معرض «ختوم» لنرمين سعيد: حكايات ترويها شخصيات عبد الهادي الجزار

القاهرة ـ «القدس العربي»: يعتبر الفنان عبد الهادي الجزار 1925 ــ مارس/آذار 1966، من أعلام الفن التشكيلي المصري الحديث، لتجربته الفنية المختلفة عن معظم فناني التشكيل المعاصر في مصر.

معرض «ختوم» لنرمين سعيد: حكايات ترويها شخصيات عبد الهادي الجزار

[wpcc-script type=”137f6729da7df7eff3255ba7-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: يعتبر الفنان عبد الهادي الجزار 1925 ــ مارس/آذار 1966، من أعلام الفن التشكيلي المصري الحديث، لتجربته الفنية المختلفة عن معظم فناني التشكيل المعاصر في مصر.
امتزج عالم الجزار بالحياة الشعبية المصرية، خاصة في ثلاثينات وأربعينات القرن الفائت، وكان للرمز دلالة كبيرة في هذا العالم، عالم الفقراء والمتسولين والمجاذيب، ومن خلاله شخصياته التي تعبّر عن لاوعي جمعي للشعب المصري، اتسمت أعمال الجزار بمسحة سوريالية شعبية، أقرب إلى لاوعي كارل يونج، منه إلى فرويد، وبالتالي كان مختلفاً تماماً عن سوريالية مصرية أخرى كان يمثلها التيار المؤمن بفرويد. لذلك كانت أعمال الجزار أكثر قرباً من مجتمع يستمد شخوصه منه، ويُسقط عليه تفسيراته وحسه الفني.
هذه المقدمة المختصرة ربما توضح ما قامت به الفنانة نرمين سعيد في معرضها الذي أقيم مؤخراً بفندق (فينواز) بالقاهرة، وقد استمدت المادة الخام لأعمالها من شخصيات وعوالم (عبد الهادي الجزار) لتعيد تشكيل هذا العالم وفق رؤيتها، ومن خلال تقنيات الملابس والتصوير الفوتوغرافي، في ما يُشبه الحكي السردي لهذه الشخصيات، من خلال الملابس والإكسسوارات، التكوين والضوء وتشكيل الفراغ، وكأنه عرض يقترب من المسرح.

القضايا الاجتماعية المزمنة

من أربعينيات القرن الفائت وخمسينياته ــ وقت أعمال الجزار ــ وحتى الآن ــ وقت معرض ختوم ــ تبدو المشكلات الاجتماعية كما هي، خاصة وضعية المرأة في المجتمع المصري، وإن كان الأمر الآن أسوأ.
حاولت نرمين سعيد التوسل بشخصيات الجزار لتعيد صياغتها في حكاية كاشفة عن هذه الوضع، باستخراج هذه الشخصيات من زمنها واستحضارها الآن، من دون أن يتغير شيء، المرأة التي تعمل رغماً عنها، المُجبرة على الزواج، والقيود التي تلفها تماماً، رغم المظهر الخادع للتحرر، إلا أن الوعي الاجتماعي لم يزل ينظر إليها كونها مجرد شيء. هكذا ترى سعيد الأمر، وحاولت عبر تقنيات الملابس والتجسيد/العرائس، أن تعيد ترتيب المشهد، مسترشدة بلوحات (الجزار) مثل… فرح زليجة والجوع، والمجنون الأخضر، أحد أهم وأشهر لوحات الجزار، التي تمثل الاتكال والعيش في الأوهام ومُجاورة أضرحة الأولياء طلباً للمدد والعون، من دون محاولة الفعل، فقط حالة انتظار لا ولن تنتهي. عالم لم يزل يعيش الخرافات ويؤمن بها، حالة دوار اللاوعي، لا يوجد منطق ولا حيلة لمستقبل. لا نستطيع الفرار من المقابلة الدائمة بين عالم الجزار، وما انتوته نرمين سعيد، رغم تقنياتها المختلفة، فالأمر لم يتغير، وما يحدث على السطح مزيف تماماً.

تقنيات ما بعد الحداثة

أبرز ما يمكن اللعب عليه الآن في عصر ما بعد حداثي ــ ما بعد الحداثة تخص الغرب، وهو مُنتج فكري مستورد خاصة على المستوى الثقافي، نحن لم نقترب من الحداثة بعد ــ هو قضايا الشرق التي يريد الآخر رؤيتها، وضعية اجتماعية مأزومة، صورة تقليدية عن امرأة مازالت تتوارى خلف شيء يخفي وجهها، هذا الخفاء هو سر الوله الغربي بالشرق، دون إدراك أننا أصبحنا أكثر تقليداً للغرب من أي وقت مضى، ولو ظاهرياً فقط.
استخدمت نرمين سعيد تقنيات ما بعد حداثية، من تصميم ملابس وإضاءة وصور فوتوغرافية، كمحاولة لتأكيد فكرتها عن تخلف المجتمع الذي لم يتحرر بعد، سواء من نظرته الاتكالية على الأولياء، أو النظرة الدونية للمرأة. وقد فرضت سعيد طريقة العرض على المُشاهد، بأن يبدأ في السير عبر ممرات المعرض ليُطالع المجسمات حسب ترتيبها هي، وصولاً إلى اللقطات الفوتوغرافية، وهو ما يشبه العرض المسرحي، أو السرد البصري في لوحات متتابعة، توحدها الحالة الفنية، وبالتالي تعطي تأثيراً على المُشاهد، وقد نجحت في ذلك إلى حدٍ كبير.

لوحات الجزار كخط درامي

وبالحوار مع صاحبة المعرض الفنانة نرمين سعيد، حاولت أن توضح فكرة المعرض، وما تريد إيصاله عبر أعمالها، ولماذا استلهمت أعمال عبد الهادي الجزار بوجه خاص؟ فتقول… إنه شكل من أشكال الإلهام، كخط درامي أسير علي نهجه، استخرجت من لوحات الجزار شخصيات وتعاملت معها بمفهومي ورؤيتي الخاصة، وليس كما رآها الجزار، فرسومات الجزار بها رسائل رمزية شديدة، أخذت الألوان مثلاً كصورة رمزية وأضفت إليها ما شعرت به.
فالأعمال بها روح الجزار دون الأسلوب بالطبع. ففي لوحة «المجنون الأخضر» الذي يستسلم لهمومه، رأيتها أنا حالة مجتمع ككل، يعاني من الاستسلام والتواكل، وعدم القدرة على مواجهة الحياة. وفي لوحة «ذات الخلخال» وفكرة تقييد الرجل للمرأة، حوّرت فكرة الخلخال الذي أصبح أكثر من ذلك، إلى طوق وقيد كُلي للمرأة. ولوحة «الجوع» مثلاً، التي سُجن الجزار بسببها وقد أهداها للملك، أخذت منها شخصية المرأة فقط، ورأيتها وقد اضطرت النزول للعمل من دون أن تشكو.
أما التصوير ـ اللقطات الفوتوغرافية ـ لتأكيد معنى أريده، أريد أن اُلبس الملابس لبني آدم من دم ولحم، لإيصال المعنى بشكل أقوى، وقد استوحيت الكادر من خلال تصوري الخاص، وهو عمل مشترك بيني وبين أمل اسحاق وسامح واصف. من ناحية أخرى استعنت برسالة دكتوراه بعنوان «الرموز الشعبية ودلالتها الرمزية عند الجزار» لعديلة محمود عصمت، التي تشرّح عالم الجزار من خلال لوحاته ورموزه الشعبية.
وعن اسم المعرض (ختوم) فإنه صيغة من صيغ المبالغة من كلمة ختم، وهو ما يوحي بعوالم من تابوهات وأسرار جديرة بالتفكير والتأمل.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *