‘);
}

أول مشهدٍ بعد الموت

يتساءل الكثيرون من أهل الملّة عن الحقيقة الشرعية الغيبية التي تُخبر عن سؤال الإنسان بعد موته عن صدق إيمانه بواسطة ملكين موكّلين من الله تعالى، حيث جاءت كثيرٌ من الروايات الصحيحة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تُخبر بذلك، ومن هذه الرّوايات ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ وتولَّى عنهُ أصحابُهُ، إنَّهُ ليسمَعُ قرعَ نعالِهِم، فيَأتيه ملَكانِ فيُقْعِدانِهِ، فيقولانِ لهُ ما كنتَ تقولُ في هذا الرَّجلِ محمَّدٍ رسولِ اللَّهِ، فأمَّا المؤمنُ، فيقولُ: أشهَدُ أنَّهُ عبدُ اللَّهِ ورسولُهُ، فيقول لَهُ: انظُر إلى مقعدِكَ منَ النَّارِ أبدلَكَ اللَّهُ بهِ مقعداً منَ الجنَّةِ، فيراهُما جميعاً)،[١] ومذهب أهل السنة والجماعة أنّ سؤال الملكين حقٌ وصدقٌ، وأنّ الميت تردّ إليه روحه فيُسأل على أي حالٍ كان موته، سواءً قُبر أم لم يُقبر، بل قالوا: لو تمزّقت أعضاؤه، أو أكلته السّباع أو غرق فمات في البحر فأكلته الحيتان، أو مات حرقاً أو سحقاً حتى صار رماداً نفثَ في الهواء، فلا بدّ أن يتعرّض لسؤال الملكين، وقد جاء الخبر بذكر الملكين ووصفهما على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (إذا قُبِرَ الميِّتُ؛ أتاهُ ملَكانِ أسودانِ أزرقانِ، يقالُ لأحدِهِما: المنكرُ، وللآخرِ: النَّكيرُ)،[٢] ويقرّر أهل العلم أنّ الحياة بعد الموت حياةً تختلف بطبيعتها عن حياة الإنسان في الدنيا كما ثبتتْ بذلك الأدلة، وأنّ القبر إمّا روضةٌ من رياض الجنة، وإمّا حفرةٌ من حفر النار، ويقرّر علماء أهل السّنة والجماعة أنّ العذاب أو النعيم يكونان للروح والجسد معاً في القبر.[٣][٤]

وقد شاءت إرادة الله -سبحانه- أنْ يتنقّل الإنسان في أربع دورٍ، وجعل -تعالى- كلّ دارٍ يُقيم بها الإنسان أعظم من التي قبلها؛ فالدار الأولى وهو في بطن أمّه، وذلك مدّة حمله في الرحم ذاك القرار المكين، أمّا الدار الثانية فهي دار الدنيا التي وُلد ونشأ فيها، واكتسبت فيها الكثير من أسباب السعادة والشقاء، والدار الثالثة هي دار البرزخ، وهي أوسع من دار الدنيا وأعظم، وقياس للحياة الدنيا كنسبة الدنيا إلى بطن الأم، والدار الرابعة هي دار الآخرة، وهي الدار الباقية، إنّها دار القرار؛ قرارٌ في الجنة أو قرارٌ في النار، وقد جرت سنة الله -سبحانه- أن يتنقّل الإنسان طبقاً بعد طبقٍ، وداراً بعد دارٍ حتى يصل إلى دار النهاية الأخيرة التي لا دار بعدها، وصدق الله العظيم إذ يقول: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).[٥][٦]

ولكن، هذه الحياة التي يقضيها الإنسان بعد الموت، ما اسمها، وما هي طبيعتها وخصائصها، وكيف يكون حال الميت فيها من ناحية النعيم أو العذاب، وهل هي بدايةٌ لليوم الآخر بالنسبة للميت، أم أنّ اليوم الآخر شيءٌ مختلفٌ عنها؟