وفاة الشيخ أحمد بن حجر آل بو طامي 5 من جمادى الأولى 1423 هـ (2002م)
الشيخ أحمد بن حجر آل بو طامي عالم جليل، وقاض نزيه، وخطيب واع، وفقيه مشهود له بسعة الاطلاع كانت له مواقف مشهودة في نصرة العقيدة السلفية و الذب عنها كما كان له دوره الواضح في النهضة العلمية والإصلاحية في منطقة الخليج.
حمل أعباء القضاء في دولة قطر ومن قبلها في رأس الخيمة بكل أمانة ونزاهة وإخلاص لمدة تزيد على نصف قرن فكان بفضل الله سبباً في حل المشاكل المعقدة والشائكة في علم ونزاهة وسرعة وحسم.
قام بالدعوة الى الله ومحاربة البدع والخرافات التي ألصقت بالدين وتصدى للمنحرفين عن الدين فكشف انحرافاتهم ودعاهم إلى الحق والسير على النهج الإسلامي الصحيح.
كانت حياته حافلة بالعطاء في مجال القضاء الشرعي والدعوة إلى الله وتوعية المسلمين بما يجب عليهم نحو دينهم وأمتهم، كما أغنى المكتبة الاسلامية بعشرات المؤلفات التي تنم عن أفق واسع علم غزير.
اسمه و نشأته
اسمه : أحمد بن حجر بن محمد بن حجر بن أحمد بن حجر بن طامي بن حجر بن سند بن سعدون آل بو طامي آل بن علي.
ينتسب إلى قبيلة بني سليم الذين كانوا يسكنون فى حرة بنى سليم قرب المدينة المنورة ثم انتقلوا إلى “يبرين” وهى بلدة جنوب الاحساء فيها ماء ونخيل ثم انتقلوا إلى “دارين” بالقطيف في المملكة العربية السعودية ثم تفرقوا في أقطار شتى في الخليج وأفريقيا وفارس والهند، أما آل بو طامي فسكنوا الزبارة شمال قطر ثم انتقلوا منها إلى البحرين وساحل عُمان وجزيرة قيس.
ولد الشيخ حوالي سنة 1335هـ ( 1915م) (أو قبلها أو بعدها بقليل) في بلدة “طاهري” و هي ميناء من توابع مقاطعة “كنغان” بمحافظة بوشهر من بلاد فارس على الساحل الشرقي للخليج و كانت هذه المناطق تتبع لحكم ” القواسم ” الذين كانوا يحكمون رأس الخيمة و الشارقة في ذلك الوقت.
طلبه العلم
ابتدأ طلبه للعلم على يد إمام مسجدهم، في بلدة “طاهري” واسمه محمد عبد الله، فدرس عليه في كتاب “شرح ابن قاسم على متن أبي شجاع” ثم على يد شيخ ضرير في قرية مجاورة اسمه عبد الرحمن بن محمد الخونجي درس عليه كتاب “عمدة السالك” وكذلك كتاب “شرح ابن قاسم على متن أبي شجاع” .
ثم سمع بمدرسة كبيرة فيها مدرسون وتستقطب الطلاب وتوفر لهم السكن فنزعت نفسه إليها، وهي مدرسة الحنفي في “نخل خلفان” ناحية عبيدل في بلاد فارس، فارتحل إليها في عام 1348 هـ .
وفي هذه المدرسة كانت بداية التأصيل العلمي القوي للشيخ، حيث تلقى فيها على يد ثلة من المدرسين فيها في مقدمتهم الشيخ العالم أحمد نور بن عبد الله آخند، فدرس عليه في الفقه الشافعي(فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين) وفي العقائد كتابه (المواهب الإلهية في الفرق الإسلامية) وللشيخ أحمد نور شرح عليها، ودرس عليه العقائد النسفية وكان الشيخ أحمد نور سلفي العقيدة يزيف آراء المؤولة و يثبت الصفات لله كما جاءت في القرآن و السنة مما كان له الأثر على تلميذه الشيخ أحمد بن حجر منذ صغره .
ودرس هناك أيضاً على ابن أخي الشيخ أحمد نور وهو الشيخ عبد الله بن محمد حنفي في علم الفقه والعقائد والنحو والتجويد والفرائض، وغير ذلك مما كان يدرس في تلك المدرسة.
ولكن ما زالت نفس الشيخ رحمه الله تتوق إلى المزيد من العلم والتعلم فسمع بالأحساء، وما فيها من العلماء وطلبة العلم فرحل إليها في عام 1350 هـ .
وفي الأحساء سكن في رباط الشيخ أبي بكر بن عبد الله الملا وهو عبارة عن مدرسة مكونة من طابقين يسكنها الطلاب الغرباء و بعض المواطنين من الطلاب العزاب، ودرس هناك على يد الشيخ الجليل عبد العزيز بن صالح العلجي المالكي رحمه الله (المتوفى عام1362هـ)، وقد درس عليه في النحو “قطر الندى “، وفي الصرف منظومته “مباسم الغواني” التي شرحها الشيخ ابن حجر بعد ذلك، ودرس عليه في البلاغة “عقود الجمان في علم البديع والبيان”، وفي العروض والقوافي “الكافي لعلم العروض و القوافي”، وشرح السلم في المنطق، وفي الفقه منظومة شيخه الفقهية (التي تقارب أربعة آلاف بيت) ورسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي ولازمه أربع سنوات ملازمة تامة.
ومن شيوخه في الإحساء الشيخ أحمد بن محمد العلي العرفج الشافعي تلقى منه علم الفقه على المذهب الشافعي، والشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي بكر الملا في النحو و البلاغة و كتاب سبل السلام و مصطلح الحديث.
والشيخ عبد العزيز بن عمر بن عثمان آل عكاس السبيعي الحنفي درس عليه في مشكاة المصابيح، وبهجة المحافل في السيرة النبوية وفي عقيدة الصابوني، وكان متميزا بعقيدته السلفية.
بقي الشيخ في الأحساء مدة أربع سنوات ثم انتقل إلى قطر وأقام في “الظعائن” شهرين ومنها إلى رأس الخيمة و سكن في “المعيريض” وكان ذلك عام 1354هـ.
حياته العملية
لم يصل الشيخ رحمه الله تعالى إلى رأس الخيمة إلا وقد تأصل في جميع الفنون وتأهل للتدريس والخطابة والقضاء والفتوى، وللقيام بكل ما يوكل إلى أهل العلم من المهام، ولذلك لم يلبث في رأس الخيمة مدة وجيزة حتى ظهر علمه وفضله وصار محل ثقة الناس واطمئنانهم إلى علمه ودينه وصدقه، ففي سنة 1356هـ (1937م )، أي بعد قدومه رأس الخيمة بسنتين، و هو شاب قارب العشرين، أخذ الشيخ سلطان بن سالم القاسمي حاكم رأس الخيمة في ذلك الوقت يرسل للشيخ ابن حجر بعض القضايا التي لا يرتضي أصحابها حكم القاضي الرسمي ليحكم فيها، وهذا واضح في الدلالة على اشتهار الشيخ بالعلم والعدل وهو في مقتبل عمره.
ثم عينه الشيخ صقر بن محمد القاسمي قاضيا رسميا 1371هـ (1951م ) بعد أن مارس القضاء نحوا من 14 عاماً بصفة غير رسمية واستمر حتى العام 1375هـ (1956م)ـ
وفي نفس العام تلقى الشيخ دعوة من الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية آنذاك ليكون مدرسا في معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض فلبى الدعوة ودرس فيه سنتين، وكان في ذهابه و إيابه يمر بالدوحة.
وفي عام 1378 هـ (1958م)طلب منه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود أن يكون إلى جانبه في قطر، وأن يلي القضاء فقبل الشيخ رحمه الله فهاجر إليها واستقر بها وباشر القضاء في قطر منذ عام 1378هـ و استمر في عمله حتى أصبح رئيساً للقضاء في المحكمة الشرعية عام 1404هـ، واستمر كذلك حتى عام 1411هـ، حيث تمت الموافقة على إعفائه من أعمال القضاء، بعد أن تكرر طلب الشيخ الإعفاء مراراً ثم تفرغ رحمه الله لما أراد من التأليف ونشر العلم.
من أقواله
– المسلم مأمور أن يغير المنكر إذا رآه، فإذا لم يستطع أن يزيله فليزل هو عنه، ولينأى عن موطنه وأهله.
– لا ينبغي للإنسان الحريص على دينه والمتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يغتر بقول عالم مهما سمت منزلته وعلت درجته وكثرت مؤلفاته حتى يزنه بميزان الكتاب والسنة.
– الصوم ينمّي في نفسِ المؤمن الأمانة وملكة المراقبة أمام الله حتى إنه يبلغ به الجوع والظمأ جهد الطاقة فلا يخون الأمانة بالأكل والشرب مع كونه لا رقيب عليه من الأنام ولكنه يعلم أن الرقيب عليه هو الملك العلام.
– الصوم يحفظ على القلب و الجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى.
– ولن يفلح الناس إلا بالعودة إلى شريعة ربهم. . والمباعدة بين الجنسين. كل منهما يعمل في ميدانه الذي أمر به. . غير باغ و لا عاد.
– فالتوحيد من أعظم بل أعظم أسباب المغفرة، فهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة.
– ومهما ارتقىٰ العقل البشري؛ فإنه لا يستطيع أن يخرق الحُجُب ويعرف تفصيل علم الغيب الذي جاءت به الرسل.
– فلم ينفع يوسف شرف نسبه ولا جماله الباهر، وإنما نفعه العلم؛ حيث أخرجه من السجن، وبوَّأه شؤون المملكة المصرية وإدارتها.
– “العقول السليمة لتحكم بتحريم الخمر والميسر لما فيهما من الأضرار التي تفوق العد والإحصاء ولو لم تأت بتحريمهما شريعة”.
– “وإنما الميزان الوحيد للولاية هو اتباع كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم”.
– “إن الإسلام رتب للمرأة حقوقاً لم تبلغها قبله ولن تنالها بعده، كان ذلك بغير نضال ولا صيحات ولا اجتماعات ولا مقررات، ولكنها شريعة الله التي تعطي كل ذي حق حقه بغير انتقاص ولا ضياع”.
مؤلفاته
امتاز الشيخ ابن حجر آل بو طامي رحمه الله بإنتاجه الوافر وقلمه السيّال، فقد خلَّف وراءه العديد من المؤلفات التي نفع الله بها المسلمين، وكانت محاور كتبه تدور حول علوم الشريعة الإسلامية، كالتوحيد، والفقه، وقضايا المجتمع الإسلامي، ونحو ذلك.
وقد بلغ عدد مؤلفاته نحو ثمانية وعشرين مؤلَّفًا، بعضها طبع أكثر من مرة، وهذه قائمة بمؤلفاته المطبوعة:
(1) جوهرة الفرائض (منظومة).
(2) الدرر السنية في عقد أهل السنة المرضية (منظومة).
(3) اللآلئ السنية في التوحيد والنهضة والأخلاق المرضية (منظومة).
(4) نيل الأماني شرح منظومة مباسم الغواني في علم الصرف.
(5) تطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران.
(6) الخمر وسائر المسكرات تحريمها وأضرارها.
(7) الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه.
(8) الرد الشافي الوافر على من نفى أمية سيد الأوائل والأواخر.
(9) الإسلام والرسول في نظر منصفي الشرق والغرب.
(10) تطهير المجتمعات من أرجاس الموبقات.
(11) تحذير المسلمين من البدع والابتداع في الدّين.
(12) سبيل الجنة بالتمسك بالقرآن والسنة.
(13) الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر المفترى عليه.
(14) شرع العقائد السلفية بأدلتها العقلية والنقلية.
(15) إعانة القريب المجيب في اختصار الترغيب والترهيب وشرحه تحفة الحبيب.
(16) تنزيه السنة والقرآن عن أن يكونا من أصول الضلال والكفران.
(17) الأجوبة الجلية عن الأسئلة الهندية (تشتمل على كيفية صلاة النبي).
(18) القاديانية ودعايتها الضالة والرد عليها.
(19) البابية والبهائية وأهدافها في دعوة النبوة والرد عليهما.
(20) الأدلة من الكتاب والسنة في حكم الخمار والنقاب.
(21) إرشاد السالك إلى أحكام المناسك.
(22) القول الوضّاح فيما يجري في الولائم والأفراح.
(23) إعلام الأنام بالغناء المباح والحرام.
(24) الجمعة ومكانتها في الدين.
(25) نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين.
(26) الأدلة الساطعات في إثبات المعجزات والكرامات.
(27) القول الأقوم في عموم رسالة سيدنا محمد إلى جميع الأمم.
(28) الرد الصريح المبين على من نسب النقص إلى الدين وطعن في الصحابة والفقهاء المعتبرين و حث على خروج المرأة في كل الميادين.
وقد أصدرت وزارة الأوقاف القطرية وفق الله القائمين عليها مجموع مؤلفاته في 12 مجلدا.
و مما تجدر الإشارة إليه أنه قد كتبت عدة دراسات عن الشيخ منها
1- أطروحة للدكتوراه بعنوان “جهود العلامة أحمد بن حجر آل بوطامي في تقرير عقيدة السلف والرد على المخالفين“ للباحث إسماعيل بن غصاب العدوي، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
2- أطروحة ماجستير بعنوان “جهود الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في الدعوة إلى الله“ للباحث غلاب بن حماد الزائدي، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .
3- أطروحة ماجستير بعنوان “ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﺦ أحمد بن حجر آل بوطامي في النوازل الفقهية جمعاً ودراسة” إعداد عبد الله بن يوسف بن نيروز بن إبراهيم؛ بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض.
وفاته
أصاب الشيخ مرض ألزمه الفراش مدة طويلة، حتى وافته المنية صباح الثلاثاء الخامس من جمادى الأولى سنة 1423هـ، الموافق 14 يونيو 2002 م عن عمر ناهز ثمانية وثمانين عامًا تقريباً، وصلى على الشيخ في جامع عمر بن الخطاب بالدوحةعقب صلاة العصر وكانت جنازته مهيبة وودعه المسلمون داعين الله أن يغفر له وأن يرحمه وأن يسكنه فسيح جناته.