الفادو .. شجن برتغالي والصدى عربي
[wpcc-script type=”5a6649fc3df114755ed70327-text/javascript”]

ظهرت موسيقى الفادو في بداية القرن التاسع عشر والشائع سنة 1820 في لشبونة، وهو غناء شعبي المولد ذو موضوعات شجية حزينة بإيقاع كلاسيكي متفرد، الشيء الذي جعل منه الموسيقى الشعبية الأولى في البرتغال، ويتردد الفادو بين الحزن والفرح، يغني الغياب، آلام الفراق والحب، الحنين، العجز، اللامبالاة وفقدان الأشياء العزيزة على النفس، كما يعبر عن الانتظار، الغيرة، الموت، ذكريات الطفولة…
وقع اختلاف في تحديد أصل كلمة فادو FADO الذي يعود حسب الدارسين إلى رأيين: الأول يقول إنها ذات أصل لاتيني FATUM أي القدر، والثاني يرى أن FADO تعود إلى الكلمة العربية HADO أي حظو بعامية أهل الأندلس، والملاحظ هنا أن الكلمتين HADO/FATUM تعني القدر والنصيب، مصير الإنسان الذي لا يمكن أن يتغير وهو المعنى الذي يعبر عنه الفادو في النهاية. يقول الشاعر والدراماتورج البرتغالي جوزيه رجيو في قصيدته الشهيرة «فادو برتغالي»:
ولد الفادو في يوم
حيث الريح بالكاد تهب
والسماء والبحر ممتدان
على ظهر مركب
في صدر بحار
الذي رغم حزنه، غنى
الذي رغم حزنه، غنى
آه، يا له من جمال
أرضي، جبلي، هضبتي
أوراق، أزهار، فواكه من ذهب
نشأ الفادو وظهر أول مرة في أحياء عربية وسط مدينة لشبونة: في حي مورريا (حي العرب)
آه مورريا
شارع بالما القديم
حيث في يوم
تعلقت روحي
حينما مر
بجانبها
فاديستا
أسمر البشرة
رقيق الفم
بنظرته المتهكمة
وحي الفاما الذي يضم بعض المنازل التي ما تزال تحتفظ بطابعها العربي، وتعود لفظة الفاما إلى الأصل العربي الحَمة وهي عين الماء الحارة. كما هو معلوم نظمت البرتغال قديما على الطراز العربي، حيث نجد في الأغاني الجليقية نماذج من هذا النمط، عرفها البرتغال حتى قبل شعراء التروبادور من خلال احتكاكه المباشر بالأندلس وإسبانيا، حينما كانت منطقة الغرب وقشتالة جزءا من الأندلس، هذا النَفس العربي في مجال النغم والإيقاع ظل متوارثا عبر الأجيال، دخلت عليه تغيرات صحيح بفعل الزمن والتطور الحضاري، لكن الروح العربية مازالت تسبح في سماء الموسيقى الشعبية الأوروبية، خاصة الفلامنكو والفادو. امتداد، نجد بوادره في الفترة الأندلسية فترة الحكم العربي في شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث دأب الملوك والأمراء المسيحيين على تقليد جيرانهم العرب المسلمين في إحياء ليالي الطرب في قصورهم، يحضرها إلى جانب هؤلاء الملوك والأمراء المسيحيين ضيوف أوروبيون كانوا يتوافدون على إسبانيا والبرتغال للحج، أو للاستمتاع بسماع الغناء العربي الأندلسي، وكان لهم الفضل بدورهم في نقل هذه الصورة إلى باقي المجالس الأوروبية ونشر الأغاني العربية.
ويذكر المؤرخ ابن حيان أن الأسيرات الممتازات كان من صفاتهن إجادة الغناء والموسيقى، وأن الغزاة المسيحيين كانوا يحرصون خلال المعارك التي ينتصرون فيها على حمل أعداد كبيرة من الأسيرات العربيات القادرات على العزف والغناء باللغة العربية.
يروي الطيب القرطبي الشيخ أبو عبد الله محمد بن الكتاني في كتابه «التشبيهات من أشعار أهل الأندلس» كما جاء في مقال لسعيد الأحرش، أنه حضر حفلات في مدينة برغش في قصر كونت قشتالة سانشو غارسيا الذي حكم سنة (1099/1017) وقد تميز هذا الحفل بعدد من المغنيات والراقصات، أهداهن له الخليفة القرطبي، وأن زوجة سانشو أمرت إحدى المغنيات بالغناء فغنت بالعربية، وكان صوتها جميلا فانفجرت إحدى الجواري بالبكاء، فاقترب منها ابن الكتاني ليسألها عن السبب فقالت له: هذه الأشعار التي تتغنى بها هي لأبي سليمان مهران أو مروان السرقطسي، وأنا أسيرة هنا، ولا أعرف من أخبار أسرتي شيئا.
ويذكر المؤرخ ابن حيان أن الأسيرات الممتازات كان من صفاتهن إجادة الغناء والموسيقى، وأن الغزاة المسيحيين كانوا يحرصون خلال المعارك التي ينتصرون فيها على حمل أعداد كبيرة من الأسيرات العربيات القادرات على العزف والغناء باللغة العربية.
ومن الموضوعات المركزية في شعر الفادو موضوعة السودادSaudade التي يمكن ربطها بثيمة الحنين، رثاء الحب أو النصيب الموجودة في الشعر العربي والمعبر عنها في جل قصائد الفادو، والأكثر من ذلك فهي العنصر الذي لا يمكن الاستغناء عنه في كلمات الفادو، فقد أثرت بشكل حاسم في أغاني العشق والحب في اللغة البرتغالية -الجليقية، خصوصا بعد الغزو المسيحي للأندلس، هذا النوع من «الحب الرفيع» الجديد على الثقافة المسيحية والمجتمع الأوروبي، الذي ظهر في شعر التروبادور لتأثرهم بالثقافة العربية الأندلسية، واتخذ جوهرا لقصائدهم، ترجم كعاطفة رفيعة تنشأ من إعجاب الشاعر أو الفارس بسيدة إعجابا فروسيا نبيلا، يتجاوز النظرة الشهوانية التي كان يعرفها الأوروبيون قبل التروبادور. من جهة أخرى يرى البرتغاليون أن السوداد في جانبه المتعلق بالفروسية والشهامة يرجع إلى أسطورة الملك سبستيان، هذا الملك الشاب المفعم بالحيوية، الذي أطلق حربا ضد العرب في معركة وادي المخازن في المغرب في 4 أغسطس/آب 1578، واعتبرت هذه المعركة مأساة حقيقية، اختفى الملك
وانهزم الجيش وانهارت البرتغال، اختفاء الملك فتح الباب أمام التخيل والأقاويل، ونشوء أسطورة تقول بأن الملك الشاب الفارس سبستيان سيعود يوما لإنقاذ البرتغال وتخليص شعبه من الألم والشر. لكن تبقى صعوبة تجاوز مفهوم الفروسية والشهامة في الحب كأصل عربي كانت بداياته في شعر عنترة حسب النقاد، لم تعرفه أوروبا قبل التروبادور، الذي استلهموه من الثقافة العربية الأندلسية بفعل عامل التأثر.
٭ كاتبة من المغرب
