أغنية حزينة على الجدار

«أتذكر تلك الأيام الخوالي التي مرّت عليّ كما لو أنها كانت البارحة. طفل صغير نضج أمامي، وبالضبط أمام جدار بيتي. هو الآن بعيد عني، وأنا مقعد محبوس على كرسي آلي..أتذكره بنظرته التي، دائما ما كانت تعلو وجهه وهو ينظر إليّ تارة، وإلى الجدار تارة أخرى.. يا لها من أيام». كان الطفل دائما ما يجلب طباشيره […]

أغنية حزينة على الجدار

[wpcc-script type=”761b7eae0c6b729187dcef55-text/javascript”]

«أتذكر تلك الأيام الخوالي التي مرّت عليّ كما لو أنها كانت البارحة. طفل صغير نضج أمامي، وبالضبط أمام جدار بيتي. هو الآن بعيد عني، وأنا مقعد محبوس على كرسي آلي..أتذكره بنظرته التي، دائما ما كانت تعلو وجهه وهو ينظر إليّ تارة، وإلى الجدار تارة أخرى.. يا لها من أيام».
كان الطفل دائما ما يجلب طباشيره ذات الألوان الزاهية ويخربش بها على جدار الجار ذي الأعصاب المنفلتة. فيبدأ هذا الأخير في الصراخ ويضطره إلى تنظيف ما قام به. شغب الصغير، وعويل الكبير شكلا عملا روتينيا، كأنما كانا يستمتعان به. مرت سنوات والطفل مهووس بخربشاته على الجدار. أشرف على التخرج ومازال يخربش على الحائط، كما لو أن شيئا طفوليا لم يغادره قط، كلما واظب على الخربشة.. والعجوز، من وراء الحجاب، وخلف ستار النافذة المهترئة على كرسيه المتحرك الصدئ ينظر وقد خبا صوته.
يوم التخرج، وقبل الذهاب للجامعة زاره في منزله لأول مرة. اكتشف كم هو شخص لطيف، عكس ما كان يظهر. هنأه بشأن نجاحه في التخرج، والتفوق على أقرانه، وطلب منه تكرار الزيارة فوعده..
ثم ذهب..
انتظر طويلا.. يوما، يومين، شهرا وشهرين كي يظهر من جديد بقرب الجدار، أو على الدرج قرب الباب، ينقر نقراته المتتالية عليه.
انتظر وانتظر..
حتى كان ما كان..
وفي يوم حزين أطل من شباك النافذة ليجد جيرانه يرحلون على نحو مفاجئ.
«إلى أين ترحلون»؟ «لماذا؟»..همست جوارحه..
بحث عنه طويلا عله يظهر ضمن الراحلين.
طرق خفيف على الباب. توجه بكرسيه المتحرك. فتح. ووجها لوجه كانت الأخت الصغرى تهديه طباشيره، «كانت أثمن ما يملك» قالت بعين دامعة.
على عتبة الباب سمعها العجوز تبوح بعبراتها للنسيان، فبكى هو بالهذيان. وقرب الجدار توقفت لتذرف مزيدا من الدموع حين تذكرت بأن أخاها لن يستلم شهادة تخرجه من الجامعة.. فثمة شهادة أخرى قد حررت على غفلة من الجميع. كان القدر قد حرر نسخة لتتسلمها الأسرة في لحظة حزن أبدية. حين رحلوا خرج لأول مرة فوقف طويلا أمام جدار بيته. ألقى نظرة فاحصة عما كان يرسمه الطفل /الشاب. كانت لوحة له «هو» وهو يطل من خلف النافذة. ابتسم بأسى ودموعه تنهمر على وجنتيه بغزارة. «الآن وقد شارفت لوحة الجدار على الاختفاء، وألوان حياتي هي الأخرى على الانطفاء. أشعر بأيامي كأنها عبء ثقيل عليّ لا أطيق حمله. فهل من عمر جديد في عالم آخر، هل من لقاء؟». أغمض عينيه ببطء بحثا عن سعادة تأتيه هذه المرة من باب السماء.

كاتبة مغربية

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *