تقع كليات جامعة دمشق كلها وسط العاصمة السورية، ويشعر المرء للوهلة الأولى، وهو يدخل من بوابة احدى الكليات انه يدخل الى مكان اكل الدهر عليه وشرب. وعندما يصبح في داخلها يلاحظ انه في عالم مختلف عن العالم الذي كان فيه قبل دقائق: خليط من الشباب والشابات من طبقات اجتماعية متفاوتة جعلتهم الظروف يختلفون في رؤيتهم للأشياء ونظرتهم للواقع لكنهم يجتمعون لهدف واحد هو الدراسة والتخرج من دون تأخر.
نبيل خوري طالب في كلية الحقوق قال: المناهج الني تدرسها قديمة لا تواكب ما يحصل من تغيرات حولنا، فمثلاً، هل من المعقول ان تدرس كلية الحقوق كتاباً صدر عام 1976 ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين؟ مع العلم ان الجامعات في الدول المجاورة تعدل كتبها كل سنة او سنتين على الأكثر. فحتى تاريخ الفراعنة يطرأ عليه تغيير من فترة الى فترة. والمدرسون لا يعتمدون الكتب الجديدة لأنها ليست من تأليفهم بل يعتمدون ملخصاتهم او ما يلقونه في شكل شفوي في المحاضرات، وهنا يضيع الطالب بين الكتاب الذي يجب ان يكون الأساس في الدراسة وبين المحاضرات او الملخص. ويضيف خوري: اما بالنسبة الى إعطاء المحاضرات فهي تلقى في هنغارات عوضاً عن المدرجات. وهذه “الهنغارات” لا تصلح ابداً لإعطاء محاضرة فهي غير مجهزة بإذاعة وتفتقد وسائل المساعدة التدريسية. ومعظم المحاضرات يحضرها عدد كبير من الطلاب (1500طالب) احياناً. فمن يجلس في الخلف يحس انه في عالم آخر.
وفي موضوع الامتحان رأى الطالب خوري ان برامج الجامعة تأتي متأخرة مما يضرّ بالطلاب ويعرقل تحضيرهم للامتحان ناهيك عن التوزيع غير المنطقي للطلاب في قاعات الامتحان حيث يضطرون للوقوف امام لوحة اعلانات بحجم 4 امتار ليعرفوا اين سيقدمون امتحانهم. وغالباً ما يكون المكان المحدد خارج الكلية. وهذا يتكرر في امتحان كل مادة.
ويضيف هذا الشاب قائلاً إن ورقة الامتحان هي عبارة عن اربع اوراق وليست كراساً، ومعظم الأوراق لا تصحح، ولفت انتباهنا ممازحاً بأن الذي لا يصحح هو ورقة الإجابة لا المسودة.
ويتابع الطالب هذا ساخراً: إياك ان تقدم طلب اعتراض على نتيجة مادة فهذا يعني طلب استقالة من الجامعة.
اما نتائج الامتحان فتصدر بالتقسيط المريح جداً لتتناسب معنا نحن اصحاب الدخل المحدود.
ويقول مجد، الطالب في جامعة دمشق: إن اكثر ما يزعجني في هذه الكلية التي ادرس فيها هو ان القرارات التي تصدر عن ادارة الجامعة لا يعلم بها إلا ثلاثة هم الإدارة والدكتور المختص “ورب العالمين”: فأنا الى الآن لم اجد من يشرح لي ماهية القرار الصادر بشأن مادتي اللغة الإنكليزية والثقافة. وكذلك تزعجني البيروقراطية المتفشية، فأصغر ورقة بحاجة الى يوم كامل من الجري بين الكلية والهنغارات والأقسام الإدارية.
ويضيف احد الطلاب ان “مصيبتي هي في مادة التدريب الجامعي فهي مادة مفروضة على الطلاب سنوياً وهي مرسبة، ولا يتخرج الطالب من دونها. فعلى الطالب ان يقضي 15 يوماً في الصحراء (منطقة اسمها: الضمير) حيث لا يفعل شيئاً ولا يتعلم شيئاً، وينام في خيم مهترئة يعاني سوء الطعام وقلة النظافة. انا اسأل لماذا لا يجعلون هذه المادة اختيارية؟
تكلمت مايا، طالبة في كلية الآداب بعفوية لا تخلو من البراءة:
هنالك نواح سلبية في جامعتنا لكن، في الوقت نفسه، هنالك ايجابيات لا نستطيع تجاهلها. فإدخال مادة المعلوماتية الى المناهج امر مهم جداً ويواكب ما يحصل من تطور في عالمنا.
ماجد طالب بكلية الآداب: كل ما ذكره زملائي صحيح نسبياً لكنني ألفت النظر الى ما تتميز به الجامعة السورية، اي مجانية التعليم. فأنا واحد من سبعة اخوة ووالدي عاجز عن العمل، ولو لم تكن الجامعة مجانية لما كنت هنا الآن. والكثير من الطلاب لا يستطيعون الدراسة في الجامعة الافتراضية او التعليم الموازي لغلاء الأجور، اما هنا فكل شيء مجاني وندفع رسماً رمزياً.
وللوقوف على رأي إدارة جامعة دمشق في ما طرحه الطلاب حاولنا لقاء رئيس دائرة الإعلام في الجامعة لكنه اعتذر بطريقة لبقة متذرعاً بضغط العمل.
ان مجمل ما تقدم من طروحات تظهر مدى الحاجة لإعادة النظر في اسلوب التعليم الجامعي في سورية من وجهة نظر طلاب هذه الجامعات. وذلك في وقت يرى فيه الكثر ان الحكومة السورية تقدم خدمة كبيرة للراغبين في متابعة تحصيلهم العلمي العالي من خلال مجانية التعليم وقانون الاستيعاب الجامعي.
ــــــــــــــ
الحياة 2002/12/24