ألبوم «أصوات»: ماكس ريختر وموسيقى حقوق الإنسان
[wpcc-script type=”5399c5b05cbeb61190f82d53-text/javascript”]

في ألبوم «أصوات 2020» لا نستمع إلى ما ألفه الموسيقي الألماني البريطاني ماكس ريختر من وحي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحسب، وإنما نستمع أيضا إلى نصوص ومواد هذا الإعلان، بأصوات ولغات مختلفة، من بينها اللغة العربية، التي تصاحب قطعة موسيقية بعنوان «كل البشر» ويخاطبنا ذلك الصوت الأنثوي الذي يقول: «يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء، لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه، لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا».
كما نستمع إلى مواد أخرى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تتحدث عن منع استعباد واسترقاق البشر، والحق في الحماية القانونية، وعدم التعرض للاضطهاد والنبذ بسبب العرق أو الدين والمعتقد، وإلى ما هنالك من حقوق في التعليم والعمل والحياة، يجب أن تكون متوفرة، وأن يحصل عليها جميع البشر في هذا العالم، وهو ما لم يحدث يوما، وربما من المستحيل أن يتحقق، لهذا تبدو الكلمات المصاحبة للموسيقى في هذا الألبوم خالية من كل معنى، ولا تثير في النفس أدنى أمل، ويزيد من الشعور باليأس موسيقى ماكس ريختر الحزينة، التي تكاد تكون بكائية طويلة، ومرثية لكلمات ماتت وفقدت قيمتها، أو هي اللحن الجنائزي للبشرية المهزومة، بفعل يدها، أو بفعل قوى لا تستطيع مواجهتها.
يعد ماكس ريختر من أهم الموسيقيين المعاصرين في الوقت الحالي، ويتميز بكلاسيكيته وتجريبيته في آن، ويظهر هذا في ألبوماته الخاصة، التي تضم مؤلفات من وحي أفكاره هو وما يود التعبير عنه ومخاطبة العالم به، وكذلك في ما يقوم بتأليفه من موسيقى للأفلام السينمائية، وفن الباليه الذي يبدو أنه يلائمه كثيرا، حيث تتجلى قدرته على الإيماء الموسيقي الذي يضاعف الإحساس بالحركة، وقد تميز كثيرا في تأليفه لموسيقى باليه فرجينيا وولف، ذلك العرض الرائع الذي قدمته فرقة الباليه الملكي البريطانية عام 2015، كما كان له بعض التجارب الفريدة في عالم الموسيقى مثل ألبوم «نوم»، وتأليف نسخته الخاصة من الفصول الأربعة لفيفالدي.
كل حال موسيقى 2020 ليست سعيدة، وهذا الألبوم ليس فرحا، وأغلب معزوفاته تبعث على الكآبة والانقباض والإحساس بالنهاية، وعلى الرغم من كونها مقطوعات موسيقية هادئة، إلا أنها تخلق في النفس الشعور بالخوف والقلق، من خلال الخط الميلودي الرئيسي.
وفي هذا الألبوم الجديد الصادر مؤخرا بعنوان أصوات، نجد أن ماكس ريختر لم تسعه لغته الأساسية وهي الموسيقى، وربما لم تكن كافية بالنسبة له، فهو لم يكتف بالتعبير الموسيقي عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وملأ ألبومه بالكلمات والأصوات البشرية، والكثير من لغات العالم كالإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، وأراد أن تكون مواد الإعلان موجودة وبتكرار مكثف ربما يبعث على الملل، وكأنه يريد أن يضعها في وجه الجميع ويفرضها فرضا على الأسماع، وعلى الرغم من ذلك نشعر بأن هذه الكلمات السامية في مضمونها عن حقوق البشر، تبدو بعيدة وغير مصدقة وباهتة تماما في واقع لا مثيل لتدهوره على المستوى الإنساني، ويبدو كل شيء في حاجة إلى إعادة النظر والصياغة أيضا، بداية من هذه الحقوق التي ربما تعد الآن رفاهية قصوى أمام ما يحتاج إليه الكثير من البشر في عالمنا حقا.
على كل حال موسيقى 2020 ليست سعيدة، وهذا الألبوم ليس فرحا، وأغلب معزوفاته تبعث على الكآبة والانقباض والإحساس بالنهاية، وعلى الرغم من كونها مقطوعات موسيقية هادئة، إلا أنها تخلق في النفس الشعور بالخوف والقلق، من خلال الخط الميلودي الرئيسي، الذي يتولاه البيانو طوال الوقت، ويتضاعف الأمر مع الدخول الحزين للوتريات التي يتصدرها التشيللو عادة، ويتكرر هذا النمط في مقطوعات لها عناوين مختلفة مثل، الجذور والرحلة والرحمة، وبشكل عام تبدو جميع القطع في الألبوم كتأملات حزينة يائسة في واقع لا يبشر بخير، تعبر عنها الحركات الموسيقية والجمل اللحنية غير المكتملة، التي تتكرر وتتصاعد محاولاتها المتتالية، وكأنها نداءات غير مسموعة أو امتدادات صوتية تحاول أن تصل إلى شيء ما لكنها لا تطاله.
٭ كاتبة مصرية
