معرض «سينمانيا» بـ Darb 1718 الثقافي … أفيشات لكلاسيكيات السينما المصرية برؤى وتقنيات حديثة
[wpcc-script type=”cb30647a6399cb30d9559f2f-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: فن (الأفيش) يعد من الفنون الحديثة نسبياً، لارتباطه بالفن السينمائي، خاصة بعدما أصبحت السينما من أهم الفنون الجماهيرية والتجارية، وإن كان فن الأفيش فناً دعائياً بالأساس، ويعد من أهم عوامل الترويج للفيلم، إلا أن مفردات هذا الفن تأتي من مفردات وقواعد الفن التشكيلي، الذي يُعد من أقدم الفنون التي صاحبت الإنسان. وللأفيش أفكار وأهداف منها، أنه يلخص حالة أو طبيعة العمل السينمائي، وأن يوحي بموضوع الفيلم من خلال مجرّد لقطة واحدة. من ناحية أخرى يبدو التطور التاريخي لفن الأفيش، وهو الأمر الذي يحتاج إلى دراسة خاصة، بداية من الانتقال من أفيشات الأبيض والأسود، وصولاً إلى استخدام اللون والتقنيات الحديثة كالديجيتال على سبيل المثال. وفي معرض شبه استعادي لأهم أفيشات السينما المصرية، من خلال أعمالها الكلاسيكية، التي أثرت على الكثير من الأجيال، جاء معرض (سينمانيا) بـ Darb 1718 الثقافي، ليستعرض العديد من الأفيشات لأفلام شهيرة، من خلال الفنانين الجدد وتقنياتهم الحديثة، ووجهة النظر والرؤى المختلفة، التي لم تكتف بنسخ الأفيش القديم، بل أوحت بحالة تفاعل ومقارنة مع الفيلم نفسه، كتجربة شعورية في التلقي بالأساس، ثم إعادة إنتاجها في تجربة فنية جديدة.
أعمال لافتة ومدارس فنية مختلفة
لم يقتصر المعرض على مدرسة فنية بعينها يتم من خلالها تقديم اللوحات والتصميمات، بل تنوعت هذه المدارس بتنوع الفنانين المشاركين في المعرض، وإن جاء بعضهم واقتصر على نسخ بعض أفيشات الأفلام القديمة، أو استخلاص لوحة ولقطة من الفيلم مثلاً، إلا أن هناك تجارب لافتة تناولت الأفيش الكلاسيكي بتقنيات حديثة ورؤية خاصة بصاحب الأفيش الجديد، كيف رأى الفيلم، وكيف استوحى أفيشاً جديداً لا ينتمي للأفيش الأصلي، وهنا تبدو المسألة فنية أكثر، ويبدو إعادة رسم أفيشات الأفلام القديمة شكلا جديدا من أشكال الأعمال الفنية ــ انتشرت هذه الظاهرة منذ فترة على صفحات الفيسبوك ــ فهناك استخدام الكولاج كشكل تقني، إضافة إلى التداخل النوعي بين الأشكال، كالتصوير الفوتوغرافي وتقنية تنفيذ اللوحة بالديجتال والجرافيك بواسطة الكمبيوتر.
ومن بين الأعمال العديدة بالمعرض تأتي عدة أسماء لفنانين جاءت أعمالهم مختلفة عن السائد، ومتميزة من حيث الرؤية والحِرفيّة في التنفيذ، فابتعدت عن النسخ أو النقل التقليدي للأفيش المعهود، وأنتجت أعمالاً مستوحاة من روح العمل السينمائي نفسه، أعمالاً قائمة بذاتها في تفاصيلها، في حالة عدم الإشارة إلى اسم الفيلم المأخوذ عنها. الأمر خاص بالتقنيات واختيارها، إضافة إلى الأسلوب الذي يتميز به كل فنان في أعماله على حدة. نذكر من هؤلاء الفنانين كلا من فادي جلال، محمد مُسعد، مريم عبد الرحمن، محمد سعيد، عكاشة، وهيثم شريف.
التصوير والكولاج والتقنية الرقمية
تأتي أعمال هيثم شريف وقد تناول أفلام … «شيء من الخوف، شفيقة ومتولي، الزوجة الثانية» ليمزج بها شكل الأساطير والحكايات الشعبية المصرية، خاصة أن الأعمال السينمائية تنتمي للريف في شمال مصر أو جنوبه، ولكن التصميم يأتي ليعبّر عن امتداد هذه الحكايات عبر التاريخ، فالأجساد وتكوين اللوحات أشبه بالجداريات الفرعونية، حتى تفاصيل الملابس فهي مستوحاة من الحياة الفرعونية، إضافة إلى عمل تشكيلي آخر استوحاه الفنان من فيلم «شيء من الخوف»، والشخصية الرئيسة في الفيلم (عتريس/محمود مرسي) وكيفية تحول عتريس من النقاء إلى الفساد والسلطة التي أنهت حياته، من خلال عدة وجوه لعتريس متدرجة الألوان من الأبيض إلى الأسود. فالتنفيذ هنا يتتبع الحالة النفسية لبطل الفيلم وتحولاتها.
أما الفنانة مريم عبد الرحمن، فتستخدم تقنية الكولاج في رسم أفيش يوحي بحالة الفيلم، كخلفية اللوحة وألوانها، فالشخصيات مأخوذة من لقطات حقيقية لهم بالفيلم، كما في عمليها.. أفيش فيلم «اليوم السادس» وفيلم «يوم مر ويوم حلو»، إضافة إلى استخدام الخط نفسه التي تمت به كتابة عنوان الفيلم بالتيترات.
ويأتي الفنان محمد مُسعد، ليعيد خلق الأفيش بالكامل، من خلال تصوير شخصيات أخرى عن شخصيات أبطال الفيلم، وينفذ من خلالهما الأفيش الذي يُعبّر عن الجو العام للفيلم، أو من خلال اللقطات الشهيرة والمعروفة للجمهور، جاء ذلك من خلال العديد من الأعمال، نذكر منها أفلام «المومياء، الكرنك، والزوجة الثانية». وربما يمكن المقارنة بين أسلوب كل من هيثم شريف ومحمد مُسعد من خلال تناولهما للعمل نفسه/فيلم «الزوجة الثانية».
من التجريد إلى المُبالغة في التفاصيل
من ناحية أخرى يأتي الأفيش من خلال التجريد واستخدام أقل الخطوط تعبيراً، أو الأشكال التي تعتبر كأيقونات خاصة بالفيلم، وهو ما تناوله الفنان فادي جلال من خلال لوحاته لأفلام مثل … «بداية ونهاية»، ليبدو وجه أمينة رزق وماكينة الحياكة التي كانت تعمل عليها لتدل على المستوى الاجتماعي وحالة المأساة التي عاشها أبطال الفيلم، إضافة إلى فيلم «بين القصرين»، والرمز الذكوري في الخلفية، وهي الحالة التي يمثلها السيد أحمد عبد الجواد، والسلطة التي تحكم قبضتها على الجميع، من دون نسيان البندقية إشارة على عصر الاحتلال الإنكليزي، الذكورة المفروضة والمتوهمة والاحتلال العسكري. بينما يأخذ التجريد مداه من خلال لوحة تعبّر عن فيلم «ضربة شمس»، من خلال فنان آخر «عكاشة» لتصبح الأشياء بديلاً دالاً عن أصحابها … الكاميرا الفوتوغرافية، الموتوسيكل، فنجان القهوة. وكل مَن شاهد الفيلم يعرف جيداً معنى هذه الأشكال في اللوحة/الأفيش.
ثم يأتي الفنان محمد سعيد لتبدو لوحاته أقرب لفن الكاريكاتور، من خلال المبالغة في تفاصيل وجوه أبطال الفيلم، وإن التزم بشكل الأفيش الحقيقي للفيلم، فقط تأتي المبالغة في الوجوه مقارنة بالأجساد، وهو ما حققه من خلال لوحات تناولت أفلام .. «سلام يا صاحبي»، «الكيت كات» و«الهروب».
محمد عبد الرحيم