مصورون من شمال أفريقيا والشرق الأوسط «بالقرب من هنا»… معرض في القاهرة يستعرض حيوات الأماكن والناس
[wpcc-script type=”2277cc3b3d86511b94a504a4-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: يُقام حالياً بـ (مركز الصوة المعاصرة) وبالتعاون مع (معهد جوته) بالقاهرة، معرضاً للتصوير الفوتوغرافي تحت اسم «بالقرب من هنا» وهو نتاج ورش عمل أقامها معهد جوته في العديد من دول المنطقة- 10 مدن- خلال عامي 2013- 2014. وحاولت الأعمال أن تبدو نابعة من البيئة المحيطة، وعلاقة إنسان هذه المنطقة أو تلك ببيئته في اللحظة الآنية، كيف يراها وكيف يُعبّر عنها، وصولاً إلى التقاط لحظات من الحياة اليومية وتفاصيلها. ومن ناحية أخرى ضم المعرض أعمالاً لـ (18) مصوّر وثائقي، تصل تقريباً إلى (74) لقطة تستعرض الحياة في كل من: المغرب، الجزائر، تونس، مصر، السودان، الأردن، فلسطين، لبنان، العراق، والإمارات. وأصحابها هم: كريم أبو كليلة، الصادق محمد أحمد، مريم أحمد، مى الشاذلى، قيس عسّالى، فاطمة اليوسف، شادى بكر، عثمان بنجكال، مجدى البكرى، طارق المرزوقى، گیلان حاجى عمر، أوال حواطى، علاء الدين جبر، حسام مناصرة، ناديا منير، منار مرسى، وبوريس أوى، ومروان طحطح.
البئية المحيطة
كانت البيئات المختلفة هي الأساس في استعراض الأعمال، فهذا العدد من الفنانين، من مختلف الجنسيات، لابد وأن تنتج أعمالهم من خلال الاختلاف والتنوع في تناول البيئات ووجهة النظر الخاصة بهم، فكيف يرون مدنهم وقراهم، شوارعهم وشخوصهم، وحتى ألعابهم، وصولاً إلى لحظات الراحة والاسترخاء، وهو الأمر الذي يبدو في مُجمله كنظرة بانورامية شاملة للحياة وطبيعتها في مثل هذه الدول.
نجد المباني الشاهقة على سبيل المثال وزحف الإسمنت الذي غطى على المساحات الخضراء في بيروت، كما رآها (مروان طحطح)، التشوهات نفسها تتناولها المصرية (منار مرسي) في لقطاتها المعنونة بـ (متنزهات تحت الحصار) هذه الأماكن التي كانت مُعدّة في الأساس للترفيه، أحاطت بها بنايات الإسمنت من ناحية، أو إصلاحات الطرق التي لا تنتهي في شوارع القاهرة، هذه الأماكن التي أصبحت تتآكل الآن، ووجودها كالـ (المراجيح) بالعامية المصرية، وفوقها أحد الجسور الذي لم يكتمل بعد تشكّل ما يُشبه اللقطات السوريالية إلى حد كبير.
الأمر نفسه يرصده التونسي (طارق مرزوقي) لكن من وجهة نظر مختلفة تماماً، فهو يرى مدينته القديمة والتراثية أصبحت تئن تحت أطنان القمامة التي تلوثها وتمحي ذاكرتها، حتى أن قاطنيها أصبحوا يرونها في شكل مُنفر، وبالتالي لا يرونها كما كانت في كتب التاريخ والرحالة الأجانب- كحال الكثير من المدن العربية الكبرى- مما يزيد السخرية والسخط لدى هذه الأجيال. وعلى التنويعة نفسها، لكن من وجهة نظر إنسانية- تشخيصية- يستعرض (عثمان بن جكال) من المغرب منزل إحدى المُهمشات، منزل من الصفيح، طردته المدينة وقبله صاحبته من رحمتها، والتي أصبحت تتسول لتعيش.
العمل
وعن ثيمة العمل وطبيعته، جاءت بعض اللقطات لتصوّر حياة عمال بعض المهن من حيث طقوسها وأدواتها، الشاق منها والحِرفي/ الفني، كاستعراض التونسي (مجدي البكري) في لقطاته لطبيعة عمل عُمال القمامة وظروفهم الصعبة، بداية من مرتباتهم الهزيلة، وحتى أداوات العمل غير المتوافرة من الأساس.
وبالنسبة للعمل الحِرفي تناولته لقطات كل من (شادي بكر) من فلسطين عن أحد عمال الزجاج، حيث يقوم بتشكيلة في أعمال أقرب للفن، وهو نفسه ما صاغه في لقطات أكثر حرفية من حيث الإضاءة وتكوين الكادر السوداني (الصادق محمد أحمد)، والذي أطلق على مُجمل لقطاته اسم (معمل الخلق) وهي عن أحد صانعي الفخار، واللقطات معظمها قريبة للوجه أو للعمل الذي بين يد الصانع، وأقدامه، حالة من التناسق توحي بها اللقطات بين روح الصانع وجسده ومادة الفخار التي يُشكلها- مجازاً- حسب هواه.
البُعد الاقتصادي
المدن الفقيرة ومعدلات استهلاكها من السلع، هذا التناسب العكسي تجسده حالات الاستهلاك بالقاهرة، كما حاولت تجسيد المصرية (نادية منير) والتي تطرقت إلى هذه العلاقة وكيفية صياغتها، واللعب على أحلام الجماهير، وتعويض نقصه بمجرد امتلاك سلعة تم الترويج لها بمهارة، خاصة وان التعداد السكاني للقاهرة يعد من أهم الأسواق للتجار ورجال الأعمال، ويتضح ذلك من خلال اللقطة التي تبدو فيها لوحة إعلانات ضخمة في مقدمة الكادر، وفي الخلف البنايات المتراصة في شكل أقرب للطابور العسكري، ونظراً لزاوية التقاط الصورة، فاللوحة تبدو الأعلى من البنايات، وكأنها هي التي تطل عليها وليس العكس. فاللقطات أكثر رمزية لتوضيح هذه العلاقات السابق ذكرها، عن كونها لقطات مباشرة تصور الوضع الاقتصادي المُتردي.
البُعد الاجتماعي والسياسي
ورغم تماس الأعمال السابقة مع كل ما هو اجتماعي واقتصادي، إلا أن البُعد السياسي يتجلى بوضوح أكثر في بعض الأعمال الأخرى، كما في لقطات الأردني (حسام مناصرة) عن رجل يبلغ من العمر الآن 81 عاما، ويعيش بمحافظة يافا الأردنية، والتي أتى إليها حينما كان في الخامسة عشرة من عمره، فاراً من حرب 1948، ولم يزل حتى الآن يُعلق خريطة لفلسطين أمامه على الحائط، حالماً بالعودة، رغم استقراره هو وأولاده وأحفاده في الأردن. ويبدو أن الحلم بقلب أوضاع الواقع راود المصري (كريم أبو كليلة) الذي يصوّر أشخاصاً من فئات اجتماعية أعلى في بيئات تقتصر على الفئات الدنيا، فالصورة مصنوعة بالطبع للإيحاء بالفكرة، فقد نجد كناساً أو بائعاً مثلاً في أحد الأحياء الراقية، لكننا لا نجد شابا مُتأنقا يقف في شادر للسمك، وكأنه في مول تجاري، وامرأة أخرى متأنقة تقف في مقلب للنفايات. وربما يعود بطل حسام المناصرة إلى أرضه يوماً، لكن الشك الأكبر في وصول أبطال كريم أبو ليلة إلى الأماكن التي أراد أن يوجدهم فيها.
محمد عبد الرحيم