عرضت ضمن برنامج «سيماتك» في مصر: فيلما «إسأل ظلك» و«بابل»: الربيع العربي وتداعياته من وجهة نظر وثائقية سينمائية

القاهرة ــ «القدس العربي» محمد عبد الرحيم: نستعرض هنا عملين وثائقيين عُرضا خلال برنامج عروض مركز الفيلم البديل (سيماتِك) الذي يأتي في إطار الورشة الثانية للنقد السينمائي، الذي أعده الناقد التونسي الطاهر الشيخاوي. وتناول الفيلمان تداعيات أحداث الربيع العربي، ربما من زاوية مختلفة تماماً من الأحداث التي تابعتها لحظياً وسائل الإعلام والفضائيات. الفيلم الأول من الجزائر بعنوان «اسأل ظلك» للمخرج لمين عمار خوجه إنتاج 2012، وحاز جائزة الفيلم الأول من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمرسيليا في العام نفسه، كما شارك في العديد من المهرجانات الدولية. ويستعرض ويُقارن تداعيات الربيع العربي، خاصة في تونس ومصر وبين الوضع المزمن في بلده الجزائر. أما الفيلم الآخر فيوثق لتجرية أو حالة لافتة بعد قيام الثورة الليبية، وفرار الكثير من الجنسيات والبقاء لفترة على الحدود الليبية التونسية. الفيلم جاء بعنوان «بابل» ليصور حياة هؤلاء، وهو إنتاج تونسي عام 2012، ومن إخراج ثلاثة مخرجين هم يوسف الشابي، إسماعيل، علاء الدين سليم.

عرضت ضمن برنامج «سيماتك» في مصر: فيلما «إسأل ظلك» و«بابل»: الربيع العربي وتداعياته من وجهة نظر وثائقية سينمائية

[wpcc-script type=”a365f11b141e094fa266b3ad-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي» : نستعرض هنا عملين وثائقيين عُرضا خلال برنامج عروض مركز الفيلم البديل (سيماتِك) الذي يأتي في إطار الورشة الثانية للنقد السينمائي، الذي أعده الناقد التونسي الطاهر الشيخاوي. وتناول الفيلمان تداعيات أحداث الربيع العربي، ربما من زاوية مختلفة تماماً من الأحداث التي تابعتها لحظياً وسائل الإعلام والفضائيات. الفيلم الأول من الجزائر بعنوان «اسأل ظلك» للمخرج لمين عمار خوجه إنتاج 2012، وحاز جائزة الفيلم الأول من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمرسيليا في العام نفسه، كما شارك في العديد من المهرجانات الدولية. ويستعرض ويُقارن تداعيات الربيع العربي، خاصة في تونس ومصر وبين الوضع المزمن في بلده الجزائر. أما الفيلم الآخر فيوثق لتجرية أو حالة لافتة بعد قيام الثورة الليبية، وفرار الكثير من الجنسيات والبقاء لفترة على الحدود الليبية التونسية. الفيلم جاء بعنوان «بابل» ليصور حياة هؤلاء، وهو إنتاج تونسي عام 2012، ومن إخراج ثلاثة مخرجين هم يوسف الشابي، إسماعيل، علاء الدين سليم.

لا أمل في رحيل الديناصور

يحاول المخرج وكاتب سيناريو الفيلم عمار خوجه أن يخلط التوثيقي بالذاتي، حيث يسرد تجربته بعودته من فرنسا إلى بلده الجزائر ليُتابع ما يحدث بعد الزلزال السياسي والاجتماعي في كل من تونس ومصر. إلا أن الذاتي هنا يصبح ثقلاً مُقحماً على الأحداث، فالمخرج يريد التوثيق لحالة الهياج الشعبي التي اجتاحت الجزائر، كمحاولة للتخلص ونسف السلطة ثقيلة الظِل التي يمثلها بوتفليقه ورجاله. كان من الممكن ألا يظهر المخرج في الأحداث، وتحل الكاميرا مكانه، خاصة أنه اتخذ حيزاً كبيراً من مساحة السرد الفيلمي. إلا أنه نجح في سرد التناقض البادي بين الرأي الشعبي لكبار السن من الرجال والنساء، الذين يستغلهم الإعلام الرسمي لترويج أفكاره السقيمة ــ الحال نفسه في كل الدول العربية ــ ووصف الشباب الثوري بعدم المسؤولية، والعمل على هدم وانهيار الدولة، ومن هنا ذهب المخرج ليسأل الشباب الذي يُعاني البطالة، ويحلم بالهجرة لدولة كان يُناضل للخلاص منها سابقاً، وأصبح نضاله الآن يتجسد في الحلم بها ليل نهار، وكيفية الوصول إليها! ويبدو التناقض الذي يصل إلى حد السخرية من الثوار أنفسهم، الذين لم يفعلوا سوى التنديد بالنظام ورجاله، بدون المواجهة الفعلية، كما حدث في حالتي تونس ومصر، فبينما يهرب بن علي ويتخلى مبارك رغماً عنه عن حُكم استمر أكثر من ثلاثين عاما، يعود بوتفليقه مرّة أخرى، وبما أقوى مما كان، وهنا يسخر المخرج من الوضع بالكامل، فليس من السهل أن يرحل ديناصور. هناك حالة من اليأس تسيطر على الفيلم بالكامل، وكأن عودة المخرج لبلاده ما هي إلا رحلة خائبة خالفت توقعاته، وحلم الفيلم تحول إلى كابوس الواقع، الذي نجح الفيلم في تجسيده واستعراضه في حِرفية شديدة.
اعتمد المخرج شريطا صوتيا متنوعا … بداية من الأصوات الفعلية لموقع الأحداث، التظاهرات والصخب والهتافات، إضافة إلى اللقاءات التلفزيونية الرسمية، والأغنيات القديمة الجزائرية، والحديثة منها، المتمثلة في أغنيات الشاب خالد، والتعليق الصوتي/الراوي الذي استشهد بعبارات متميزة لألبير كامو المناهض لاحتلال فرنسا للجزائر، وكأنه صوت يرافق حالة المخرج الذي يندد باحتلال جديد لا أمل في النجاة منه قريباً.

محاولة الإيحاء بالواقع

بعد اندلاع الثورة الليبية كان على حوالي أكثر من مليون شخص من جنسيات مختلفة الهرب حتى الحدود التونسية، وإقامة مخيم كبير بـ»راس جدير» إلى أن يتم ترحيلهم إلى بلادهم، فما كان من مخرجي الفيلم إلا توثيق هذه الحالة، بداية من إنشاء المخيم، وحتى رحيل الجميع. مروراً بالمنظمات الدولية المشرفة على الأمر، والقنوات التلفزيونية والجيش التونسي. الحالة بالطبع تستدعي التوثيق، خاصة مع تنامي المشكلات بين الفارين والسلطات المنظمة، من سوء توزيع الغذاء والماء على الجميع. لنجد بالفعل ما يُشبه (بابل) العديد من اللهجات واللغات وكأن كل فصيل في عالم منفصل، لا يوحدهم سوى مواعيد الطعام التي تتحول إلى معارك في النهاية. هذه المعارك التي انتهت بموت أحد اللاجئين وقيام أتباعه بالصراخ والتنديد بما حدث، وكأنها ثورة أخرى على حدود بلد نجحت ثورتها وأخرى لم تزل غارقة في حروبها الداخلية.
حاول المخرجون خلق إيقاع في غرفة المونتاج، فلم تكن الفكرة واضحة في البداية، اللهم الا تصوير أكبر كم من اللقطات والمواقف التي حدثت، وهو ما أخل بإيقاع الفيلم ــ بما أنه أصبح فيلماً ــ وأصبح الترهل والتطويل سمة واضحة لتجربة كان من الممكن أن تكون أفضل بكثير. وهنا نجد التناقض الذي وقع فيه صُناع الفيلم، فالإيحاء بالواقع كان ملمحاً مُلحاً عليهم، لذا فلم يكن الشريط الصوتي للفيلم إلا الصوت الفعلي للأحداث، مع تداخل اللغات والصيحات والعبارات غير المفهومة إلا لأصحابها، من ناحية أخرى لم يتحقق الواقع المنشود بما أن الأمر جرى ترتيبه بصعوبة بالغة داخل غرفة المونتاج، فلا يوجد واقع إذن! هذا التأرجح هو الذي خلق الإيقاع المتذبذب الذي طال الفيلم في أكثر من موضع.
من ناحية أخرى ووسط هذا الواقع المراد نقله على الشاشة يبحث المخرجون عن تشكيل جمالي وإيحاء دلالي بالمعنى … بداية من تصوير الطبيعة من أشجار تناضل للحياة في الصحراء، وحشرات صحراوية يبدأ بها الفيلم وكأنها تمهيد لحالة اللاجئين ــ نعتقد أن هذه الجماليات تم تصويرها بغرض خلق البناء الفيلمي بعد انتهاء ترحيل اللاجئين ــ كمحاولة لإضفاء معنى على تصوير لقطات جاءت كيفما اتفق. إلا أن هذا لا يُقلل من حالة الضياع والشتات والخوف التي طالت الجميع، والتي اجتهد الفيلم في نقلها بشتى الطرق، لولا غياب الرؤية الكاملة والبحث عن منطق سردي يبدو عليه الافتعال الشديد.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *