نريد أن نتحدث اليوم عن ذكاء ملكة سبأ التي يقال ان اسمها بلقيس، لطالما نوه القرآن الكريم بنساء عديدات، يذكر من مواقفهن البطولية وثباتهن في الشدائد، وسعيهن في الخير واعترافهن بالحق ما لا يسع الوقت لذكره، ويكفي أن نعلم: أن موسى عليه السلام نجا من القتل بتدخل امرأة فرعون {وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه}.
وعيسى عليه السلام كان كرامة من الله سبحانه لأمه مريم لقاء عفتها وتحنثها وقنوتها كما يفيده القرآن {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلماته ربها وكتابه وكانت من القانتين}.
وخديجة بنت خويلد هي من ثبتت النبي صلى الله عليه وسلم أولَ ما نبئ بالوحي وقالت له: والله لا يخزيك الله أبدا .
ونريد أن نتحدث اليوم عن ذكاء ملكة سبأ التي يقال ان اسمها بلقيس، فهذه المرأة حكى الله من شأنها مع سليمان عليه السلام ما تعلمون، وفي تلك القصة مواقف عديدة تدل على ذكاء هذه المرأة ونبوغها وكونها أهلا لتولي إمارة سبأ !
1- حكم هذه المرأة لليمنيين دليل قاطع على أنها كانت في العقل والحكمة والرزانة بمكان، ولولا ذلك ما ولوها أبدا، فهذا أمر مشين عند العرب منذ الأزل، أما وقد كسرت هذه المرأة تلك القاعدة فذلك دليل على سبب وجيه للكسر وهو ما قلناه.
2- لما قرأت كتاب سليمان لم يستفزها أمره بالاستسلام، بل أعجبت به إلى الغاية وراقها تعبيره ومضمونه، ولذلك وصفته بالكريم {إني ألقي إلي كتاب كريم} أي نفيس وذو شأن، وهذا دليل على أنها بعيدة عن الكبرياء والعجرفة والغرور.
3- لما تلت كتاب سليمان على وزرائها وأعوانها لم تغرهم بالحرب والقتال بل وقع في كلامها ما يحثهم على الطاعة والاستسلام؛ وذلك حين وصفت الكتاب بأنه {كريم} وحين سمت مرسلها باسمه المجرد (سليمان) دون نعته بالعدو وما شابه، ففهم قومها ذلك، وهم أهل حكمة وفطنة.
4- لم يكن استسسلام بلقيس عن جبن وخوف وهلع من نبي الله سليمان عليه السلام، بل لما وقر في قلبها من صدق هذا النبي ومن نصحه ولما كان في قلبها بعض الشك اختبرته لتزيل الشك باليقين كما سيأتي.
5- ضربت بلقيس أروع المثل في الشورى وعدم الاستبداد بالرأي، فلم تصدر أمرها فورا بالاستسلام أو بالحرب، وإنما جمعت قومها واستشارتهم، وفي ذلك ضمان لنفسها من مغبة عاقبة الإقدام أو الإحجام، ولكم أن تتخيلوا لو كان ملك اليمن في ذلك الوقت رجلا كيف كان سيكون رأيه وكيف كانت العاقبة ستكون ؟!
6- لما رأت من قومها تفويض الأمر لها {نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} بررت الإحجام عن قتال سليمان عليه السلام، ولم تختره بصريح العبارة، وذلك غاية ما يكون من الذكاء والفطنة، {قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة}.
7- وهذا التعليل منها يدل على كمال عقلها وكمال شفقتها وكمال غيرتها على الحرمات ويدل أيضا على واقعيتها، فهي واثقة من تغلب سليمان عليه السلام لو خاضت معه حربا.
8- في قول قومها لها: {نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} دليل على أن هذه المرأة كانت تفوق الرجل في القدرات العقلية، فهاهم الوزراء والاعوان يصرحون لها بأنهم أهل قوة وبأس شديد ولكن الأمر مردود إليك فاختاري ما ترينه أنسب وأليق بالعاقبة.
9- لقد أيقنت ملكة سبأ أن سليمان ليس مجرد ملك بل لا بد أن يكون نبيا مسددا بوحي من السماء، غير أنه خالجها بعض الشك في ذلك، فاختبرته بما قص الله من شأنها إذا قالت لقومها: {وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون}
قال القرطبي: “هذا من حسن نظرها وتدبيرها، أي إني أجرب هذا الرجل بهدية، وأعطيه فيها نفائس من الأموال، وأغرب عليه بأمور المملكة، فإن كان ملكا دنياويا أرضاه المال وعملنا معه بحسب ذلك، وإن كان نبيا لم يرضه المال ولازمنا في أمر الدين، فينبغي لنا أن نؤمن به ونتبعه على دينه، فبعثت إليه بهدية عظيمة”
10- أخيرا حين قدمت هذه الملكة طواعية على سليمان عليه السلام بعدما وثقت من نبوته أقرت عنده بظلمها وظلم قومها إذ عبدوا مخلوقا لا ينفع ولا يضر {قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} ولا نرى في العقول كمالا أعظم من هذا وأوفر.
– وهكذا قادت هذه المرأة الحكيمة أمتها إلى الفلاح والنجاح، بكل حنكة واقتدار، وهذا يدل على رجحان عقلها، وجمعها لخصال الخير، فخلد الله بذلك تاريخها وهدى بها قومها.