وفاة شاعر العروبة والإسلام محمود غنيم 15 شعبان 1392 هـ (1972 م):
الشاعر الكبير محمود غنيم من كبار شعراء العالم العربي وكانت قصائده في حينها تهز المحافل الأدبية، و قد تميز شعره بغزارة الفكر، وحلاوة الإيقاع؛ وعذوبة اللفظ، والحس المرهف، والشاعرية الأصيلة.
نظم محمود غنيم في مجالات الشعر الاسلامي والعربي والقومي والسياسي والاجتماعي والفكاهي.
مولده ونشأته:
ولد “محمود محمد غنيم” 25 ديسمبر عام 1901م في قرية “مليج” وهي إحدى قرى محافظة المنوفية، وتفتَّحت عيناه على خضرة الريف وهدوئه ونقائه وقيمه فتأثر بهذه الطبيعة البكر، فكانت بمثابة رافد من روافد الأصالة والانحياز إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وقد نشأ في أسرة يحترف أفرادُها مهنتَي الزراعة والتجارة، وهي من أكثر المِهَن شيوعًا في الريف المصري.
تعليمه ودراسته:
بدأ محمود غنيم حياته التعليمية- شأنه شأن الكثيرين من عمالقة الأدب والفكر المسلمين في القرن العشرين- في الكُتاب، وحفِظ القرآن الكريم، ثم نهل من علوم العربية والعلوم الشرعية، وبعد مرحلة الكتَّاب التحق وهو ابن الثالثة عشرة بالمعهد الأحمدي الأزهري بطنطا، وظل به أربع سنوات، ثم التحق بمدرسة القضاء الشرعي، وقد ظل فيها أعوامًا ثلاثة، وقبل أن يحصل على شهادتها تم إلغاء دراسته بها، لكنَّه لم يقف عند هذا الحد، فالتحق بأحد المعاهد الأزهرية ونال منه الشهادة الثانوية، وبعد ذلك التحق بمدرسة دار العلوم، وكان ذلك عام 1925م، وتخرَّج فيها عام 1929م.
– وعين بعد تخرجه مدرسا بمدينة كوم حمادة بمحافظة البحيرة وكانت امنيته ان ينتقل الى القاهرة، فهي مركز الثقافة والصحافة والاضواء حيث نقل اليها عام 1938 وساعده في ذلك انطوان الجميل رئيس تحرير الاهرام آنذاك وبذلك تمكن من الاتصال بالصحافة والمجالس الأدبية واشتهر اسمه وظل يتدرج في وظائف التربية والتعليم بأنه الشاعر المصري الكبير محمود غنيم.
– في عام 1943م عمل مفتشا للنشاط الأدبي بالوزارة ثم عين مديرا لقسم المباريات الأدبية وإدارة المجمع اللغوي بإدارة الثقافة العامة بالوزارة.
ثم في عام 1946م عين مفتشا للغة العربية بالتعليم الأجنبي ثم مفتشا للغة العربية إلى أن وصل إلى مفتش عام اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم حيث أنهى حياته الوظيفية عام 1963.
– اختير عضواً بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وكان له دور بارز في الدفاع عن الشعر العربي في المعارك الأدبية التي شهدتها الساحة الثقافية مع نهاية الخمسينيات عند ظهور الشعر الحر.
رحلته مع الشعر:
تجلت مواهبه الشعرية وهو لا يزال في مراحل الدراسة المبكرة وكانت أولى قصائده المنشورة في رثاء الزعيم محمد فريد وهو في سن السادسة عشرة من عمره، وحظيت تجاربه الأولى بترحيب الصحف اليومية والمجلات الأدبية حيث نشر شعره في الرسالة وأبوللو والثقافة وتصدرت قصيدته في رثاء سعد زغلول كتاب دموع الشعراء على سعد زغلول عام 1927.
كان محمود غنيم من جيل الشعراء الكبار الذي شبّوا على حب العربية، وبلاغتها، وشعرها، وتراثها، وكان للصحافة الأدبية، ولندوات الشعر، والأدب -في القاهرة- أثرهما الكبير في نفسه. ولا شك أن دراسته في الأزهر، ودار العلوم، ثم حياته، وعمله، وبيئته؛ قد أثرت في شعره وأصالته.
يتميز غنيم بغزارة شعره الإسلامي وتشكيله بعداً عميقاً في شعره إضافة إلى أنه يعكس الروح الإسلامية الغالبة على موضوعاته بصفة عامة مع تنوع موضوعات شعره الإسلامي كما أن وضوح الفكرة الاسلامية في شعره كل الوضوح حتى إنها لا تشكل لديه اتجاهاً فحسب بل منهجاً إسلامياً متكامل الأبعاد والملامح.
دواوينه:
جمع “محمود غنيم” أشعاره ونَشَرها في دواوين، وكان قد جمع ديوانه الأول وهو “صرخة في واد” عام 1947م، وتقدم به لأول مسابقة شعرية يُعدها مجمع اللغة العربية بالقاهرة ففاز بالجائزة الأولى.
أما ديوانه الثاني فكان بعنوان:“في ظلال الثورة”، وقد جمعه مما كان ينشره في الصحف والمجلات في المناسبات المتعددة، ونال عنه جائزة الدولة التشجيعية عام 1963م.
ومن دواوينه كذلك ديوان “رجع الصدى”، وقد اجتهد الشاعر في طباعته لكن القدَر لم يمهله، فانتقل إلى جوار ربه، وتمت طباعة الديوان بعد وفاته (طبع هذا الديوان عام 1399هـ = 1979م، وقد طبعته دار الشعب)، ومن سمات هذا الديوان البارزة تمجيد الكثير من قصائده للمبادئ والقيم الإسلامية التي تأثَّر فيها الشاعر بتاريخ الإسلام العظيم على مر عصوره
مسرحياته الشعرية:
أكثر هذه المسرحيات مستمدة من التاريخ العربي الإسلامي.
وهذه المسرحيات هي:
1- «المروءة المقنعة» 1944 م : وقد استلهم أحداثها من التاريخ الإسلامي والأموي.
3- «الجاه المستعار» 1945 م : وهي مسرحية اجتماعية، مؤلفة من واقع المجتمع المصري
3- «غرام يزيد» 1949 م : وهي مقتبسة من التاريخ الأموي. نال عليها جائزة وزارة الشئون الاجتماعية الأولى 1950م .
4- «يومان للنعمان»1958 م : مأخوذة من التاريخ الجاهلي، وتبين بعض تقاليد الملوك.
5- «النصر لمصر أو هزيمة لويس التاسع » 1961: وهي من التاريخ الأيوبي، وتصور كفاح مصر ضد الغزاة. نال عنها جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب .
نماذج من شعره :
نشرت له مجلة (الرسالة) في عددها الخاص بالهجرة سنة 1936م قصيدة بديعة، لروعتها سارت بها الركبان، وكان يتغنَّى بها الأدباء، ويقتبس منها الخطباء، واسم القصيدة “وقفة على طلل”، وهي من أشهر قصائد العصر، وأصدقها عاطفة، ولم يعرف في عصرها مثلها في غرضها.
يقول فيها
مالي وللنجم يرعاني وأرعـــاه أمسى كلانا يعاف الغمـضَ جفـناه
إني تذكرت والذكـرى مــؤرقــةٌ مجدًا تليدًا بأيدينــا أضعنـاه
ويْح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتـوارى فــي زوايــاه
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصًا جناحاه
كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفها وبات يحكمنا شعب ملكناه
إلى نهايتها حيث يقول
اللهُمَّ قد أصبحت أهواؤنا شيعًا فامنن علينا براعٍ أنت ترضاه
راعٍ يعيد إلى الإسلام سيرتُه يرعى بنيه وعين الله ترعاه
وهذه بعض الأبيات الرائقة من شعره
رضا الله
وما أُبالي بما في الكون أجمعه إن صحَّ منه الرضا عني وأرضاني
لبيك مِلْءَ فمي، لبَّيك ملْءَ دَمي لبَّيك يا ربِّ من قلبي ووِجداني
مناجاة
يا رَبِّ قدعشتُ في دُنياي مغتربًا ويلاه إن اغترِب في العالم الثاني
حاشاك يا رَبِّ في أُخراي تحرمني يا ربِّ حسبي في دنياي حرماني
استغفار
أستغفرُ الله من كُفرانِ نعمتِهِ! بل فوق ما أَسْتحقُّ اللهُ أعطاني
ألم يجدِّني أخا غيٍّ فأرْشدَني؟ وهائمًا غير ذي مأوىً فآواني؟
نسيان بنسيان
يا ويحَ قومي! نَسُوا الله الكبيرَ فلم يذكرْهُم اللهُ ، نسيانٌ بنسيان
يا ربِّ شعبُك يشكو ما أحاط به من الخطوب فأدركْ شعبَك العاني
المعلم
فمن كان يرثي قلبه لمعذب فأجدر شخص بالرثاء المعلم
على كتفيه يبلغ المجد غيره فما هو إلا للتسلق سلم !
شكوى طريفة
إلى من أشتكي يارب ضيمي أرى نفسي غريبا بين قومي
فكم هتفوا بمحمود شكوكو وما شعروا بمحمود غنيم !!
اليأس جريمة
ولا أَمُنُّ على ربِّي بطاعتهِ إني أعوذ به من كل مَنَّانِ
عصيانُ ربِّكَ ذنب واحد، فإذا يئستَ من عفوِه، فالذنب ذَنبانِ
السلام الحقيقي
إنا نريد من السلام لُبابه لا لفظه أو صكَّه المكتوبا
إن تكتبوا للسِّلم عهدا فاجعلوا دمعَ الثكالى بالمداد مشوبا
أو فانقشوا بدم الضحايا خطَّهُ وتذكروا يومًا قضوْه عصيبا
صوغوه عدلاً للبرية شاملاً لا مرتعًا للأقوياء خصيبا
واستشهْدُوا الرحمن فيه عليكمو وكفى بربك شاهدًا وحسيبا
الحاسد
ربما يحسد إنسانا سواه حاسد لم يدر ما خلف القناع
يعرف الإنسان في الدنيا أساه ومآسي الغير سرٌ لا يُذاع
حكمة
وبحثنا عن ملذات الحياه فوجدناها على غير قياسْ
ساكنُ الكوخ غريقٌ في كراه ونزيلُ القصر يجفُوه النُّعاسْ
في الأمل
ما ألذَّ العيشَ في ظل الأملْ! فاسبحي، يا نفس، في جوِّ الخيالِ
لا تقولي: «ليس»، بل قولي: «لعلّ» وتعالَيْ نئدُ اليأس، تعالي
في جهاد النفس
جاهدتُ،يا ربِّ أعدائي فما وهَنت قواي لكن جهادُ النفس أعياني
إن عدتُ من حربها الشَّعواءِ منتصرًا حينًا ،فكم عدتُ أحيانًا بخذلان!
التعلم في الصغر
تعلَّمُوا في ربيع العُمرِواقتنصًوا من كل سفرٍ مفيد خيرَ ما فيه
وحصَّلوا، إنما التحصيلُ في صِغرٍ نقش على الصخر لا يمحوه ماحيه
قلة الوفاء
إني تمثَّلتُ الفضائلَ دوحةً فبدا لي الإخلاصُ غُصنًا ذاويا
هذا زمانٌ لا وفاءَ لأهلهِ إني بذلتُ المهرَ قبلكَ غاليًا