يُقام على مسرح الطليعة في القاهرة: العرض المسرحي «روح»… شخصيات يائسة تتمسك بالحياة!

القاهرة ـ «القدس العربي»: الجميع يتذمّر من الحياة وما بها، وصولاً إلى التذمّر من نفسه. فما فائدة المُعاناة واستمرارها؟ لا يوجد الجَمال إلا في بلاغة اللغة/تزييف الواقع، الذي هو في الأصل حالة من السخف لا تُحتمل، ومن هنا تتولد حالة من الشجاعة في مواجهة الموت، فليأت إذن، ولن يتغيّر شيء.

يُقام على مسرح الطليعة في القاهرة: العرض المسرحي «روح»… شخصيات يائسة تتمسك بالحياة!

[wpcc-script type=”f5e8cd756e8493e8c0efe757-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: الجميع يتذمّر من الحياة وما بها، وصولاً إلى التذمّر من نفسه. فما فائدة المُعاناة واستمرارها؟ لا يوجد الجَمال إلا في بلاغة اللغة/تزييف الواقع، الذي هو في الأصل حالة من السخف لا تُحتمل، ومن هنا تتولد حالة من الشجاعة في مواجهة الموت، فليأت إذن، ولن يتغيّر شيء.
ولكن … ماذا لو أتى الموت بالفعل؟ كيف ستكون لحظة الاختيار؟ وكيف سيكون موقف هؤلاء؟ عن النص المسرحي «الوردة والتاج» للكاتب البريطاني «ج. ب. بريستلي» يأتي العرض المسرحي «روح»، الذي يُقدّم الآن على مسرح الطليعة في القاهرة، والذي يحاول مناقشة فكرة أن الحياة ليست بالمُزحة البسيطة، التي يمكن التخلي عنها بسهولة، مهما تحدث عنها الإنسان بغضب وقد دخل بدوره في زيف اللغة، وبالتالي الكذب على نفسه في النهاية، لكن لحظة الصدق تأتي في لحظة فارقة، ليكتشف معنى الحياة وكيف يمكن البحث عن جمالها في أبسط وأعمق الأشياء. العرض أداء كل من… ياسر عزت، فاطمة محمد علي، لبنى ونس، محمد يوسف وسماح سليم. سينواغرافيا محمد جابر، إضاءة أبو بكر الشريف، أشعار محمد زناتي، رؤية موسيقية حاتم عزت، والعرض من إخراج باسم قناوي.

الشخصيات ومأساتها

حانة في إحدى قرى الريف الإنكليزي، والشخصيات المترددة عليها تعرف بعضها تماماً، فاللقاء متوقع، وهو عبارة عن حدث عادي في ان تجتمع مثل هذه الشخصيات، هناك تكراراً للأحداث والأقوال والإيماءات، إلا هذه الليلة. عجوز مهجور الأبناء يتشكّى سخف الحياة ولا جدواها، وامرأة تعدّت سِن الكهولة، خانها صوتها، وتأتي الحانة للغناء أمام المقاعد الخالية، زوج وزوجته في سن الشباب/الزوجة عديمة الشخصية، تبدو كدمية وتستسلم إلى زوجها حتى في ذوقه المفروض عليها في اختيار ما تتناوله، بدافع أنها تحبه، بينما هو لا يريد أن يقدم أبناء إلى هذا العالم الخانق، فيحرمها من الأمومة، وامرأة طاعنة في السِن، فقدت جميع أقاربها ووارتهم التراب، وتنتظر لحظة موتها، وأخيراً شاب في مقتبل العُمر، يحاول أن يُشعر الجميع أن الحياة جديرة بان تُعاش، رغم ما يُعانيه من مرض وفقر وإحباط.
الكل يتشكّى سوء الحظ، إلا الفتى. حتى لحظة دخول زائر غريب إلى الحانة، ليتضح أنه رسول الموت، وعليه أخذ روح أحد الزبائن. وبما أنه يعرفهم، ويعرف مدى ضجرهم من الحياة وما عليها، فليُقدم أحدهم روحه لتصعد ويستريح. هنا تبدأ المأساة، فالجميع يتمسك بالحياة، ويبحث في هذه اللحظة عن معنى لها وبالتالي لوجوده، فلا يهم هجر الأبناء، أو خيانة الصوت لصاحبته المغنية، ولا يرتبط السِن الطاعن بالموت، فكيف تموت العجوز الآن ولم تخط بقدميها عتبة الكنيسة منذ ثلاثين عاما! لكن الفتى المُقبل على الحياة يعرف أنه المقصود… «إذا خشيتم الحياة فلن تعيشوها، ولكن هذا لا يعني أنكم لا تخشون الموت، فلازلتم تفزعون منه، فالفتى الذي استمتع بالحياة هو الوحيد المستعد للرحيل».
وما الوردة والتاج ــ حسب النص الأصلي ــ إلا الحياة والموت، وهو اسم الحانة التي تدور فيها أحداث المسرحية، التي اختير لها أن تُعرض تحت اسم (روح).

العرض المسرحي

رغم التزام العرض المسرحي بالنص الأصلي إلى حدٍ كبير، إلا أن تفاصيل الشخصيات فيها بعض التصرّف، حسب الرؤية الإخراجية للنص، خاصة شخصية المطربة مهجورة الصوت، وترديدها لبعض الأغنيات التي تعبّر عن مشاعرها تجاة الحياة التي تحياها. ربما غلبت المبالغة في أداء الشخصيات في لحظات معينة، لكنها كانت دوماً في إطار الفكرة، ومحاولة خلق مفارقات حوارية تدعو إلى الابتسام، للخروج من كلمات النص وحالته المُقبضة. وهي لمحة ذكية من مُعد النص، حتى يمرر هذه الأفكار مع الحفاظ على النص الأصلي تماماً.
ويبدو الديكور المسرحي وحركة الممثلين وخطاباتهم وتوزيعهم في الحانة، حيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من مكان الجمهور، وكأن الجمهور أصبح مجموعة صامتة من رواد الحانة، وكأن الحدث يرتبط بهم تماماً، من دون أن يصبح العرض تقليدياً وأن يجلس الجمهور على مسافة من المسرحية وشخوصها، ولكن المثير للانتباه أن رسول الموت كان تقليدياً بشكل تام، وهو ما كشف عن طبيعته قبل أن يكشف هو عنها بنفسه، الشكل المعهود لرسُل الموت في مخيلة الفنانين الكلاسيكيين. رجل يتحدث ببطء، يرتدي زيا أسود تماماً، خطواته محسوبة، وكلماته تتواتر في هدوء أكثر من موعظة الأحد!

لحظة الاختبار وآفة النسيان

بعدما يُقسم الجميع على تغيير عاداتهم املاً في النجاة من الموت، فالعجوز سينسى هجر أولاده ويستمتع بالحياة، والمغنية ستكتفي بالغناء لنفسها فقط، والزوج سُينجب أطفالاً ليجعل زوجته تستمتع بحالة الأمومة، والمرأة العجوز ستذهب إلى الكنيسة. تأتي حالة النسيان لتستمر الحياة على المنوال نفسه، ويأتي مشهد النهاية كما المُفتَتَح، يدخل العجوز ويصب لعناته على الجميع، فهو لا يريد رؤية أحد، ويتمنى أن ينتهي العالم من المخلوقات، فما فائدة الحياة!
هذا هو الإنسان في النهاية … يحيا الضجر ويتمنى العزلة، لكنه في الحقيقة ينتظر الأمل في لحظة من السعادة، لا يعرفها طالما أنه لا يتخيلها أو يحاول حتى أن يشعر بها.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *