«الجانب المظلم من القمر»: بينك فلويد والألبوم الأكثر سوداوية
[wpcc-script type=”459072312070585e628ceb29-text/javascript”]

كان ألبوم «الجانب المظلم من القمر»، الذي أصدره فريق الروك الإنكليزي بينك فلويد عام 1973 الأكثر نجـــــاحا والأعلى مبيعا فـــي تاريخ الفريق، لكنه كان في الوقــــت نفسه الأكثر سوداوية، حــــيث يتفوق على ألبومات مثل الحيوانات والجدار في الكـــآبة والأجواء القاتمة، وتحمل جميع أغنـــيات هذا الألبوم توقيع روجر ووترز، الذي قام وحده بكتابة كلماتها، بينما اشترك مع باقي أعضاء الفريق في التلحين والإعداد الموسيقي والتنفيذ التقني.
وكعادته يعتمد أسلوب روجر ووترز على خلق الترابط الفكري بين الأغنيات كافة وتشكيل وحدة فنية متماسكة ومتصلة بالعنوان، الذي يكون دالا على فكرة الألبوم الرئيسية، ويمكن أن يتكرر ترديده في أكثر من أغنية، ويستطيع هذا الفنان دائما أن يجذب المستمع إلى أفكاره حول الكثير من الأمور ورؤيته للحياة بشكل عام، حتى من لا يتذوق موسيقى بينك فلويد، التي قد تكون ثقيلة على الأذن لعدم ميلوديتها، ومخيفة في بعض الأحيان، بسبب استخدام الكثير من المؤثرات الصوتية، فإنه سيجد ما يعنيه في أغنياتهم، ويعبر عما يقاسيه الإنسان في هذه الحياة، كما هو الحال في ألبوم «الجانب المظلم من القمر»، الذي تعبر بعض أغنياته عن مراحل الحياة المختلفة، حيث نستمع بعد الافتتاحية الموسيقية الغريبة إلى أغنية «تنفس» وكلماتها الموجهة إلى مولود قدم للتو إلى الدنيا، وعليه أن يتنفس الهواء للمرة الأولى في حياته، هذا المشهد الذي يفترض أن يكون سعيدا وباعثا على الأمل، يحوله روجر ووترز إلى كآبة خالصة، عندما يخبر هذا المولود بحقيقة الحياة المريرة، وما سيلاقيه فيها، ونسمعه يقول له أنه سيعيش طويلا وسوف يبتسم ويبكي ويذرف الدموع، سيحلق عاليا وسيفشل أحيانا، وسيكون عليه أن يعمل طوال الوقت وأن يركض وراء هذه الحياة أو وراء لا شيء، وعندما ينتهي من عمل عليه أن يبدأ من جديد في عمل آخر، كما سيخبره عن صعوبة الحفاظ على توازنه وسط الأمواج العاتية، وبؤس أن يخوض في كل هذا الشقاء لكي يذهب إلى الموت في النهاية.
تعد أغنية «الزمن» من أقوى ما كتبه روجر ووترز في هذا الألبوم، وهي تتحدث عن اللحظة التي نكتشف فيها فجأة أن عشر سنوات أو أكثر من عمرنا قد ذهبت سريعا، بدون أن نشعر بها.
تدور أغنيات الألبوم بشكل عام حول الضغوط التي تحطم المرء وتهلك أعصابه وتؤدي به إلى الاكتئاب والاضطراب النفسي، وتتناول تلاعب الزمن بنا والموت الذي يهددنا والجشع والحروب التي تدمرنا، وكما كان ألبوم «الجدار» الذي أصدره فريق بينك فلويد عام 1979 سيرة ذاتية مغناة تصف آلام روجر ووترز ومعاناته منذ الطفولة، بسبب فقد الأب في الحرب العالمية الثانية، والوحدة والاغتراب ورفض الواقع، وصعوبة التواصل مع الآخرين، وفشل العلاقات العاطفية والزوجية، يتناول ألبوم «الجانب المظلم من القمر» بعض جوانب من حياة «سيد باريت» عضو الفريق الذي غادره في أواخر الستينيات، حيث كتب عنه روجر ووترز أغنية بعنوان «تحطم العقل»، عبّر من خلالها عن معاناة باريت مع الاكتئاب والانهيار النفسي، ويبدو تأثره الشديد بما حدث له، كما يعبر عن معاناته النفسية هو أيضا وعقله الذي يكاد ينفجر من كثرة الأفكار، وخوفه من مصير صديقه وشعوره بأن حاله سيؤول إليه عندما يقول له، سنلتقي على الجانب المظلم من القمر، كما يتناول الألبوم حياة نجوم الروك وما يتعرضون له من ضغوط، على الرغم من النجاح والشهرة والأموال الهائلة التي يسخر منها روجر ووترز، ومن قدرتها على شراء الطائرات الخاصة، وفرق كرة القدم، والسيارات والكافيار والإقامات الفاخرة، كما يذكر التقسيم العادل للثروات الذي يؤيده الجميع بشرط ألا يقتطع من نصيبه شيئا في أغنية بعنوان «المال».
ويعبر أيضا عن معاناة نجوم الروك مع السفر الدائم والتوتر المصاحب له، الذي يجلب التفكير في الموت والخوف من حدوث الأمور السيئة، ونستمع كذلك إلى بعض الكلمات عن الخوف من الموت في «حفلة كبيرة في السمـــــاء»، كما كتب أغنية «نحن وهُم» عن الحرب التي يمقتها والجموع المختلفة الألوان والأعراق، التي يحركها الجنرال كما يشاء، وينتهي الألبوم بأغنية «كسوف» التي نستمع فيها إلى كم هائل من الكلمات المتلاحقة يقول بعضها: كل ما نلمسه ونراه ونتذوقه ونشعر به، ونحبه ونكرهه ونخلقه ونحطمه، ونفعله ونقوله، وكل ما جاء وسيأتي مصيره إلى الغياب، وأن الشمس سوف يحجبها القمر، والحقيقة أنه لا وجود لجانب مظلم في القمر لأن القمر كله مظلم.
وتعد أغنية «الزمن» من أقوى ما كتبه روجر ووترز في هذا الألبوم، وهي تتحدث عن اللحظة التي نكتشف فيها فجأة أن عشر سنوات أو أكثر من عمرنا قد ذهبت سريعا، بدون أن نشعر بها، وأننا تعرضنا للخداع من الزمن الذي أوهمنا في صغرنا بأن لدينا المزيد من الوقت، وأمامنا الكثير من الأيام لكي نضيعها كما نشاء، وبعد هذا الاكتشاف وتلك اليقظة، نركض عبثا، ونحاول أن نمسك بالشمس التي تغرب، لكننا ندرك أننا كبرنا وصارت أنفاسنا قصيرة، وليس أمامنا سوى الاستسلام، كتب روجر ووترز هذه الكلمات عندما كان في الثلاثين من عمره، لكنه عبر عن شعوره بالنهاية قائلا: انتهى الوقت وصمت الغناء.
٭ كاتبة مصرية
