنوعت الأعمال من خلال الأدوات الفنية والتقنية، كالتصوير الزيتي والمائي والباستيل، إضافة إلى أعمال الخزف والنحت والزجاج والخط العربي، وصولاً إلى فن العرائس. كذلك وجود عدة أجيال فنية توضح مدى ما توصل إليه الفن المصري من تطور في الموضوعات والتقنية الفنية، والرؤية بشكل خاص في عالم التشكيل. ضم المعرض أعمالا لـ60 فناناً، نذكر منهم… إيهاب لطفي، حسن الشرق، حليم يعقوب، حسن راشد، صبري راغب، سمير فؤاد، مصطفى رحمة، هناء هاشم، مي حشمت، ميرفت شاذلي، نادية حسن، نجوى مهدي، محمد صبري، مصطفى سليم، عبد الفتاح البدري، وآخرون. ونظراً لعدد الفنانين الكبير، سنحاول التعرّض إلى عدة تجارب فنية استطاعت توظيف التراث والأسطورة الشعبية في حِرفية تقنية ورؤية أكثر عمقاً واختلافاً عن السائد، في تعامل الفن التشكيلي مع الموضوعات أو الثيمات التراثية.

المدارس الفنية المختلفة

الملمح الأساس في مثل هذا الشكل من المعارض يكمن في ميزة التنوع واكتشاف المدارس الفنية وأساليبها المختلفة. وإن كان فن البورتريه هو الطاغي على المعرض، سواء في تصوير زيتي أو مائي، كما في أعمال الفنان مصطفى رحمة والفنانة مي حشمت، بخلاف لقطات الطبيعة الصامتة للفنان وجيه يسّى. من ناحية أخرى نجد التمازج بين الحِس والطقس الشعبي والتاريخ، كما في أعمال الفنان سمير عبد الرحمن الذي يُجسد طقس الزواج، ويستعرض حالة كل من الرجل والمرأة، في لوحة تشبه الجداريات الفرعونية.. من حيث الوضع الجسدي وطبيعة الحركة في اللوحة، ليعبُر بهذا الطقس الزمن في لحظة واحدة تجمع ما بين عمق طقوسه وحتى وقتنا الحالي. ويستمر الاحتفاء وفق البيئات المختلفة كما في أعمال الفنان عبد الفتاح البدري، الذي يستعرض عازفي الدفوف في بلاد النوبة، في ما يُشبه التجريد، حيث تختفي ملامح الرجال، ويتولد الإيقاع من تكرار إيماءة الرأس نحو قائدهم، إضافة إلى حركة يد كل منهم فوق الدف.
التجريد أيضاً يبدو في لوحة الفنان إيهاب لطفي الذي يُجسد بيئة الجنوب المصري، ليتصدر الرجل مقدمة اللوحة، وتبدو المرأة في الخلفية، وتصبح البيوت المتراصة فوق الجبل في عُمق اللوحة، هنا يبدو أن الشخصيات تظهر في عالمها المكاني بالكامل، وهناك مفارقة عن تأثير المرأة في هذا العالم شِبه المغلق، فإن كان اللون الأبيض هو المُسيطر على اللوحة، فإن رداء المرأة الأحمر، التي تبدو أصغر حجماً لموقعها في اللوحة، يجعل لها ثقلاً كبيراً، فتقع العين عليها مباشرة، ثم تستكشف العالم من حولها.

عمق التجربة الفنية وحداثة التقنيات

التجربة الجمالية عند الفنان سمير عبد الرحمن تبدو شديدة الارتباط بالمأثور الشعبي والتراث المصري في جميع مراحله، وهو ما يعكس معتقدات المصريين وتحولاتها والحفاظ عليها في الوقت نفسه، وهو الأمر الصعب في معالجة موضوع ممتد ومتحوّل خلال التاريخ المصري القديم، ليصبح في شكل طقس شعبي أخذ التحوّل الديني وطوّره ضمن مفهوم المصري وتراثه الطويل. يحافظ الفنان على حالة الاستمرارية هذه، في الطقوس والمعتقدات، من خلال المزج بين عدة حالات في اللوحة الواحدة، وما يُساعد على وضوح الفكرة ومعالجتها هو التباين ما بين اللون والحركة والرمز الأيقوني الشعبي، إضافة إلى العبارات الدالة على ثقافة أو حالة دينية ما، وهنا يمتزج الفرعوني بالقبطي والإسلامي في توازن محسوب.
نجد في اللوحات تجاورا لعدة مظاهر لما مرّ به المصري في حياته، وخلق منه طقساً ممتداً غير مهجور، وذلك في إيقاع حركي ولوني يحيل دوماً لجداريات المعابد الفرعونية. فالفلاحون أصحاب الفؤوس والفلاحات حاملات الجرار أصبحن يقفن كما الآلهة في الجداريات القديمة ــ الجرار حلّت محل القرابين ــ التفاصيل نفسها حيث التكوين الجسدي والشكل ــ البروفايل ــ إضافة إلى إكسسوارات تمتد لزمن آخر كالهلال، وهو يرمز للديانة الحديثة التي أصبح المصريون يعتنقونها ــ أغلبيتهم ــ ليصبح في خلفية اللوحة، إضافة إلى موروث اتقاء الحسد ــ العين الزرقاء ــ وهو رمز أيقوني لدى المصريين، دالاً بنفسه على معناه في المجتمع. الملمح الآخر هو استحضار طقوس حديثة نسبياً وأشكال أكثر حداثة تصبح في اللوحة وكأنها أصبحت ضمن مفردات الحضارة الشعبية المصرية القديمة… كرجل يحمل سيفاً ويعتلي حصانه، أو تجسيد رقصة الصوفية في شكل أشبه بالجداريات القديمة، وخلفهم قبة المقام، وقد تحول الضريح الفرعوني للملك القديم سليل الآلهة إلى ضريح أحد أولياء الله الصالحين، حيث يتحلق حوله الجميع.

الحركة وخلق الإيقاع

تحمل لوحات الفنان عبد الفتاح البدري نغمة صاخبة في كل تفاصيلها بداية من الألوان الحارة ودرجاتها، وصولاً إلى الإصرار على تجسيد الحركة الدائمة، هناك فعل دائم في اللوحة، حتى إن كانت الشخوص في حالة من الثبات، كلوحة عازفي آلات النفخ/المزامير، وهذه الموسيقى التي تبدو في انفعالات الجسد الثابت، والمدهش أن العازفين تم تجسيدهم عبر لطشات لونية، سواء لوجوههم أو عماماتهم، فلا توجد تفاصيل لوجه، فقط لطشة لونية يتوحد معها الجميع، وهي حالة ذكية مقصودة لتبدو شخوص اللوحة متوحدة مع الموسيقى المعزوفة، وتكون للمتلقي أقرب وكأنها نغمة تجريدية يحكمها الإيقاع فقط.
هذا الإيقاع الصاخب أيضاً نراه في لوحة تجمع الفتيات في ألوانهن الزاهية، وهن يقفن في صف شبه مُحكم، في بروفايل يُذكّر بالرسومات الفرعونية، إلا أن تفاصيل أجسادهن وضفائرهن التي تتأرجح تخلق حالة من الحركة والإيقاع، وتوحي عبر اللون الأحمر ودرجاته عن مدى الدفء والحياة في أجساد الفتيات. الإيقاع نفسه وإن كان في شكل حاد يصوّره البدري في ألعاب الأطفال ــ لعبة الرقص بالعصا ــ أولاد وبنات صغار، في شبه دائرة، فالحركة سواء في شكل الجسد او التكوين العام للوحة تتجلى بقوة وبساطة في حِس تجريدي، لتبدو الأجساد وكأنها رسوم قديمة في كهوف الجبال، وهي حالة تواصل دائم مع تراث يتنفسه الجميع، حتى إن كان من دون وعي، ويتمثل في لعب الأطفال.

التجريد

على خلاف الجو الاحتفالي الصاخب الذي جسده عبد الفتاح البدري، تأتي أعمال الفنان إيهاب لطفي لتختزل عالم بلاد النوبة وتفاصيله الدقيقة في ألوان هادئة، كالأصفر ومشتقاته، والرماديات التي توحي بالقِدم، إضافة إلى الخطوط الحادة والقوية التي تحدد تفاصيل الأجساد من رجال ونساء، وحتى الخطوط المنحنية تظهر على استحياء في أدوات هذه البيئة، كالجرار الفخارية وما شابه، وهو ما جعل الفنان يعرض هذه الأدوات في لوحات مُستقله تُنسب لأعمال الطبيعة الصامتة. حالة من السكون التام تبدو في حركة الأجساد وملامح أصحابها، ولا تتولد الحركة إلا من خلال التكرارت وترتيب عناصر اللوحة وعلاقة الشخوص بالمكان.
إحدى الأشجار الضخمة تتصدر اللوحة، وبيوت في العمق، ونساء يسرن نحو مقدمة الكادر، ونهر النيل الساكن على اليسار، وامرأة تجلس بالقرب منه. ولوحة أخرى تقترب كثيراً من الجداريات الفرعونية، من حيث تكوين الأجساد والوجوه.. مجموعة من الرجال يتكتلون في يمين الكادر، وتميل وجوههم نحو اليسار ليسير معهم خط النظر لتبدو امرأة ووشاحها يكاد يقارب مساحة وجوه الرجال جميعاً، وهي لا تنظر إليهم وتتجه نحو اليسار، هذا التكرار في خط النظر هو ما يخلق الحركة والإيقاع الهادئ جداً، هكذا يجسد لطفي الحركة في أعماله، حركة هادئة تقوم على تكرارات الإيماء أو اللفتات، هذا الهدوء الظاهر يكشف ما يُخفيه من انفعالات لا تهدأ، وتواطؤ بين نظرات الرجال والمرأة التي لا تلتقي في اللوحة، لكنها عنصرها الأساس ومُحركها النفسي. سلوك البشر والبيئة هذا جسده إيهاب لطفي في حِرفية ظاهرة، فلا زخارف ولا تزيُّد لوني، فقط خطوط تختزل عالم بأكمله، كاشفه عن علاقاته وطبيعته.

الأسطورة والحكاية الشعبية

تأتي تجربة الفنان حسن الشرق لتخلق شكل من أشكال التداعي حول اللوحة والحكاية التي تعرضها، فما بين العادات والحكايات المصرية والعربية الشعبية كأبي زيد الهلالي وتنويعات من قصائد عربية قديمة، إضافة إلى الشخصيات التي لم تزل عالقة بالمخيلة الشعبية المصرية كـ (شجيع السيما) كما جاءت في أوبريت «الليلة الكبيرة» لصلاح جاهين. وبخلاف الشخصيات تأتي الأفعال اليومية التي يمارسها أهل القرى، خاصة الجنوب الذي ينتمي إليه الفنان. ويبدو الحِس التلقائي هو الأساس التقني في اللوحات، بداية من شخوصها، وطريقة الخطوط المنحنية في أغلبها ــ قليلاً إذا ما وجدنا خطوطاً حادة ــ وهو ما يؤكد حالة من التواصل، وكأن طفلا هو الذي يقوم بالرسم، من دون تنظيرات احترافية تفقد متعة التواصل معها. هذه التلقائية نجدها أيضاً في التعامل مع الشخصيات داخل كادر اللوحة، وكأننا في موالد أحد الأولياء، حيث يقوم فنانو هذه الأماكن برسم (الوشم) فوق أجساد رواد المولد، وبالطبع سيكون البطل إما أبو زيد، أو الشجيع أو ما شابه من الأبطال في المخيلة الشعبية المصرية.
فالرسومات تذكرنا بالأشكال التي ترسم على جدران البيوت في القرى في المناسبات ــ والدينية منها خاصة ــ كالذهاب إلى الحج والعودة السالمة منه. بخلاف ذلك نجد الحضور القوي والاحتفائي ببعض المهن الشعبية والمظاهر الدينية كـ(كعروس المولد) و (صانع الكُنافة) وهي شخصيات ترتبط بشهر الصيام وطقوسه من ألعاب للأطفال أو بعض المأكولات، إضافة لذلك يأتي استعراض الأفعال اليومية التي لا يخلو منها كل بيت شعبي، سواء جنوباً أو شمالاً في مصر، وهي لحظات لا يُستهان بها في بيئتنا، كالأم التي تصفف شعر طفلتها، والطريقة التي تقوم بها بهذا الفعل في اللوحة يوحي بمدى السعادة البادية على وجه المرأة. فعل آخر يُمسِك به حسن الشرق في لوحاته، وهو وإن كان مجرد فعل بسيط، لكنه يحمل الكثير من دلالات الحياة الشعبية، والعلاقات بين أفرادها .. فالفتاة التي تطل من نافذتها/شبّاكها ويبدو وجهها ضاحكاً هو احتفاء بهذه الحالة، التي لم تعد موجودة بشكلها كما أراده الفنان إلا في الحارات الشعبية المصرية، ويبدو عقدها المعلق برقبتها، والذي يتخطى حدود النافذة أثرا آخر من آثار الزي والأكسسوار الشعبي للفتيات.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *