تراتيل مآسي المسرح المصري لم تزل مستمرة
[wpcc-script type=”a80712616e034cd29c9e3d24-text/javascript”]
القاهرة ــ «القدس العربي»: يبدو أن المسرح المصري أصبح يعيش حالة من العرض المسرحي المستمر، حالة درامية في شِقها المأسوي. فخلال كل عام تقام المسابقات والعروض المسرحية، إضافة إلى الندوات النقدية أو شِبه النقدية، التي أصبحت محاورها وكلماتها المكرورة معروفة سلفاً، بخلاف لغة النقد ــ المُتعالية، فقط للإيحاء بأهمية ما يُقال ــ التي لا يفهمها جمهور الحضور ــ إن حضر ــ والتي يستهين بها أصحاب العروض المسرحية، بحجة عدم الواقعية، والاستغراق في المفردات النقدية لاستعراض مهارات الناقد قبل كل شيء، وبالتالي تصبح النتيجة تتفيه العروض، مقابل ضرب الفنان عرض الحائط بهذه الآراء.
وينتهي الأمر بأخذ بعض الصور التذكارية، وينفض الحفل، وإلى اللقاء في العام القادم، أو في أقرب مُناسبة ــ احتفالية ــ مسرحية قادمة. فتكون الدولة أرضت بعض مثقفيها، وأعطت الفرصة لبعض فنانيها لتقديم عروضهم. الأمر هنا ينصرف على معظم الندوات والعروض، إلا ما كتب له النجاة منها. وإن جاء عرض مسرحي يخرج عن إطار وعي الناقد ومصطلحاته، فلن تجد إلا الهجوم الشديد، ورمي أصحابه بأشد اللعنات. وهو الناقد نفسه الذي ينبهر ويُسبّح بحمد الطفرة المسرحية التي شاهدها في دولة أوروبية ما، وإن لم يُحالفه الحظ وسافر بالفعل ــ هذا الأمر اعتيادي ــ يكتفي بالسمع عن آخر، الذي بدوره يكون قد سمع عن أخير. هذه الحالة تنصرف على الفنون عامة ــ مناقشة روايه، ديوان شعر، فيلم سينما، دون الاقتصار على المسرح فقط، وأخيراً … نقصد من مفردة (التراتيل) المُتصدرة العنوان، أن الأمر مع تكراره أصبح من المُسلمات، وأنه في الطريق لأخذ صفة القداسة.
اتجاهات وتقنيات
وبما أننا ندور في فلك حالة السخف العامة هذه، فما علينا إلا المُتابعة قدر الإمكان … فقد أقيمت مؤخراً ندوة تقييمية لعروض «المهرجان القومي للمسرح المصري» في دورته السابعة، والذي يُقام الآن على مسارح القاهرة. جاءت الندوة بعنوان «عروض الدورة السابعة .. أهم الاتجاهات والتقنيات». ــ لا بد من اختيار عناوين لها دلالة قوية وعامة بعض الشيء ــ ضمت الندوة كل من «د.نهاد صليحة» ــ هي التي أدارتها ــ بمشاركة كل من الناقدة مايسة زكي، الناقد مجدي الحمزاوي، الناقدة د.وفاء كمالو، والمخرجة «عبير علي».
الثورة كحد فاصل
أشارت صليحة إلى أن العروض أصبحت تنتمي إلى عروض ما قبل الثورة وبعدها. فالعروض إما جديدة تحاول السير في ركب السُلطة الجديدة، أو قديمة لا تفي بالغرض، وقد أصبحت غير قادرة على استيعاب اللحظة الراهنة. وقد أيدت هذا الرأي الناقدة مايسة زكي وأضافت حتى تكتمل الصورة أزمة الأزمات المزمنة .. أزمة النصوص.
النص العربي والنص الأجنبي
شدّ الناقد وجدي الحمزاوي عبارة «أزمة النصوص» وبدأ نفث حديثه عن الكاتب المسرحي الحالي بأنه غارق في مدارات نصوص سابقة، تجاوزها الواقع، لذلك يتم اللجوء إلى النص الأجنبي، الذي يتكلم عن قضايا إنسانية عامة. ومن هذه المقارنة نكتشف فداحة الأمر ــ لم يقصدها الناقد بل ذكرها عَرَضاً ــ فما دام النص الأجنبي بالأساس تجاوز الزمن، فالمشكلة في النص المصري ــ أيام المجد الغابر ــ أنه نص ارتبط بفترة سياسية واجتماعية، بمجرد سقوطها سقط النص والعرض معاً ــ لا يمكننا التعميم، فهناك نصوص وعروض مسرحية مصرية وعربية كان همهما الإنسان في المقام الأول، فعاشت وتجاوزت أزمة النظم السياسية الخائبة التي انتهت ــ إذاً .. فالنص الأجنبي لم يتجاوزه الزمن، ولنا في أعمال سوفوكل وشكسبير أسوة حسنة.
الرقيب الداخلي
وترى الناقدة مايسه زكي أن سمة السطحية تطول كل من النصوص والعروض، بسبب الرقيب الداخلي للكاتب والفنان، الذي يمنعه من تناول قضايا أكثر عمقاً ووعياً تهم الواقع الذي يحياه. وتضيف أن مشكلات «الفرق المُستقلة» تعوق تقدم الحركة المسرحية، فالمُتاح لها فقط هو .. فرصة العرض، دون مُساعدة الدولة في تنمية هذه المواهب، مما يؤثر على أشكال هذه العروض. وتؤكد صليحةهذا الرأي قائلة إن «المجتمع أصبح يخاف من التفكير … فنحن بحاجة إلى ثورة ثقافية»، وأشارت إلى ضرورة تدخل الدولة لرعاية هؤلاء. ولنتوقف عند عبارة «تدخل الدولة» … فهل ستتدخل الدولة إلا لمصلحتها، ومصلحة سياساتها؟! وطوال تايخ الفن في مصر لم يكن تدخل الدولة إلا الهَش بعصاتها على مثقفيها لدخولهم حظيرتها عن طيب خاطر، إلا مَن وقف منهم لا يؤمن سوى بفنه ووحدته ــ قد تلجأ إليه الدولة في لحظة ما، طالما سيحقق لها هدفاً من أهدافها .. المُتاجرة بالديمقراطية رغم كونه مُخالفاً لنظامها، المُتاجرة به عالمياً في حالة اعتراف العالم به أولاً ــ فالمسألة أولاً وأخيراً تكمن في الوعي العام، سواء للفنان أو المُتلقي، ولن تحاول الدولة ــ طالما أنها تنتمي إلى الجغرافيا العربية ــ إلى الارتقاء بهذا الوعي بأي حال.
عروض متميزة
وحتى يُضاء المسرح النقدي ببارقة أمل، أشارت الناقدة د. وفاء كمالو إلى بعض العروض المتميزة، مثل ماكبث/يونيسكو، طقوس الموت والحياة، الليلة ماكبث، والعرض المسرحي بيت النور.
الدعم أم الترجمة؟
وفي النهاية أوضحت المخرجة عبير علي أن الأزمة إما في النصوص ودعم المؤلفين، أو في عدم توافر ترجمات لنصوص جديدة. وتساءلت عن دور المؤسسة الثقافية ــ هذا التساؤل يدور منذ سبعينات القرن الفائت بعد انهيار الأحلام القومية ــ وأنهت (لي كلمتها بضرورة تواجد حركة نقدية موازية، مُشيرة لأزمة لا تنتهي بين المُبدع والناقد، حيث يرفض الأول قبول رأي الأخير. وهنا نجد أن الأزمة تمثل حالة عامة من عدم الثقة، دون الاقتصار على الجمهور فقط (المُتفرج بالمعنى الأشمل، بداية من الجريدة المطبوعة، وحتى إعلانات الفيتامينات والمقويات بالتليفزيون). من الممكن للقارئ الكريم إحلال المُقدمة لتكون خاتمة للموضوع.
محمد عبد الرحيم