طاقة أدبية استثنائية… ومشوار حافل بالأكاديميا والسياسة: رضوى عاشور… رحلة الرهانات على الأمل

القاهرة ــ «القدس العربي» محمد عبد الرحيم: رحلت صباح الاثنين، الكاتبة الكبيرة رضوى عاشور (1946 – 2014)، عن عمر يناهز 68 عاماً، بعد مشوار حافل، أكاديمياً وسياسياً، فكان التنظير والتطبيق لأفكار طالما آمنت بها هو سبيلها الوحيد. وقد دفعت ثمن ما قامت به في مواجهة السلطة الحاكمة، التي رأت في أفكارها الكثير من التجاوز، لكنها استمرت ودافعت عنها بكل طاقتها الأدبية والأهم على أرض الواقع. كان البحث الدائم لها هو محاولة بث الأمل في ماض انقضى، وربما ثلاثية غرناطة خير مثال على مجد عربي ــ ربما نختلف حوله ــ وقد نرى في بعض أعمالها نبرة خطابية عالية، إلا ان الصدق كان يشفع للحلم مقارنة بالواقع. وهنا شهادة بعض الأدباء المصريين عن الراحلة...

طاقة أدبية استثنائية… ومشوار حافل بالأكاديميا والسياسة: رضوى عاشور… رحلة الرهانات على الأمل

[wpcc-script type=”7944eae9c17a25b415bad948-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي» : رحلت صباح الاثنين، الكاتبة الكبيرة رضوى عاشور (1946 – 2014)، عن عمر يناهز 68 عاماً، بعد مشوار حافل، أكاديمياً وسياسياً، فكان التنظير والتطبيق لأفكار طالما آمنت بها هو سبيلها الوحيد. وقد دفعت ثمن ما قامت به في مواجهة السلطة الحاكمة، التي رأت في أفكارها الكثير من التجاوز، لكنها استمرت ودافعت عنها بكل طاقتها الأدبية والأهم على أرض الواقع. كان البحث الدائم لها هو محاولة بث الأمل في ماض انقضى، وربما ثلاثية غرناطة خير مثال على مجد عربي ــ ربما نختلف حوله ــ وقد نرى في بعض أعمالها نبرة خطابية عالية، إلا ان الصدق كان يشفع للحلم مقارنة بالواقع. وهنا شهادة بعض الأدباء المصريين عن الراحلة…

الفكر والإبداع معاً

يقول الشاعر أمجد ريان… سيظل عقل رضوى عاشور يعيش بيننا، يثري حياتنا، فقد كانت رمزاً ثقافياً، كل مواقفها كانت مشرفة، وكانت مرتبطة بوطنها المصري، وبكل قضية إنسانية خارج وطنها، ويتضح هذا جليًا في كتاباتها النقدية المختلفة، وفي ارتباطها بالشاعر الفلسطيني المناضل مريد البرغوثي، وفي تنظيرها للرواية في فلسطين، وفي غرب أفريقيا.
على المستوى الشخصي دعمتني رضوى عاشور في توقيت كنت فيه في أشد الحاجة للدعم، حين جئت إلى القاهرة قادماً من قنا، فقد شجعتني، وقرأت نصوصي بدقة وباهتمام بالغ .. وقدمت لي نصائح غالية أثرت على كتابتي حتى اليوم. وعلى مستوى الإبداع كانت كتابتها مجددة بدون أن يُخِل ذلك بمواقفها الفكرية.. بل دعم تجديدها تلك المواقف.
أما في «ثلاثية غرناطة» التي تكفيها عطاء أدبياً، فقد قدمت رواية تاريخية على نمط الروايات التاريخية الكبيرة في العالم كله، والروايات التاريخية العربية التي بدأت من كتابات جورجي زيدان، مروراً بعلي أحمد باكثير، ثم ما كتبه نجيب محفوظ بعد ذلك. لقد تابعت رضوى سقوط مملكة غرناطة، وضياع الأندلس، وإعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد الصغير، آخر ملوك غرناطة عن المملكة مهزوماً أمام جيوش ملكي قشتالة وأراجون، ولا تخفي بالطبع المعاني الإسقاطية التي تعبر عن أزماتنا العربية في العصور الحديثة. رضوى عاشور نموذج للمثقفة العربية ينبغي أن يحتذى من قبل كل كاتب وكاتبة.

قيمة التحرر الوطني والإنساني

ويذكر الكاتب والروائي براء الخطيب أن رضوى عاشور الكاتبة لها عدة وجوه، وكل هذه الوجوه تعكس قيمة حقيقية في الثقافة والأدب، تؤكد على قيمة التحرر الفكري والثقافي، كتبت رضوى القصة القصيرة، فكانت المجموعة القصصية البديعة «رأيت النخل»، والرواية ولها ما يزيد عن عشر روايات منذ روايتها «حجر دافـــئ» وحتى روايتها «الطنطورية» ولن أستــطــيع أن أحدثك عن القيمة النقدية لـــهـــذه الكـــتابات المبدعة، غير أني أستـــطيع القول إنها كلها كانت تؤكد على قيمة التحرر الوطني والإنساني.
أما عن رضوى عاشور الأكاديمية والأستاذة الجامعية فتظهر هذه القيمة في تلاميذها وتلميذاتها الذين يملأون الحياة الثقافية، أما عن رضوى عاشور الناقدة الكبيرة، فمنذ أن كتبت «بحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو/أمريكية» فقد ظهرت إلى الوجود الثقافي تقريبا سنة 1975 ناقدة تشق الطريق باتجاه طريق حقيقي للنقد الأدبي، وكانت هذه الدراسة على ما أذكر هي رسالتها للدكتوراه من جامعة كبرى في أمريكا، وبالنسبة لي شخصيا أعتز اعتزازا كبيرا بكتابتها عن روايتي الأولى «إنهم يأتون من الخلف» التي صدرت لي سنة 78 عن دار ابن رشد في بيروت، كنت أعيش أيامها في بيروت، حيث كنت ملتحقا بمنظمة التحرير الفلسطينية في الإعلام الموحد، في هذه الأيام كتبت عن روايتي أيضا صديقتها الناقدة الكبيرة فريدة النقاش، ونشرت الدراسات في عدد خاص عن الرواية أصدرته مجلة «الآداب» البيروتية بإشراف الدكتور سهيل إدريس. الكلام عن رضوى عاشور الروائية والناقدة يحتاج إلى مجلدات، أما عن رضوى عاشور المفكرة المناضلة من أجل التحرر الفكري والثقافي والإنساني، فدعني أقول لك ما قاله عنها محمد هاشم الناشر: رضوى عاشور هو الاسم الأول على اليمين دائماً في أي موقف معلن من المثقفين المصريين يدافع عن حرية الفكر والاعتقاد والرأي والتعبير الأدبي والعلمي، كان العم والأستاذ إبراهيم منصور حين يكتب ويصل لصياغة نهائية لبيان ما، يصر بعد كل الصياغات أن يقرأه أحد الموجودين، تليفونيا على الدكتورة رضوى.
أثناء إضراب المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي الذي قاده مع أساتذة وأصدقاء وأبناء وزملاء، وفي الكثير من محطات اشتغاله كضمير للثقافة المـــصـــرية، عزاؤنا لشاعرنا الكبير مريد البرغوثي، وللشاعر تميم البرغوثي، ولكل أحبابها من زميلات وزملاء وتلاميذ وقراء رضوى عاشور.. وداعا.

تجربة حتمية للأجيال الجديدة

ويرى الكاتب والروائي ناصر عراق، أنه برحيل الروائية والناقدة رضوى عاشور، تفقد الحركة الإبداعية والنقدية العربية إحدى زهراتها اليانعات. رضوى عاشور كانت وردة في بستان النساء المبدعات المصريات والعربيات، في كافة المجالات، كلطيفة الزيات وإنجي أفلاطون. ويتبدى ذلك في «ثلاثية غرناطة»، التي فتحت أعيننا ووعينا على دنيا جديدة لنا كمصريين وعرب. من ناحية أخرى فهي درست ودرّست الأدب والنقد، وبالتالي جاءت روايتها مُحكمة البناء، وتتسم بخيال واسع وجرأة شديدة على الطرح، إضافة إلى قدرتها على السيطرة على اللغة العربية، واكتشاف طاقتها القصوى. ولي معها موقف خاص لن أنساه، حينما كانت عضو لجنة تحكيم جائزة أحمد بهاء الدين في دورتها الأولى عام 2000، والتي حصلت فيها على المركز الأول عن كتاب «تاريخ الرسم الصحافي في مصر»، وتشرفت بأن قامت رضوى عاشور بإلقاء تقرير اللجنة، في حضور محمد حسنين هيكل.
لن أقول إنها رحلت، لكن أعمالها دوماً ستظل محفزا للمبدعات المصريات والعربيات، خاصة الأجيال الجديدة، بعدما اكتملت تجربة الكاتبة الكبيرة، التي كانت تكتب بجناحي العدل والحرية، فليرحمها الله.

رضوى عاشور السيرة والمسيرة
ولدت الكاتبة الراحلة في 26 ايار/مايو 1946 في القاهرة، ودرست الأدب الإنكليزي وحصلت على الماجستير في الأدب المقارن من جامعة القاهرة عام 1972 ونالت الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس في الولايات المتحدة عام 1975 وعملت بالتدريس في كلية الآداب بجامعة عين شمس، كما عملت أستاذا زائرا في جامعات عربية وأوروبية.

في الأدب:
الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا، دار الآداب، بيروت، 1983
حجر دافئ/رواية/ دار المستقبل، القاهرة، 1985
خديجة وسوسن/رواية/دار الهلال، القاهرة، 1987
رأيت النخل/مجموعة قصصية/مختارات فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987
سراج/رواية/دار الهلال، القاهرة، 1992
ثلاثية غرناطة/ دار الهلال، 1995
أطياف/رواية/دار الهلال، القاهرة، 1999
تقارير السيدة راء/نصوص قصصية/دار الشروق، القاهرة، 2001
قطعة من أوروبا/رواية/ المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، دار الشروق، القاهرة، 2003
الطنطورية/رواية/دار الشروق، القاهرة، 2010
في النقد:
البحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو-أمريكية (بالإنكليزية:The Search for a Black Poetics: A Study of Afro-American Critical Writings)، رسالة دكتوراه قدمت لجامعة ماساشوستس بأمهرست في الولايات المتحدة، 1975
الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفانى، دار الآداب، بيروت، 1977
جبران وبليك Gibran and Blake (باللغة الإنجليزية)، الشعبة القومية لليونسكو، القاهرة، 1978
التابع ينهض: الرواية في غرب إفريقيا، دار ابن رشد، بيروت، 1980
في النقد التطبيقي: صيادو الذاكرة، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، 2001
تحرير بالاشتراك مع آخرين، ذاكرة للمستقبل: موسوعة الكاتبة العربية، (4 أجزاء)، مؤسسة نور للدراسات وأبحاث المرأة العربية والمجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004.
الحداثة الممكنة: الشدياق والساق على الساق: الرواية الأولى في الأدب العربي الحديث، دار الشروق، القاهرة، 2009.

الجوائز
ــ جائزة أفضل كتاب لعام 1994 عن الجزء الأول من ثلاثية غرناطة، على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب.
ــ الجائزة الأولى من المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عن ثلاثية غرناطة 1995
ــ جائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان. 2007
ــ جائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي في إيطاليا. 2009
ــ جائزة بسكارا بروزو عن الترجمة الإيطالية لرواية أطياف في إيطاليا. 2011
ــ جائزة سلطان العويس للرواية والقصة 2012

وترجمت أعمال الكاتبة الكبيرة، إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والإيطالية والإسبانية.

الأكاديميا والنشاط المدني:
عضو لجنة الدفاع عن الثقافة القومية
عضو اللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية في الجامعات المصرية.
عضو مجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات.
عضو لجنة جائزة الدولة التشجيعية
عضو لجنة التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة
عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة
وشاركت رضوى عاشور في العديد من المؤتمرات وساهمت في لقاءات أكاديمية عبر العالم العربي (بيروت وصيدا ودمشق وعمان والدوحة والبحرين وتونس والقيروان والدار البيضاء)، وخارجه (في جامعات غرناطة وبرشلونة وسرقسطة في إسبانيا، وهارفرد وكولومبيا في الولايات المتحدة، وكمبريدج وإسكس في إنكلترا، ومعهد العالم العربي في باريس، والمكتبة المركزية في لاهاي، ومعرض فرانكفورت الدولي للكتاب وغيرها).

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *