المرأة في وعي الفنان التشكيلي… رؤى مُتعددة لسُلطة منقوصة

القاهرة ــ «القدس العربي»: «أنا الأول، وأنا الآخر

المرأة في وعي الفنان التشكيلي… رؤى مُتعددة لسُلطة منقوصة

[wpcc-script type=”8549c4da5bf0eead76b0b689-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: «أنا الأول، وأنا الآخر
أنا البغي، وأنا القديسة
أنا الزوجة، وأنا العذراء
أنا الأم، وأنا الابنة
أنا العاقر، وكثر هم أبنائي
أنا في عرس كبير ولم أتخذ زوجاً
أنا القابلة ولم أنجب أحداً
وأنا سلوة أتعاب حملي
أنا العروس وأنا العريس
وزوجي من أنجبني
أنا أم أبي، وأخت زوجي
وهو من نسلي».٭

هذه الأبيات التي تتحدث بها (عشتار) ربما تكون المدخل المناسب لاستعراض عدة تجارب تشكيلية متزامنة، أقيمت في القاهرة مؤخراً. تجارب اتخذت من المرأة موضوعها، وصاغتها بأساليب مختلفة حسب رؤية كل فنان، وحسب وعيه وتفاصيل ذكرياته عن المرأة، التي تحقق وجودها المادي والمعنوي عبر تاريخ الفن الطويل. وهذه التجارب تمثل تنويعاً للمرأة في عدة حالات، كاشفة عن وعي الفنان بها وبالبيئة التي يجب أن يستشعرها من خلالها… هناك نساء من عوالم شعبية، قرى وحواري، ويبدو العامل الاقتصادي واضحاً في تفاصيل اللوحات، كما في تجربة الفنان عاطف الشافعي، أو نساء لا يمكن رؤيتهن إلا من وراء الفتارين ــ إذا جاز التعبير ــ كما في حالة الفنان وليد جاهين، وصولاً إلى إعادة خلق الأساطير في أعمال الفنان بهاء عامر. تنويعات مختلفة على لحن وحيد، قد تتعاطف مع إحداها، أو تندهش لجرأة الأخرى. لكنها في النهاية تجارب ذكورية توضح مدى السُلطة الحقيقية للمرأة في الحياة والفن، على العكس مما يتوهمه الرجل من سُلطة مُنتحلة سرقها في غفلة من عين أم، أو معشوقة تُسرّ بروحها، أو مُحاربة قديمة تستظل بلحظة وسن.

براءة المطحونين

تحت هذا العنوان تأتي أعمال الفنان عاطف الشافعي في معرضه المقام بقاعة (زياد بكير/دار الأوبرا المصرية)، والتي يمزج فيها ما بين الحِس الواقعي والأسلوب المقترب من التأثيرية، من حيث التراكيب اللونية وضربات الفرشاة، والتكوينات البصرية. ورغم رومانتيكية العنوان، إلا أن اللقطات تحاول جاهدة تجسيد عالم هؤلاء من خلال حياتهم اليومية، البيع والشراء، الأسواق، المنازل. عالمي القرية والتآلف مع حيواناتها ومخلوقاتها، وعالم الأحياء الشعبية، حيث الصخب والحواري الضيقة، والزحام. لوحات قليلة لرجال مسنين، بينما تحتل المرأة معظم اللوحات… ملامح مكدودة، وحركة توضح صعوبة ما تفعله أو تحمله فوق رأسها، أو تسير في بطء وألم. لم يوضح الفنان ملمح خاص لامرأة ما، لكنه خلق عالماً متوافق من تكوينات الاجساد والألوان يوحي بهذا العالم، وكأنهن كتلة واحدة متداخلة التكوين واللون، فلا يوجد لون في صورته النقية، اللهم الأسود، حتى أن مفردات المكان ــ السوق على سبيل المثال ــ كخيام الباعة التي تظللهم من شمس، تبدو وكأنها مخلوقات خرافية تحاول أن تطاول السماء. هذا التناقض ما بين رسوخ الأجساد بأسفل اللوحة، ومحاولة الانطلاق في أعلى اللوحة، يخلق حالة إيحاء ما بين واقع هؤلاء النسوة وخيالهن أو آمالهن البسيطة.

إلى الآخر

ويختار الفنان وليد جاهين هذا العنوان لمعرضه المقام حالياً بقاعة (الباب/دار الأوبرا المصرية) لتبدو حالة البحث عن آخر ــ رجل عن امرأة أو العكس ــ هي محور اللوحات، التي تحتل بها المرأة العدد الأكبر من الأعمال، إضافة إلى المساحة الأكبر في اللوحة، حتى لو احتضها رجل، أو تماهات بجسدها من خلال أجساد الأخريات. تبدو المرأة هي أساس اللوحة والمسيطرة عليها، لتلمحها عين المتلقي عبر لفتة لونية تؤكد سيادتها للكادر، كلون الشفاة الأحمر الصارخ، بين ألوان معظمها ينتمي إلى مجموعة الألوان الباردة. هناك تأثيرات سيريالية تبدو في الأجساد التي تصبح جسداً واحداً لامرأتين، وحِس تكعيبي كما في لوحة تحاكي (آنسات أفينون لبيكاسو). ويهتم الفنان بخلق ملمس اللوحة، ويجعله لا يتجزا من طريقة التلقي، حيث تبدو اللوحات في الكثير منها وكأنها منحوتات حجرية، لها من القوة ما يعوض حالة الوحدة التي توحي بها، رغم اختلاط الأجساد وتداخلها، وتمثلها لحالات عدة… الحب والصداقة على سبيل المثال، لكن هناك حالة مرتقبة من الفقد تسيطر على العمال بالكامل، حتى ابتسامة الفتيات تبدو مُتعلقة بلحظة آتية لا محالة، وأن اللقطة/اللوحة ما هي إلا لحظة مسروقة من الزمن.

عشتار

هذا الاسم هو عنوان معرض الفنان بهاء عامر والمقام بقاعة (غرانت غاليري/وسط المدينة)، ليستمد من أسطورة (عشتار) الآلهة الأم ورمز الحب والخلق لوحاته. واستخدم في ذلك أسلوباً تكعيبياً وحساً سريالياً لخلق العلاقات بين المرأة وما يحيطها من عالم. العلاقات هنا بين تنويعات لجسد المرأة وعالمها، وبين الآخرين. كيفية الإحساس بجسدها، والمساحة التي يشغلها هذا الجسد، فالتشكيلات والتكوينات معظمها ينتمي للجسد، من قلب أو عين أو ساق أو قدم. بينما هي تتفاعل تفاصيلها مع هذه الأعضاء المُنتثرة. الأمر أشبه بهيكل قديم، يحاول الفنان بعثه عبر ألوان نقية في معظمها، قد يكون الجسد كله عبارة عن لون واحد. إضافة إلى بعض الرموز والبيئات التي تبدو خارجة من روح المرأة صاحبة اللوحة، كالصحراء وتشكيل الأحجار، أو النهر ومخلوقاته، أو حتى المرأة في الخيال الشعبي ــ عروسة المولد ــ ولكن في شكل أسطوري أكثر منه مألوفاً للوعي الشعبي. فهي الحاضرة والمتحققة في كل وقت، وهي المسيطرة على جميع الكائنات، وهي المحتفية بتفاصيل جسدها، تستعرضه في تباه، مخلوقة وآلهة في آن.
٭نَص سومري، من مقدمة كتاب
«لغز عشتار» لفراس السوّاح.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *