مجموعة الصيف في غاليري الزمالك للفن… 27 فناناً يستعرضون تجارب ومدارس تشكيلية متنوعة
[wpcc-script type=”57dd5b2127d6df483d1538e1-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: أقيم مؤخراً في غاليري الزمالك للفن معرض صيف 2015، وجاء بمجموعة مُنتقاة من الأعمال الفنية التي عُرضت في الغاليري خلال العام، وضمت أعمالاً لـ 27 فناناً تشكيلياً مختلفاً، سواء من حيث المدرسة الفنية التي ينتمي إليها، أو يحاول ممارسة تجربته من خلالها. إضافة إلى تنوع الأعمال نفسها، من رسم ونحت على الخشب أو البرونز. الملمح الآخر للمعرض هو ضمه لعدة أجيال مختلفة من فناني الفن التشكيلي المصري، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الفنانين: جمال السجيني، وعبد الرحمن النشار، وجورج فكري، ومحمد الفيومي، وفرغلي عبد الحفيظ، وأيمن سعداوي، وجاذبية سري، وزينب السجيني، ومصطفي عبد المعطي، وسعاد مردم بك، وآخرين. وسنحاول التعرض إلى بعض هذه التجارب المتباينة، والدالة على العديد من الأساليب الفنية الحداثية من حيث الموضوع واللون وإيقاع اللوحة أو العمل ككل.
الطفولة وعوالمها
كل من الفنانين… زينب السجيني، خالد سرور وسعاد مردم بك يستمد أعماله من عالم الطفولة، ولكن سرور على سبيل المثال يستدعي مشاهد ولقطات تعبّر عن فرح طفولي، كلقطات السيرك والمهرج/البلياتشو، والألوان الزاهية والمُبهجة، إضافة إلى أسلوب وطريقة رسوم الأطفال، من حيث الخط واللون الذي يخطف العين، وهو هنا يقترب بالموضوع من أسلوب الرسم الطفولي نفسه. من ناحية أخرى تبدو البيئات المختلفة التي تتناولها اللوحات كالقاهرة والريف، كذلك وجود الحيوانات وكأنها جزء لا يتجزأ من عالم الطفولة هذا كالقطط والزراف والطيور والأسماك، كذلك آلات الموسيقى كالمزامير والأوكورديون. كلها بخط ولون طفولي. فاللعب هنا يأتي من خلال عالم لم يزل يملكه الطفل، ويظن أنه يسيطر عليه تماماً، اللعب حياة بأكملها متناغمة مع أبطالها.
بينما نجد أعمال الفنانة زينب السجيني تدور حول المرأة وعالمها، فقليلاً ما نجد مَلمحا لرجل، لكن ظله يخيّم على الأجواء، رغم ما تحاول الفنانة خلقه من عالم خاص بالمرأة وحدها. وجوه صامتة وحركات جسدية تشبه الجسد الفرعوني فوق الجداريات، حتى اللحظات الحميمة بين الأم وطفلتها أو رحلات التنزه في المراكب النيلية أو الريف، نجد حالة من الوحدة هي التي تسيطر على عالم اللوحات. حتى أن بعضها يوحي تماماً بأعمال الطبيعة الصامتة، وقد أصبحت النسوة ضمن مفردات هذه الطبيعة، من منضدة وزجاجة وكوب أو كأس. السمة الغالبة هنا هي تقنية الرسم وكأنها تقترب كثيراً من رسومات الأطفال، العالم كما يراه الطفل ويُترجمه من خلال الخطوط والألوان، لكنه عالم مغلق على المرأة فقط، وكأنها في حلم لا تريد ولا تود الاستيقاظ منه رغماً عنها.
أما أعمال سعاد مردم بك فتأتي مُتأسيه لعالم لن يعود، حلم انتهى، ولقطات غير متناغمة لعالم مفقود، أطفال حزانى، عيون مُحدّقة، وملابس ربما تنتمي لآبائهم وأمهاتهم، كقلادة لأم وحذاء لأب، هذا كل ما تبقى منهما. طفولة وكأنها تحيا في فراغ، تخشى ذكرياتها وتحملها معها في الوقت نفسه. عالم أشبه بالرعب، يتجسد من خلال هذه اللقطات وألوانها الداكنة، حيث الدرجات اللونية مابين الأحمر الداكن والرماديات، لا ألوان مُبهجة، إضافة إلى إيماءات وحركات الأجساد التي تبدو في الكثير منها على عتبات الموت. وفكرة التعبير من خلال العرائس هذه لما لها من ثقل في المخيّلة الشعبية المصرية، تناولها العديد من الفنانين، كالفنان جمال السجيني على سبيل المثال، وقد جعل منها مدلولاً تعبيرياً عن عوالم هزيمة يونيو 1967، فالأمر اجتماعي وسياسي في المقام الأول، على العكس من الحالة النفسية التي أرادت سعاد مردم بك تجسيدها من خلال لوحاتها.
الهاجس الاجتماعي
رغم التجارب العديدة التي تمجد الذات، إلا أن هناك بعض التجارب التي حاولت أن تمزج الهَم الذاتي بالاجتماعي، وبدرجة من وعي فني، كما في أعمال جورج فكري، والأعمال النحتية لكمال الفقي. فأعمال فكري تحتفي بالمظاهر الاجتماعية والجموع وأفعالهم الحياتية، حتى أن تصميم الوجوه يكاد يتطابق وكأنهم كتلة واحدة، سواء في لقطات تمثل ألعاب أطفال القرى، أو نزهات العشاق النيلية ــ مجموعة من العُشاق ــ وصولاً إلى تحضير رداء العروس، وسط بيئة شعبية. يحتفي فكري بهذه الأجواء من خلال اللون وحركة الأجساد المتلاحمة، والتي لا تستقر أبداً، فلا يوجد جسد ساكن، والتكوين بأكمله يخلق حالة من الحركة الدائمة. أما كمال الفقي ومنحوتاته فيحاول من خلالها تجسيد حالة اغتراب تامة ما بين الإنسان وعالمه، سلسلة من الأعمال المفروضة يخوضها الشخص دون أن يستطيع الفكاك منها، حتى أن الأمر يصل به إلى حمل دراجته فوق كتفه، هذه التي من المفترض ان تكون وسيلته لقطع المسافات والزمن، تصبح عبئاً يحمله ويبدو وهو يسير بهذا العبء! ومهما صرخ أو حاول ان يُغيّر من هذا المسار، فلا سامع ولا مُجيب.
الفانتازيا
ويبدو هذا الأسلوب واضحاً في لوحات كاريل حمصي، التي تضم عوالم مختلفة في اللوحة تنتمي لعصور وتفاصيل لا تتقابل إلا في عالم الفن، الخيول المُجنّحة والأفيال التي تعزف الموسيقى، إضافة إلى تفاصيل من الشارع المصري، كالميادين والمباني الشهيرة بوسط القاهرة، مع تحوير محسوب ودال في تفاصيل المشهد، بحيث ينتمي إلى عالم مختلف عما هو عليه الآن، ألوان زاهية وأشجار تعلو البنايات الشاهقة، لتبدو أنها تظلل السماء، وتمثال ضخم يتصدر اللوحة لإخناتون ونفرتيتي وهما في رقصة رومانتيكية، بينما عسكري المرور بالأسفل يُنظم سير الطريق. هناك مظاهر لمصر الأبعينات في سلوك الناس وطبيعة الميدان والمباني الزاهية، وهناك التمثال التاريخي الراقص، دون الاعتياد على وضعية أجساد المنحوتات الفرعونية التي لا تخطئها العين. القاهرة كما تريدها صاحبة اللوحات وتراها، لا كما هي بالفعل الآن.
هذه لمحة سريعة عن بعض الأعمال اللافتة في المعرض، وهي تمثل حساً فنياً حداثياً إلى حدٍ كبير، ويبدو إضافة إلى المشهد التشكيلي المصري، المختلف عن السائد من تكرارات، سواء في ثيمات الموضوعات أو كيفية تناولها.
محمد عبد الرحيم