الاحتفال بمئوية لويس عوض… صراع الأصولية والعلمانية لم يُحسم طوال تاريخ الفكر العربي

القاهرة ــ «القدس العربي»: أقام المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة احتفالية بمناسبة مرور مئة عام على ميلاد الناقد والمفكر لويس عوض1915 ــ 1990)، وذلك خلال أوراق بحثية وحلقات نقاشية تتماس وأفكار عوض ومؤلفاته. هذه الأفكار التي لم تزل محل جدل ونقاش كبيرين، خاصة وان ما كان يراه عوض وينادي به في حياته والمناخ الذي عاشه، يقابله الآن مناخ أكثر رِدة وقسوة من الوقت الذي أنتج فيه أفكاره ونشرها، وربما قضية كتابه «مقدمة في فقه اللغة العربية» ومصادرته، تقترب من قضية لم تزل تلاحق طه حسين حتى يومنا هذا، حينما نشر مؤلفه «في الشعر الجاهلي». الأمر الآخر هو الصراع الدائم بين عوض ومَن على شاكلته وبين أصحاب الفكر الرديكالي، الذين يستندون إلى تجهيل شعوبهم، خاصة في ما يتعلق بالمقدس والسياسي وأثره على الواقع الاجتماعي وحياة الناس. أفكار عوض ستظل في حالة صراع، ربما يطرأ عليها بعض التغييرات والأساليب، إلا أن طبيعتها لن تتغير لوقت طــويل ــ لسوء الحظ ــ فالقضايا لم تزل هي، وربما دخلت في نفق أكثر إظلاماً عما كانت.

الاحتفال بمئوية لويس عوض… صراع الأصولية والعلمانية لم يُحسم طوال تاريخ الفكر العربي

[wpcc-script type=”4dc70c25bb6f388848497498-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: أقام المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة احتفالية بمناسبة مرور مئة عام على ميلاد الناقد والمفكر لويس عوض1915 ــ 1990)، وذلك خلال أوراق بحثية وحلقات نقاشية تتماس وأفكار عوض ومؤلفاته. هذه الأفكار التي لم تزل محل جدل ونقاش كبيرين، خاصة وان ما كان يراه عوض وينادي به في حياته والمناخ الذي عاشه، يقابله الآن مناخ أكثر رِدة وقسوة من الوقت الذي أنتج فيه أفكاره ونشرها، وربما قضية كتابه «مقدمة في فقه اللغة العربية» ومصادرته، تقترب من قضية لم تزل تلاحق طه حسين حتى يومنا هذا، حينما نشر مؤلفه «في الشعر الجاهلي». الأمر الآخر هو الصراع الدائم بين عوض ومَن على شاكلته وبين أصحاب الفكر الرديكالي، الذين يستندون إلى تجهيل شعوبهم، خاصة في ما يتعلق بالمقدس والسياسي وأثره على الواقع الاجتماعي وحياة الناس. أفكار عوض ستظل في حالة صراع، ربما يطرأ عليها بعض التغييرات والأساليب، إلا أن طبيعتها لن تتغير لوقت طــويل ــ لسوء الحظ ــ فالقضايا لم تزل هي، وربما دخلت في نفق أكثر إظلاماً عما كانت.
ورغم تعدد الأوراق البحثية وعناوينها اللافتة، مثل «المقدس في فكر لويس عوض» لأماني فؤاد، «النقد الثقافي عند لويس عوض» لعبد الرحمن حجازي، «الهزيمة والتاريخ» لشريف يونس، «الحساسية الجديدة والحداثة عند لويس عوض» لإبراهيم فتحي، وبحث خليل كلفت المعنون بتاريخ وتحليل الثورات الشعبية في مصر عند لويس عوض… سوف نحاول هنا التعرّض للحلقة البحثية التي جاءت بعنوان «إشكالية الأصولية والعلمانية» لما لها أبلغ الأثر والتأثير في اللحظة الراهنة.

الصراع المزمن

استهل د.مراد وهبة أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس، والذي ترأس الحلقة النقاشية حديثه بالتنويه إلى تغيير العنوان، واستبدال كلمة «الإشكالية» بكلمة «الصراع»، وأوضح أن مفردة «إشكالية» تنطبق على قضية واحدة، تحتوي الشيء ونقيضه، وقد تكون كاذبة أو صادقة، لذلك فإن كلمة «الصراع» هي المفردة الأنسب، فيصبح اسمها «الصراع بين الأصولية والعلمانية». وقدّم وهبة ورقة بحثية تحت هذا العنوان، قارن فيها بين محمود شاكر ممثلاً عن التوجه والفكر الأصولي، وبين عوض ممثلاً للتوجه والفكر العلماني. وأشار إلى اعتراض شاكر على طه حسين ومنهاجه البحثي، خاصة حين طرح بحثه المعنون بـ «الشعر الجاهلي في الإسلام»، وبلغ رفضه إلى حد ترك الجامعة تماماً، والسفر إلى المملكة العربية السعودية، دون أن يستكمل تعليمه الجامعي، وعلى الرغم من أنه طوال حياته لم يحصل على أي شهادة جامعية، إلا أن له تأثيراً بالغاً في الفكر الإسلامي الأصولي، وخاصة في كتابه «أباطيل وأسمار»، الذي تعرض فيه للفكر العلماني، مهاجماً لويس عوض صراحةً، واصفاً إياه بـ «الشرلتان»، وهي مفردة أصلها لاتيني بمعنى «الدَجَّال»، كما صك مصطلح «التفريغ الثقافي» في كتابه «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا»، وفي ذهنه منهاج عوض كما هو واضح تماماً، متهماً المبعوثين إلى الدول الأوروبية بترديد ما سمعوه في هذه الدول كالببغاوات، سواء بعلمهم أو دون علمهم من الهدف الأساسي لهذا «التفريغ الثقافي» وهو القضاء على الحضارة والثقافة العربية الإسلامية وتدمير ماضيها كله، واتخذ شاكر من رفاعة الطهطاوي مثالاً بارزاً عما يعنيه بهذا المصطلح.

أزمة قداسة اللغة العربية

أشار د.ممدوح شلبي في كلمته إلى أن عوض تناول المُطلق ورَدّه إلى نِسبيّتِهِ في كتابه «مقدمة في فقه اللغة العربية»، الذي تمت مصادرته فور نشره، على الرغم من أن القضية التي يطرحها عوض بديهية تماماً، إلا أن الطريقة التي طرحها بها أثارت أزمة كبيرة، أدت إلى مصادرة الكتاب ومنعه، وكان الهدف من الكتاب التأكيد على أن اللغة العربية شأنها شأن باقي اللغات الأخرى، تَلِد وتولَد، تؤثِّر وتَتأثَّر، ككائن حي ينطبق عليه كل ما يسري على علم اللغات، مما يؤدي إلى هدم النظرة المقدسة إلى اللغة العربية، تلك النظرة التي يؤكد عوض أنها نتاج الظروف السياسية التي سادت تلك الفترة التاريخية، مؤكداً أيضاً أن علم الكلام هو العلم المرادف لعلم اللاهوت، كما ذكر أن القرآن فيه الكثير من الألفاظ غير العربية، وليس كما يدعي أصحاب المذهب السلفي ــ كأحد المذاهب الأصولية الإسلامية ــ بأن للغة سبعة ألسنة، وتوحدت في القرآن الكريم بلسان قريش. وأضاف شلبي أن العرب في تلك الفترة كانوا يمثلون ما يمكن تسميته بـ «الأرستقراطية العسكرية»، فكانت اللغة هي الركيزة الأساسية التي اتخذوها للتميز عن باقي الأعراق، خاصة مع التوسع في عمليات الفتح، فتولدت مفردات تفرق بين الناس، مثل العرب، المستعربة، العجم. ومن المعروف أنهم قصروا فهم القرآن عليهم فقط، ناكرين هذا الحق على من أطلقوا عليهم العجم، وهم أهل البلاد المفتوحة، وبالتالي حرمانهم من تقلد أي منصب هام في الدولة، واقتصار المناصب على فئة الأرستقراطية العسكرية. وبمرور الوقت لم تعد هذه الحجة مقنعة لأهل البلاد المفتوحة، وبدأت طلباتهم بتولي المناصب تتزايد بشكل كبير، إلى درجة تكوين حركات شعبوية تناضل من أجل المساواة في تولي المناصب، تلك الحركات التي إدعت الفئة الحاكمة أنها «ضد الإسلام».

الهوية وفصل الدين عن الدولة

يلفت المؤرخ والمترجم بشير السباعي بداية إلى التأكيد على أن مصطلحي «الأصولية» و»العلمانية» لم يخرجا في حالة تامة من معمل التاريخ، فالتاريخ يعني الصيرورة التي تقود تغير تيار إلى تيار آخر، قد يبلغ الاختلاف بينهما حداً كبيراً. أما بشأن إشكالية الهويَّة، وهل هي حقيقية أم مُفتعلة، فلقد سبق وناقشها عوض في الكثير من أعماله، كما أننا حين نتأمل مسألة «الديموقراطية السياسية» أو «العلمنة السياسية»، نجد أن صلب الفكرة قائم على إعلان الدولة ــ من خلال دستورها ــ أن الدين ما هو إلا شأن خاص بالفرد/المواطن، ليس للدولة دخل به، سواء في سياستها أو نظام تعليمها العام، وكذلك التفكير والتعامل بما هو نسبي مع الأمور النسبية، والتعامل بما هو مُطلَق مع الأمور المُطلَقَة، كما أنه من حق الجميع أن يتساءل عن كيفية تعامل الغرب مع هذه الإشكالية وتناولها، ونتج عن ذلك العديد من الحركات العظيمة، التي تدرجت ما بين الإصلاحية حتى الثورية، إلا أن واقع الأمر يشي باستحالة تحقيق الديموقراطية العلمانية في ظل النظام الرأسمالي السائد والمسيطر على العالم كله، ومن ينتظر غير ذلك إنما يعيش في وهم كبير يسيطر على تفكيره تماماً. واستكمل السباعي طرحه مؤكداً أن إشكالية الهويّة يتم إستخدامها من أجل الوصول إلى السلطة، والاستمرار بها، دون أي تعرض حقيقي للأمر، فإشكالية الهويّة ما هي إلا نتاج صدام للحضارات، فالتداخلات الثقافية بين الأمم موجودة وواسعة على مدار التاريخ، وأشار إلى أن فكرة «فصل الدين عن السياسة» ما هي إلا وهم كبير، فمن المستحيل تماماً الدخول إلى العقول والسيطرة على أفكارها ومبادئها ومرجعيتها، فنفصل المرجعية الدينية عن تفكير أصحابها، والأصح أن يكون الأمر عبارة عن «فصل الدين عن الدولة»، وهذا هو الأكثر واقعية وقابلية للتنفيذ. واختتم السباعي حديثه مشيراً إلى تاريخية الإشكاليات التي تعامل معها عوض، كما لو كانت واردة في «معجم ميت»، ولم يتم التعامل معها سابقاً أو لاحقاً، وليس من المفترض أن نبالغ كثيراً في أطروحات عوض، ولا نذهب إلى حد وصفه بـ «محطم الأيقونات» كما فعل البعض، فنحمله ما لا طاقة له به، ويتوجب التعامل معه على أساس كونه مثقفاً مصرياً، كتب في النقد الأدبي، وكتب الرواية والمسرح، كما أنه ترجم العديد من أهم الأعمال في التاريخ الإنساني، وليس على أساس كونه فيلسوفاً يتوجب عليه التصدي لمثل هذه القضايا.

الصراع على رؤية العالم

استهل د.محمد بدوي حديثه بأنه يرى الورقة البحثية التي قدّمها د.وهبة تضع نفسها في نطاق التفلسف، وتعزل نفسها بنفسها نسبياً، فالتفلسف في التاريخ العربي محدود للغاية، له مهام محدودة ومحددة، اقتصرت على تدعيم كل ما هو مقدس، دون أن تنزل فعلياً إلى الشارع، وتحتك احتكاكاً مباشراً بالناس. وما الصراع إلاعلى الرؤى للعالم، وليس صراعاً للفلسفات المختلفة المتعددة، ومن هذه الرؤى ما نسميه بـ «التوجه العلماني»، الذي يبدأ من عند الطهطاوي حتى أصغر شاعر يكتب قصيدة النثر في مصر الآن، مروراً بـ «متظاهر ميدان التحرير»، الذي يرفع لافتة تعبر عنه وعن رؤيته. ثم أضاف أن عوض يقف في المنتصف بين ما هو تاريخي وما ليس تاريخيا، فهو ليبرالي وفي لما تعلمه على يد أستاذه طه حسين، ولكل ما تلقاه من علم على وجه العموم، على أمل أن العالم سيتحد في يوم من الأيام، وأن الاختلافات والخلافات بين الحضارات ستزول يومئذ. وأشار بدوي إلى أن مُعظَم نتاج الحضارة العربية الإسلامية خرج من تحت يد «غير العرب»، وهم أهل البلاد التي فتحها المسلمون. وهكذا نرى أن محمود شاكر يقف متشبثاً بعصر من العصور، بينما التاريخ يمضي دون اكتراث، وبكل ما يحدث فيه من تغييرات وتحولات، فيلجأ شاكر إلى أن يجعل الصراع صراعاً دينياً، وهذا ما يخلق حالة من الاستقطاب الحاد في المجتمع. ونرى أن كلاً من شاكر وعوض كان في موقف «المحارب المُتَخَندِق»، وبالتالي ليس مُنتِجاً للأفكار الثقافية، حيث توقف الزمن بالأول عند لحظة معينة لا يتجاوزها، والثاني يرى أن ثمة إثماً قد تم إرتكابه بالتاريخ البشري، ولا يستطيع تجاوز هذا الأمر، أو اتخاذ هذه الفكرة منطلقاً لتوليد أفكار ثقافية خلاقة كما هو مفترض.
وبينما يرى شاكر الآخرين مجرد «عجم»، فإن عوض يرى الآخرين بدوره مجرد «برابرة»، وأضاف أنه لا يمكن النظر إلى عوض كـ «مفكر»، حيث يغيب عن أعماله «تجانس المفكر»، وأن هذا يحمله مسؤولية لا يجب عليه أن يتحملها أمام التاريخ والمجتمع، فيراه فناناً مزعجاً حين يكتب رواية مثل «العنقاء»، أو حين يكتب «حطموا عامود الشعر». واختتم بدوي حديثه بالتأكيد على أن رفضه لبعض النقاط الواردة لا يعني رفضه للطرح العام، فسيبقى عوض قامة كبيرة، لم تأخذ حقها من البحث والدراسة بعد.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *