صورة الأديان في السينما: أزمة تابوهات ودعاية ووعي نقدي
[wpcc-script type=”a4f7da7cece9746fc799c774-text/javascript”]
للسينما أهمية كفن تواصلي أكثر تأثيراً على المتلقي من فنون الاتصال الجماهيري الأخرى كالقراءة والإذاعة، وقد عرف الكثيرون الأهمية السحرية لهذه الوسيلة، التي أصبحت مجالاً خصباً للدعاية لأفكار أو للحد ومهاجمة أفكار أخرى.
إلا أننا نجد أن الموضوعات الدينية في السينما العربية جاءت في عمومها هزيلة، ولم تناقش الأشياء الجوهرية، والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي أنتجها الدين، خاصة الدين الإسلامي، بما أن الغرب قد تكفّل بمناقشة اليهودية والمسيحية باستفاضة وجدل يُحسد عليهما. فالمقارنة بين تناول الموضوعات ذات البُعد الديني في كل من السينما العربية والعالمية لم تكن بحال من الأحوال في صالح السينما العربية
ما بين التاريخي والديني
بداية بما أن نشأة الديانة وتحولها من فكرة روحية إلى إنتاج أثر مادي ملموس على أرض الواقع، أي أتباع يدينون بها، يتأثرون بمفردات وعلاقات مجتمعهم، ثم الثورة عليها ومحاولة تغييرها وفق مفهومهم، لذا فقد أصبح الأمر بذلك واقعة تاريخية. من هنا جاء الخلط الكبير بين الفيلم الديني والتاريخي. وحتى الآن لم تستطع المعاجم السينمائية التفرقة الدقيقية بين الشكلين، لأن كلا منهما يختلط بالآخر. وهو مدخل هام في حديثنا عن الموضوع الديني في السينما العربية، لأن الغرب شرّح الموضوع الديني وفق النظرة التاريخية، فجاءت السينما الغربية أكثر نقداً ومصداقية من السينما العربية التي تحولت إلى تصوير كتب السيرة النبوية، دون أدنى خيال فني، وهو أساس الفن السينمائي. وهو السبب في ظهور أعمال سينمائية تتسم بالفقر على مستوى الصورة والتقنيات السينمائية.
الكُفر والإيمان
ما بين عالمي الكُفر والإيمان دارت الأفلام العربية التي تناولت موضوعات دينية. وبما أن الدراما لا تقوم على التباين الحاد بين الأفكار والشخصيات التي تحملها، فقد جاءت هذه الأعمال في معظمها دون المستوى الدرامي. فشخصيات المجتمع قبل الدعوة الإسلامية إما عبيد مهانون، وسادة يرتعون في اللهو والفواحش، بحسب تعبيرات ذاك العصر.
مع أن الشعر والنثر ‘الجاهلي’ ــ وهو مصطلح تم تداوله بعد انتصار الإسلام في الجزيرة العربية ليصبح سمة لتاريخ المجتمع قبله ــ يحمل العديد من السمات الفكرية والروحية الفريدة، حتى أن فكرة ‘التوحيد’ تم تداولها كثيراً في هذه الأعمال. لذلك نجد أن التناقض بين عالم الكفر والإيمان، وهذا التوتر الحاد بينهما، يتم القضاء عليه تماماً بعد ظهور الدعوة المحمدية، واستتباب الأمر لها، ليدخل الجميع في مدار الله أفواجا، وتتحول الشخصيات بدون منطق درامي ــ نتحدث عن عمل سينمائي ــ من الكفر إلى الإيمان فجأة. (والد هاشم في فيلم فجر الإسلام لصلاح أبو سيف)، وربما الوحيد الذي اتضح أنه انصاع للإسلام رغماً عنه هو أبو سفيان، كما صوره فيلم الرسالة لمصطفى العقاد، والذي كان يميل ميلاً شديداً للتفسير التاريخي لرؤية أتباع آل البيت للأمر برمته!
قصص الحب الباهتة
كان لابد من حكاية درامية تغلف سرد ظهور الإسلام وانتشاره، ولم تجد السينما العربية ــ وهي سينما تجارية بالأساس ــ سوى قصص الحب البرئ أو الشرعي. سواء بين العبيد (فيلم هجرة الرسول بطولة ماجدة وإيهاب نافع، إخراج إبراهيم عمارة)، أو بين أحد السادة وإحدى الجواري (فيلم فجر الإسلام)، أو أن قصة الحب بين الزوج وزوجته تنهار لاتباع الزوجة دين محمد، بينما يصر الزوج على دين أجداده (فيلم الشيماء إخراج حسام الدين مصطفى). والنظرة التجارية تمتد أيضاً لتقنيات تنفيذ هذه الأفلام، كما في الشيماء، الذي أظهر العرب فوق ظهور جيادهم كأفلام الغرب الامريكي (الويسترن)، وفيلم الرسالة، الذي تأثر في كادراته وتكوينات وأحجام العديد من اللقطات بالأفلام الامريكية التي تناولت قصص المسيح، حتى أن الصحابة تم تصويرهم كما كان يتم تصوير حواريي المسيح في السينما الامريكية.
التابوهات
السبب الرئيسي لضعف مستوى الفيلم العربي ذو الحكاية الدينية هو التابوهات المتعلقة بعدم ظهور شخصية تمثل رسول الإسلام وصحابته، مما أثقل الصورة السينمائية، وأحدّ من قدرتها، فتم الاستعانة بالحكي، وصوت الراوي الخفي، الذي يتمثل أقوال هؤلاء، أو الاستعاضة عنهم ببقعة من الضوء، أو جزء من أشياء استخدموها … كناقة محمد وبُردته أو سيف علي. ولم يزل يُصر الأزهر على منع عرض فيلم الرسالة، عرضاً رسمياً في مصر، لأنه جسد شخصية حمزة عم محمد، والتي قام بها أنتوني كوين في النسخة الإنجليزية، وعبد الله غيث في نسخة الفيلم الناطقة بالعربية، رغم عرض الفيلم أكثر من مرّة في المناسبات الدينية على شاشة الفضائيات غير المصرية!
التابو الآخر، وربما يكون هو الأهم من مسألة تجسيد الشخصيات ذات السمة الدينية، هو الابتعاد عن البعد الاجتماعي والتاريخي لواقع نشأة الدعوة المحمدية وكيفية انتشارها في جزيرة العرب، وهو أمر يحتاج إلى شجاعة كبيرة وجرأة فنية لم تتوفر لأحد حتى الآن.
ما بين الدعاية والتبرير السياسي
تناولت السينما العالمية والامريكية على وجه الخصوص الحكايات الدينية، المستمدة من الكتاب المقدس، وأعادت صياغتها فنياً، وقد تراوحت هذه الصياغة ما بين المباشرة، أو الجمالية في التناول. إلا أن مسيرة السينما في الغرب تحولت من مجرد سرد قصصي لحكايات التوراة والإنجيل إلى سرد يرمي بظله السياسي على الأحداث الراهنة، كمحاولة متدينة قاصرة دوماً على التحليل الاجتماعي والاقتصادي لفترة من فترات التاريخ. إضافة إلى تأصيل أساطير عنصرية، كحكاية شعب الله المختار ومحنته التي بدأت منذ عهد الفراعنة وحتى هتلر.
وصايا سيسيل دي ميل
يعد سيسيل دي ميل أكثر مَن قدم أفلاماً عن الأنبياء، فبخلاف ‘الوصايا العشر’ الذي قدمه في نسختين الأولى صامته عام 1923، والأخيرة ناطقة بالألوان عام 1956، ليستعرض حكاية خروج موسى وشعب إسرائيل من أرض مصر. كما قدم أيضا فيلم ‘الصليب والصليبيون’ 1937 و’شمشون ودليلة’ عام 1948. لم يخرج دي ميل عن حكايات الكتاب المقدس، بل أصّل لها، واعتبرها حكايات وقصص دينية يجب تصويرها وتداولها على نطاق واسع. وهي صورة دعائية أكثر منها نقدية للموضوع الديني، فأعماله كانت نابعة عن حِس ديني يخص الرجل نفسه، بأن يعمل من خلال السينما في خدمة الرّب! الأمر اللافت أن ‘سبيلبيرج’ يسير على خطى دي ميل، في التحيّز المفرط لحكايات الكتاب المقدس، التوارة خاصة، ونقل أساطير الشعب المختار، وتغذية هذا الوهم من خلال السينما، وكأنه بدوره في مهمة مقدسة، مما يجعل من هذه الأفلام في نهاية المطاف عبارة عن منشورات دعائية، دون ادنى قيمة فنية، اللهم فقط … الإبهار البصري والتقني الخالي من المعنى.
‘آلام المسيح’ كما تصورها ‘ميل غيبسون’
الممثل والمخرج ميل غيبسون رجل ينطلق من مبادئ إيمانية محافظة، ووجد في سرد حكاية المسيح تبريراً سياسياً لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي استفاق عليها الشعب الامريكي، ليكتشف خدعة أنه أفضل وأقوى شعوب الأرض. ولم يحدث لفيلم تناول شخص المسيح أن لاقى كل هذه الدعاية، حتى أنه تم عرضه بصالات السينما المصرية وقتها، مع رفض الرقابة عدة أعمال تجسد شخص المسيح على الشاشة، وأن يتم عرضها عرضاً تجارياً!
تعرَّض الفيلم للساعات الأخيرة في حياة المسيح عليه السلام، ورحلة تعذيبه حتى وضعه على الصليب وصعود روحه، ثم عن طريق فلاشات باك قليلة ليست كلها على ذات المستوى يتم الربط بين تنبؤاته ونهاية رحلته.فمشاهده مع مريم العذراء وسعيها إليه حينما تعثّر وهو طفل، ومشهد صنعه للمنضدة وهي الشيء الجديد الذي لم يعتده الناس في عصره، رمزاً للجديد الذي أتى به والذي سوف يغير العالم.
مجزرة دموية
لم يكن يهم صانع الفيلم سوى استعراض الكم الهائل من المشاهد الدموية، قاصراً تجربة المسيح في الألم الجسدي، دون الاقتراب من الآلام الروحية التي تعرّض لها والتي تعد هي مغزى رسالته كلها، وبذلك يكون الفيلم قد جرّد الرسالة من حكمتها وشاعريتها وحولها إلى مجزرة دموية ليس أكثر.
والفيلم يندرج بهذه الطريقة ضمن أنواع الأفلام التجارية الرخيصة، التي تلعب على عواطف المشاهدين وحساسيتهم الدينية، دون إثارة عقولهم وتفكيرهم لمشاركة هذه الشخصية معاناتها في الحياة، حتى أتمت رسالتها كما هو مقدر لها.
الفيلم وتوقيت عرضه
أصبحت مشاهد القتل والتعذيب والدماء والأشلاء المتناثرة من مفردات قنوات التليفزيون، حتى أنها دخلت في إطار الشيء الاعتيادي، الذي لم يعد يثير الرهبة أو حتى الدهشة.
فيأتي ‘آلام المسيح’ ليعرض عرضاً مُكثفاً لهذه المشاهد بالكثير من الحدة والتكثيف، إضافة لتأثير شاشة السينما وقاعة العرض والظلام المحيط بالمشاهدين. فكل هذا العذاب يحدث لمن؟ لشخص مثل المسيح
فما بالنا نحن؟! التساؤل هنا للجمهور الغربي والامريكي بالأخص.
(إنها فكرة التطهير الأرسطية اللعينة التي يلعب عليها كل مُدع)
كما أن العبارة التي قيل إنها لم تترجم إلى الإنجليزية، وهذا هو التنازل الوحيد من جيبسون حتى يتم عرض فيلمه، نظراً لضغوط اليهود ومنظماتهم، هذه العبارة مذكورة في إنجيل متّى، ولم تكن اكتشافاً جديداً يُثار يهود اليوم.
والنص الإنجيلي كالتالي . . (فلما رأى بيلاطس أنه لا فائدة ، وأن فتنة تكاد تنشب بالأحرى، أخذ ماءً وغسل يديه أمام الجمع، وقال: ‘أنا بريء من دم هذا البار، فانظروا أنتم في الأمر!’ فأجاب الشعب بأجمعه : ‘ليكن دمه علينا وعلى أولادنا!)
وبذلك . . يكون الفيلم قد فرّغ شحنات الغضب ضد الأميركان واليهود. من ناحية أخرى .. إذا كان المسيح قد لاقى العذاب على يد فئة دينية متعصبة، فإن الأجساد التي انصهرت عظامها في الحادي عشر من سبتمبر هم أيضاً ضحايا فئة دينية متعصبة. ولكم في المسيح أسوة حسنة، ليطمئن الشعب الامريكي على إيمانه، ولا عاصم له سواه، بعد سقوط اليقين السياسي والعسكري مع تفجير برج التجارة العالمي.
تحويل المطلق إلى نسبي والنقد الاجتماعي والسياسي
عالجت السينما العالمية الموضوع الديني بفكر نقدي ووعي جمالي، فلم تعد التجربة الدينية سوى مجالاً لمناقشة صراعات وأفكار إنسانية، وتحولت إلى حدث يمم وجهه أخيراً شطر التاريخ، وبالتالي أصبحت حرية تأويله أكثر وعياً وعمقاً بمشكلات الإنسان الراهنة.
المسيح يقرأ البيان الشيوعي
قدّم المخرج الإيطالي ‘بيير باولو بازوليني’ فيلمه ‘إنجيل متّى’ 1964، ليعيد سرد الوقائع التي تناولها الإنجيل كما دونه متّى، ولكن وفق وجهة نظر بازوليني النقدية، وتوجهاته الفكرية، مما حدا بالبعض في بعض اللقطات وهو يرى المسيح يقول تعاليمه، بأنه أشبه برجل يلقي البيان الشيوعي.
الحِس الواقعي مقابل هالات التقديس
يبدأ الفيلم بالوقائع الشهيرة في حياة المسيح …
حمل السيدة ‘مريم’ به/حضور المجوس/هروبه إلى مصر/ملاقاته
للمعمدان وتجربته مع الشيطان/ثم رحلة تعاليمه وثورته في الهيكل/
فالوشاية به والقبض عليه، وصلبه وقيامته.
ونظراً لماركسية بازوليني وواقعيته مع حِسه الأسطوري والصوفي، فقد نزع الهالات المقدسة المتوارثة، واستخرج عمق الرسالة من خلال تأثيرها وارتباطها بالناس، وما كانت تبشرهم به من خير وسلام وحرية، فتحول الرجل بجانب رسالته إلى ثائر ومبشر ثوري ومناضل دفع حياته ثمناً لدعوته وما يؤمن به.
وقد ظهرت الطريقة أو الشكل الواقعي لمعالجة إنجيل ‘متّى’ في . . الديكورات الطبيعية وكسر الصورة التقليدية للحواريين أو السيدة العذراء،
أو مريم المجدلية، فهم بشر عاديون سواء في الملامح أو الملابس أو الأداء، فقراء يعانون كل أشكال التسلط كرعايا الحاكم الروماني.
حتى مشهد ‘رقصة سالومي’ تم تقديمه بشكل يمتزج فيه الواقعي بالأسطوري، فوسط الرقص والإيماء والموسيقى تتجلى الواقعية في الإضاءة وزوايا التصوير.
وبذلك .. هبطت الأسطورة إلى الواقع وتعايشت معه دونما خلل، حتى في مشاهد وصايا وتعاليم المسيح التي عكست تعابير وكأنه زعيم سياسي يلقي بإحدى الخُطب، ونظراته القوية وابتساماته الرقيقة، كل هذا بدون رتوش سحرية كانت تلازم الشخصيات الدينية التي ترسبت في العقول من خلال الرسومات والصور.
فقد أعاد بازوليني صياغة الحكاية بطريقة جعلت من ‘المسيح’ رجلاً يحمل الرسالة على كتفيه وليس بين عينيه، فهو ثائر ومتسامح ولكنه ليس بمستسلم، وقد أصبحت صرخته الأخيرة وهو فوق الصليب والتي زلزلت الأرض ‘لما شبكتني’ ليست توحي بطلب الخلاص، ولكن باستمرار دعوته وثورته وهو فوق الصليب، حتى يتم إنقاذ أبناء الله … بوجوههم المتغضنة، وملابسهم الرثة وبيوتهم التي كالجحور، يتم إنقاذهم من كل سُلطة تَّدعي الكهنوت والتحكم بمصائر الجميع.
الروح على صليب الجسد
‘الإغواء الأخير للمسيح’ رواية لليوناني ‘نيقوس كازنتزاكيس’، قدمها الامريكي ‘مارتن سكورسيزي’ إلى السينما، بالاسم نفسه عام 1988.
وهي معالجة جديدة ومختلفة كل الاختلاف لحياة المسيح، الذي أصبح
باحثاً عن السلام الروحي للإنسان وسط كم هائل من التعاليم والقيود
الاجتماعية والدينية، فأوضح أن صراع ‘المسيح’ الأساسي لم يكن مع سلطة سياسية أو دينية، بل أن مأساته الحقيقية تكمن في صراعه ما بين روحه وجسده.
فأصبح الفيلم يُنقب داخل شخصية المسيح باعتباره إنساناً، ومن خلال هذه الرؤية تمت صياغة جديدة لكافة الشخصيات المحيطة بـه، سواء التي دارت في فلكه، أو التي دار هو في فلكها. فهو من البداية متوتر، يعاني صراعاً داخلياً ما بين روحه ورسالته وبين رغباته كإنسان، وهناك مشهداً يدلل على ذلك بطريقة غير مباشرة، فهو صانع صُلبان، يُعلّق عليها كل منشق على سلطة القيصر، مكروه من الناس الذين يرونه أحد مفردات هذه السلطة، ثم هو الذي يُبشر بالنهاية، وهي وضعه فوق الصليب وسط لعنات السلطة نفسها.
أسئلة وجودية
وأهم نقاط الفيلم … هل المسيح نفسه كان يريد ذلك؟ هل كان يريد خوض تلك التجربة؟ ولما كانت صرخته الأخيرة …’ لما شبكتني’
ثم شكه الدائم هل هو المسيح أم لا، ويظهر ذلك في مشهد إحياء الموتى والرعب الذي لفّه عندما لمس يد (إليعازر) داخل القبر، فهو كان يُفاجأ بالمعجزات التي يقوم بها، بل ويرتعب لأن هذه المعجزات تقوي الهاجس الذي لم يفارقه حتى وهو فوق الصليب، في كونه يريد نفسه كالآخرين، لا يقوى على حمل رسالة، رغم قدرته على حمل الصليب، حتى يُعلّق عليه الآخرين!
ظلال تجربة المسيح
كما تناولت الرواية والفيلم معادلات وتفسيرات أخرى للشخصيات التي لطالما وصمت في الكتاب المقدس، وجعلتها أكثر إنسانية، وضرورة درامية في الحياة، لتكتمل نهاية الحكاية …
فشخصية ‘مريم المجدلية’ على سبيل المثال، التي تخلّى عنها يسوع في سبيل هواجسه، أصبحت ظلاً للصراع بين روحه وجسده، بل هي المفسرة والكاشفة لهذا الصراع. فبعد رفضه لحبها وغريزته، قد اقتسم جسده الآخرون، اقتسموا جسداً يخصَّه، فكانت ضريبة رسالته أن تصبح المجدلية مِلكاً للآخرين، إلاه وحده، ووفق إرادة تفوق إرادته، حتى تكتمل أركان الحكاية كما هو مقدّر لها.
من ناحية أخرى جاءت شخصية يهوذا مخالفة تماماً لما هو متعارف عليه،
فكان أقرب الشخصيات إلى المسيح، وأعنفهم معه، وكأنه وجهه الآخر،
يهـوذا الذي أصبح مثالاً للخيانة ورمزاً لها في تاريخ الإنسانية، أصبح هو
الآخر صانع لعنته حتى تتم مشيئة الرَّب. وبذلك.. يصل إلى درجة قصوى من درجات الإيمان، لم يستطع الوصول إليها أحد من باقي الحواريين.
فيهـوذا هو الذي يردّ المسيح عند لحظة الإغواء ليثبت له أنه لا سبيل للخلاص إلا بإتمام الرسالة/الحكاية، فثبات يهـوذا في تحمل اللعنة هو نفسه ثبات المسيح فوق الصليب.
لحظة الإغواء
تأتي هذه اللحظة عن طريق مَلَك جميل (بخلاف الرواية التي صورت الشيطان في شكل عبد أسود) هذا المَلَك الذي يحقق للمسيح رغبته فيما يشبه الحلم، ويجعله يعيش لحظات معدودات شملت حياة خيالية كاملة تنفس فيها كل مباهج الحياة … من زواج ممن يحب، وممارسة أبوة، وصولا إلى شيخوخة هادئة وموتاً أكثر هدوءاً.
كان لابد من الإغواء، ليتأكد من حرّية اختياره، ويستفيق قبل موته بلحظات مقتنعاً تماماً بمغزى ما فعله، وما قام به.
*كاتب من مصر