يُقام على مسرح الطليعة في القاهرة: العرض المسرحي «هنا انتيغون»… خلود الحب مُقابل وهم السُلطة

القاهرة ــ «القدس العربي»: لم تزل الكلاسيكيات المسرحية تحمل روحاً حيّة، ذلك لأنها تدور دوماً حول السلوك الإنساني وسقطات المخلوقات، والعقاب الذي يطولهم نتيجة تجاوزهم الحدود المرسومة بدقة من قِبل الآلهة، أو ما اتفق عليه الآلهة، وفي لغتنا اليوم هو ما سَنّه الوعي البشري من مُثل وأعراف تتحقق من خلالها روح العدالة. ولا يبدو إعادة تقديم نص كلاسيكي قديم ينتمي للدراما اليونانية، وقد أعيدت كتابته عدة مرّات من قبل العديد من المؤلفين المسرحيين في العالم، بتفسيرات جديدة ووجهة نظر توضح مأزق وجودي في زمانهم، أو مأزق سياسي واجتماعي. وياتي العرض المسرحي «هنا انتيغون» الذي يُقدَم على مسرح الطليعة في القاهرة/قاعة زكي طليمات، ليُعيد تقديم مأساة «انتيغون» ابنه أوديب، التي تحدّت قوانين السلطة البشرية في صالح القانون الإلهي. اعتمد العرض على النص المسرحي الذي كتبه جان كوكتو أكثر من النص الأساسي الذي كتبه سوفوكليس، والمُستمَد من الأسطورة اليونانية. وحاول العرض الخروج قليلاً عن نص كوكتو، من خلال حذف شخصة ما، أو إضافة الاستعراض الحركي والغنائي لتعميق الحالة الدرامية للنص. العرض أداء كل من ... علاء قوقه/الملك كريون، هند عبد الحليم/انتيغون، رحاب خليل/إيسمين، ومحمد ناصر/هيمون. ديكور محمود صبري، موسيقى وليد غازي، والعرض من إخراج تامر كرم.

يُقام على مسرح الطليعة في القاهرة: العرض المسرحي «هنا انتيغون»… خلود الحب مُقابل وهم السُلطة

[wpcc-script type=”d24c3c468a8e63d89044eb45-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: لم تزل الكلاسيكيات المسرحية تحمل روحاً حيّة، ذلك لأنها تدور دوماً حول السلوك الإنساني وسقطات المخلوقات، والعقاب الذي يطولهم نتيجة تجاوزهم الحدود المرسومة بدقة من قِبل الآلهة، أو ما اتفق عليه الآلهة، وفي لغتنا اليوم هو ما سَنّه الوعي البشري من مُثل وأعراف تتحقق من خلالها روح العدالة. ولا يبدو إعادة تقديم نص كلاسيكي قديم ينتمي للدراما اليونانية، وقد أعيدت كتابته عدة مرّات من قبل العديد من المؤلفين المسرحيين في العالم، بتفسيرات جديدة ووجهة نظر توضح مأزق وجودي في زمانهم، أو مأزق سياسي واجتماعي. وياتي العرض المسرحي «هنا انتيغون» الذي يُقدَم على مسرح الطليعة في القاهرة/قاعة زكي طليمات، ليُعيد تقديم مأساة «انتيغون» ابنه أوديب، التي تحدّت قوانين السلطة البشرية في صالح القانون الإلهي. اعتمد العرض على النص المسرحي الذي كتبه جان كوكتو أكثر من النص الأساسي الذي كتبه سوفوكليس، والمُستمَد من الأسطورة اليونانية. وحاول العرض الخروج قليلاً عن نص كوكتو، من خلال حذف شخصة ما، أو إضافة الاستعراض الحركي والغنائي لتعميق الحالة الدرامية للنص. العرض أداء كل من … علاء قوقه/الملك كريون، هند عبد الحليم/انتيغون، رحاب خليل/إيسمين، ومحمد ناصر/هيمون. ديكور محمود صبري، موسيقى وليد غازي، والعرض من إخراج تامر كرم.

الحكاية

يكتشف أوديب خدعة القدر، فيفقأ عينيه، ويتوكأ عصاه هائماً في الصحراء، مُسترشداً ببصيرة ابنته انتيغون، بينما ولداه ايتيوكل وبولينيس اتفقا أن يتناوبا الحُكم عاماً فآخر. إلا أن الأول امتنع عن ترك الحُكم لأخيه في الفترة المحددة، فاستعدى الأخ جيوشا خارجية لاسترداد حقه، وقُتل الأخوين في المعركة الفاصلة عند أبواب المدينة، فانتقل الحُكم إلى كريون شقيق جوكاستا زوجة وأم أوديب، وأم وجدة انتيغون. هنا يبدأ كريون في سَن قوانينه، بأن يجعل من ايتيوكل بطلاً حاول الدفاع عن المدينة، وأن تتم له مراسم الدفن الدينية، بينما يُحرم منها بولينيس، لأنه خائن واستدعى الأعداء لمناصرته، وبالتالي يصبح جثة في العراء، عقاباً على فِعلته. ولا ترضخ انتيغون لقوانين الملك، بل تدفن شقيقها عملاً بتعاليم الآلهة، وتقدّم حياتها جزاء ذلك. الأمر هنا يدور حول طاعة أية سُلطة؟ بشر يحاول اختبار قوته من خلال إصدار قانون يرهب به أهل المدينة، أم قوانين الآلهة التي يجب ألا تُمَس؟ فكرة تجاوز الحد هي الفكرة الأساسية التي تدور حولها أغلب دراما اليونان، خاصة لو توهم الإنسان أنه بقادر على تحدي الآلهة، أو يتطاول ويظن نفسه مثلها. ويمكن تحليل المأساة من وجة أخرى … فالملك أتته السُلطة مُصادفة، لكنه كشف عن مدى انتظاره لها، وأراد أن يرسم لنفسه صورة طالما راودته في خياله، صورة الحاكم القوي الذي يُطاع في كل الأحوال. فالشقيقان وصراعهما على الحُكم، خاصة وأن المغضوب على دفنه هو مَن له الحق في الحُكم، وبذلك فـ ايتيوكل مُغتصب سُلطة، لكن تمجيد كريون له يكمن في أن اغتصاب السُلطة من الممكن التغاضي عنه، مقابل التوسل بقوى الخارج لاستعادتها، كما فعل بولينيس. فكل من الشقيقين في حقيقة الأمر يتنفس الفساد، وكان على الملك كريون الإيهام للشعب بتمجيد أحدهما على الآخر، وخلق حالة من الهيبة له، لأن فساد الحُكام سيؤهل الرعيّة للفساد بدورهم، وبالتالي تسقط المُثُل ــ كالشخصيات التاريخية في حياة الشعوب، وحالة الأمثلة الوهمية المُبجلة ــ ويتساوى الحاكم مع شعبه، وهو أمر مرفوض تماماً من وجهة نظر أي سُلطة، حتى في الفساد!

مأساة انتيغون

لم تكن انتيغون في مثل جَمال إيسمين، وحيدة ومؤهلة تماماً لحمل تبعات مأساة لم تزل تائهة في الغيب، أحبها هيمون ابن الملك كريون، لكنها بعد عودتها إلى طيبة، بعد موت أوديب ــ هي التي كانت تسير بأوديب في غياهب ظلامه ــ تشهد موت أخويها، تصبح بصيرتها هي الدافع لتمجيدها القانون الإلهي، وعدم تنفيذها لقوانين كريون، الذي هو مُجرّد مسخ سُلطوي يبحث عن مجد شخصي، فكان الحُكم بموتها، وموته في النهاية بعدما فقد ابنه وزوجته، وعرف مدى ضياعه ووحدته.

العرض المسرحي

اعتمد العرض كما أسلفنا على رؤية جان كوكتو للأسطورة، وقد حاول العرض إدخال عدة تعديلات، سواء في الإعداد والإخراج. فحذف على سبيل المثال شخصية تريسياس، الأعمى والمُنبئ الدائم بالمهالك، لكل مَن تجاوز الحد ــ سخر أوديب من تريسياس، فأصبح مثله أعمى في النهاية، ففقد البصر وقبله البصيرة ــ واكتفى العرض أن تقوم الجوقة بمعارضة كريون، وتوجيه اللوم إليه على قراراته، وبالتالي دمج شخصية تريسياس العرّاف في فريق من الجوقة. وحتى يتخلق شكل من أشكال الصراع، جاء فريق الجوقة الثاني لمثل وجهة نظر كريون، وبذلك يكون العرض حافظ إلى حدٍ كبير على الشكل الكلاسيكي للدراما اليونانية، وهو وجود الكورَس. لكنه أضاف إليه رقصات إيقاعية، دون الاكتفاء بأن يكون مُعلِقاً وشارحاً للحدث وما يدور في ذهن الشخصيات. كذلك اكتفى العرض المسرحي في أن يضع قصة الحب بين انتيغون وهيمون مقابل قسوة السُلطة المُتمثلة في شخص كريون، وأن الخلود للحب، مهما بلغ صلف وصفاقة السُلطة.
وإن كان نموذج ديكور القبر قد انغلق على كريون في النهاية رغماً عنه، فإن التصرّف في النص كان من الممكن أن يؤوَل ليتحمّل أفكاراً على درجة كبيرة من الأهمية، أين دور الشعب مثلاً؟ ونحن نعيد عملاً كلاسيكياً في وقتنا الراهن، فالنص المسرحي يحتمل تأويلات لا تحصى، وهو جدير بذلك. لكنها رؤية مخرج في النهاية، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، ومن المُحتمل أن تكون الحالة الرقابية لن تسمح بأن يتخلص شعب من حاكمه مرّة أخرى، ولو على خشبة المسرح، ربما.

الأداء التمثيلي

اللافت في أداء المُمثلين أنهم ما زالوا طلبة في معهد الفنون المسرحية، بخلاف الفنان علاء قوقه، الأستاذ في المعهد، وقد أدوا أدوارهم بشكل جيد، خاصة المُمثلة التي قامت بدور انتيغون/هند عبد الحليم، والتي ابتعدت تماماً عن المُبالغات في الأداء والتعبيرات والحركة، وكانت كما تؤدي دوراً أمام كاميرا السينما. ورغم أن النص يسمح بالمُبالغة في الأداء الجسماني والصوتي، إلا أنها نجحت في الخروج عن هذه التقاليد، وهو أمر في النهاية يُحسب لمخرج العرض، بداية من اختيار الممثلين، وصولاً إلى كيفية تحريكهم، وخلق حالة مُحتمَلة من إحساسهم بالنص. خاصة وقد قــاموا بغناء بعض المقاطع وتأديتها في ما يُشبه الرقص الإيقاعي، وقد نجحوا في ذلك إلى حدٍ معقول.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *