ولد الشيخ محمد حامد الفقي بقرية “نكلا العنب” في سنة 1310هـ الموافق 1892م بمركز شبراخيت مديرية البحيرة. نشأ في كنف والدين كريمين وحفظ القرن وسنّه وقتذاك اثني عشر عامًا، وكان والده قد قسم أولاده الكبار على المذاهب الأربعة المشهورة ليدرس كل واحد منهم مذهبًا، فجعل الابن الأكبر مالكيًا، وجعل الثاني حنفيًا، وجعل الثالث شافعيًا، وجعل الرابع وهو الشيخ محمد حامد الفقي حنبليًا، ودرس كل من الأبناء الثلاثة ما قد حُدد من قبل الوالد ما عدا الابن الرابع فلم يوفق لدراسة ما حدده أبوه فقُبل بالأزهر حنفيًا.
بدأ محمد حامد الفقي دراسته بالأزهر في عام 1322هـ ـ 1904م وكان الطلبة الصغار وقتذاك يبدؤون دراستهم في الأزهر بعلمين هما: علم الفقه، وعلم النحو.
بدأ الشيخ محمد حامد الفقي دراسته في النحو بكتاب الكفراوي وفي الفقه بكتاب مراقي الفلاح وفي سنته الثانية درس كتابي الشيخ خالد في النحو وكتاب منلا مسكين في الفقه ثم بدأ في العلوم الإضافية بالسنة الثالثة، فدرس علم المنطق وفي الرابعة درس علم التوحيد ثم درس في الخامسة مع النحو والفقه علم الصرف وفي السادسة درس علوم البلاغة وفي هذه السنة وهي سنة 1910م بدأ دراسة الحديث والتفسير وكانت سنه وقتذاك ثمانية عشر عاما فتفتح بصره وبصيرته بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسك بسنته لفظًا وروحًا.
**بدايات دعوة الشيخ لنشر السنة: ***
لما أمعن الشيخ في دراسة الحديث على الوجه الصحيح ومطالعة كتب السلف الصالح والأئمة الكبار أمثال ابن تيمية وابن القيم وابن حجر والإمام أحمد بن حنبل والشاطبي وغيرهم، دعا إلى التمسك بسنة الرسول الصحيحة والبعد عن البدع ومحدثات الأمور وأن ما حدث لأمة الإسلام بسبب بعدها عن السنة الصحيحة وانتشار البدع والخرافات والمخالفات.
فالتف حوله نفر من إخوانه وزملائه وأحبابه واتخذوه شيخًا له وكان سنه عندها ثمانية عشر عامًا سنة 1910م بعد أن أمضى ست سنوات من دراسته بالأزهر، وهذا دلالة على نبوغ الشيخ المبكر.
وظل يدعو بحماسة من عام 1910م حتى إنه قبل أن يتخرج في الأزهر الشريف عام 1917م دعا زملاءه أن يشاركوه ويساعدوه في نشر الدعوة للسنة الصحيحة والتحذير من البدع.
ولكنهم أجابوه: بأن الأمر صعب وأن الناس سوف يرفضون ذلك فأجابهم: أنها دعوة السنة والحق والله ناصرها لا محالة.
ثم انقطع منذ تخرجه عام 1917 م إلى خدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وحدثت ثورة 1919م وكان له موقف فيها بأن خروج الاحتلال لا يكون بالمظاهرات التي تخرج فيها النساء متبرجات والرجال ولا تحرر فيها عقيدة الولاء والبراء لله ولرسوله. ولكن بالرجوع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وترك ونبذ البدع وأنكر شعار الثورة (الدين لله والوطن للجميع).
** إنشاء جماعة أنصار السنة المحمدية***
أنشأ الشيخ جماعة أنصار السنة المحمدية في عام 1345هـ/ 1926م تقريبًا واتخذ لها دارًا بعابدين، ثم أنشأ مجلة الهدي النبوي وصدر العدد الأول في 1937هـ، لتكون لسان حال الجماعة والمعبرة عن عقيدتها والناطقة بمبادئها.
وقد تولى رياسة تحريرها فكان من كتاب المجلة على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ أحمد محمد شاكر، والأستاذ محب الدين الخطيب، والشيخ محيي الدين عبد الحميد، والشيخ عبد الظاهر أبو السمح، (إمام الحرم المكي فيما بعد)، والشيخ أبو الوفاء محمد درويش، والشيخ صادق عرنوس، والشيخ عبد الرحمن الوكيل، والشيخ خليل هراس، كما كان من كتابها الشيخ محمود شلتوت.
**صلابته في الدعوة: ***
يقول عنه الشيخ عبد الرحمن الوكيل: “لقد ظل إمام التوحيد والدنا الشيخ محمد حامد الفقي ـ رحمه الله ـ أكثر من أربعين عامًا مجاهدًا في سبيل الله، ظل يجالد قوى الشر الباغية في صبر، مارس الغلب على الخطوب واعتاد النصر على الأحداث، بإرادة تزلزل الدنيا حولها، وترجف الأرض من تحتها، فلا تميل عن قصد، ولا تجبن عن غاية، لم يكن يعرف في دعوته هذه الخوف من الناس، أو يلوذ به، إذ كان الخوف من الله آخذًا بمجامع قلبه، كان يسمي كل شيء باسمه الذي هو له، فلا يُداهن في القول ولا يداجي ولا يبالي ولا يعرف المجاملة أبدًا في الحق أو الجهر به، إذ كان يسمي المجاملة نفاقًا ومداهنة، ويسمي السكوت عن قول الحق ذلا وجبنا”.
عاش رحمه الله للدعوة وحدها قبل أن يعيش لشيء آخر، عاش للجماعة قبل أن يعيش لبيته، كان في دعوته يمثل التطابق التام بين الداعي ودعوته، كان صبورًا جلدًا على الأحداث، نكب في اثنين من أبنائه الثلاثة فما رأى الناس منه إلا ما يرون من مؤمن قوي أسلم لله قلبه كله.
ويقول الشيخ أبو الوفاء درويش: “كان يفسر آيات الكتاب العزيز فيتغلغل في أعماقها ويستخرج منها درر المعاني، ويشبعها بحثًا وفهمًا واستنباطًا، ويوضح ما فيها من الأسرار العميقة والإشارات الدقيقة والحكمة البالغة والموعظة الحسنة، ولا يترك كلمة لقائل بعده، بعد أن يحيط القارئ أو السامع علما بالفقه اللغوي للكلمات وأصولها وتاريخ استعمالها فيكون الفهم أتم والعلم أكمل وأشمل”.
كانت اخر آية فسرها في مجلة الهدي النبوي قوله تبارك وتعالى: {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11]، في حوالي 22 صفحة.
**إنتاجه العلمي:***
كان الشيخ محبًا لابن تيمية وابن القيم، وقد جمعت تلك المحبة لهذين الإمامين الجليلين بينه وبين الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر، وكذلك جمعت بينه وبينه الشيخ شلتوت الذي جاهر بمثل ما جاهر به الشيخ حامد. ومن جهوده قيامه بتحقيق العديد من الكتب القيمة نذكر منها ما يأتي:ـ
1 ـ اقتضاء الصراط المستقيم.
2 ـ مجموعة رسائل.
3 ـ القواعد النورانية الفقهية.
4 ـ المسائل الماردينية.
5 ـ المنتقى من أخبار المصطفي.
6 ـ موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول حققه بالاشتراك مع محمد محيي الدين عبد الحميد.
7 ـ نفائس تشمل أربع رسائل منها الرسالة التدمرية.
8 ـ والحموية الكبرى.
وهذه الكتب جميعها لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن كتب الإمام ابن القيم التي قام بتحقيقها نذكر:
9 ـ إغاثة اللهفان.
10 ـ المنار المنيف.
11 ـ مدارج السالكين.
12 ـ رسالة في أحكام الغناء.
13 ـ التفسير القيم.
14 ـ رسالة في أمراض القلوب.
15 ـ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.
كما حقق كتباً أخرى لمؤلفين آخرين من هذه الكتب:
16 ـ فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن آل شيخ.
17 ـ بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني.
18 ـ جامع الأصول من أحاديث الرسول لابن الأثير.
19 ـ الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية لعلي بن محمد بن عباس الدمشقي.
20 ـ الأموال لابن سلام الهروي.
21 ـ الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل لعلاء الدين بن الحسن المرداوي.
22 ـ رد الإمام عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد.
23 ـ شرح الكوكب المنير.
24 ـ اختصار ابن النجار.
25 ـ الشريعة للآجري.
26 ـ العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية لمحمد ابن أحمد بن عبد الهادي.
27 ـ القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية لابن اللحام.
28 ـ مختصر سنن أبي داود للمنذري حققه بالاشتراك مع أحمد شاكر.
29 ـ معارج الألباب في مناهج الحق والصواب لحسن بن مهدي.
30 ـ تيسير الوصول إلى جامع الأصول لابن الديبع الشيباني.
**وفاته:***
توفي رحمه الله فجر الجمعة 7 رجب 1378هـ الموافق 16 يناير 1959م على إثر عملية جراحية أجراها بمستشفي العجوزة، وبعد أن نجحت العملية أصيب بنزيف حاد وعندما اقترب أجله طلب ماء للوضوء ثم صلى ركعتي الفجر بسورة الرعد كلها، وبعد ذلك طلب من إخوانه أن ينقل إلى دار الجماعة حيث توفي بها، وقد نعاه رؤساء وعلماء من الدول الإسلامية والعربية، وحضر جنازته واشترك في تشيعها الشيخ عبد الرحمن تاج، والشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، والشيخ أحمد حسين، وجميع مشايخ كليات الأزهر وأساتذتها وعلمائها، وقضاة المحاكم. فرحمه الله رحمة واسعة.