كلنا يدرك خطورة المرحلة التي نمر بها وتمر بها الأمة الإسلامية اليوم, وعلى كثرة النوازل والقوارع التي تقرع الأمة وتلم بها وتتسارع عليها, إلا أن كثيرًا من المسلمين ما زالوا يقيمون هذه القواصم وينظرون إليها من جهات متفاوته, فهذا ينظر إليها من منظور اقتصادي, وآخر من منظور سياسي, وثالث من منظور اجتماعي. وقل من ينظر إليها من منظور شرعي .
لقد أغفل الكثير من المسلمين ثوابت أدلت بهذا الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم وأدت إليه. أولها الغفلة عن علم الله السابق لكل ما يقع في الكون, ثم الغفلة عن أن النصر من عند الله, ثم الغفلة عن أن النصر لا يطلب إلا من الله, ثم الغفلة عن أن العزة لله جميعا ومن طلبها من سواه ذل, ثم الغفلة عن أن ما يصيب المسلمين إنما هو بسبب ما كسبت أيديهم, والبعد عن دين الله وتطبيقه في حياة المسلمين, ومنها غير ذلك.
1 ـ فالغفلة عن علم الله السابق تجعل المسلم يشعر بفجاءة الأحداث والنوازل, فتبدو له كأنها وليدة ساعتها وهو لا يدري أن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة, كما ورد في الحديث الصحيح عند مسلم. فينصرف ذهنه إلى عالم الـ (لو), ويفتح على نفسه بابا من أبواب الشيطان, فيقول: “لو كان كذا لكان كذا..” وهو عين ما حذرنا منه الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.
2 ـ وأما الغفلة عن أن النصر من عند الله, فهذه مسألة فرضها على كثير من الخلق الواقع المر الذي يعيشونه والتفاوت الكبير في القدرات العسكرية والقوى المادية، فغفل العامة عن مصدر النصر الأساسي وبابه الأصلي، ولو رجع الناس لكتابهم، كما أمروا في النوازل وغيرها، لوجدوا آيات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة, منها ما ذكر بها الله المؤمنين بحالهم يوم الأحزاب وما ابتلاهم . ثم أشار جلت قدرته إلى نصرة المؤمنين يوم الفرقان – يوم بدر- هذه المعركة التي تشتاق لسماعها الآذان, وتختلج القلوب فرحا بنصر المؤمنين على المشركين, أما أن نقول: تتعظ بها النفوس« فهذا أمر بالنسبة لنا لا يعول عليه اليوم, ذلك بأن واقعنا ومنهاج حياتنا ليس فيهما ما يدل على الاتعاظ بها. قال ابن كثير: وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله, ودفع الشرك وخرب محله وحزبه, وبيض وجه النبي وقبيله, وأخزى الشيطان وجيله, ثم قال: وأنتم أذلة أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد. واستشهد ابن كثير كذلك بما رواه الإمام أحمد: أن عياضا الأشعري قال: “شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء.. وقال عمر – رضي الله عنه: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة, قال فكتبنا إليه أنه قد جأش إلينا الموت, واستمددناه, فكتب إلينا أنه قد جاءني كتابكم تستمدونني, وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا, وأحصن جندًا , الله عز وجل فاستنصروه, فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصر في يوم بدر في أقل من عدتكم. فإذا جاءكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني, قال: فقاتلناهم فهزمناهم”.
فانظر إلى واقعنا وكيف غفلنا عن حقيقة أن العزة لله جميعا. وصار من المسلمين من يبتغي العزة عند الكافرين.
3 ـ وأما الغفلة عن أن ما يصيب المسلمين من مصائب هو عدل من الله. ذلك بأن الله جلت قدرته قد شهد لنفسه وشهدت له ملائكته وأولو العلم أنه قائم بالقسط. لذا فإن ما يصيب العبد إنما يكون بسبب إتيان الذنوب كما في التنزيل: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)[الشورى:30] قال جمع من المفسرين: إن المصائب هي الأحوال المكروهة كالأمراض, والصواعق, والبلاء, وغير ذلك من النوازل بسبب السيئات التي يقترفها العباد, فهي عقوبات الذنوب وكفاراتها, وقالوا: ونظير مقدمة الآية قوله تعالى: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم)[النساء: 160] قال ابن كثير: فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود, ولا اختلاج عرق, ولا عثرة قدم إلا بذنب, وما يعفو الله عنه أكثر.
يا قومنا ألم يمسخ قوم قبلنا قردة وخنازير لما باتوا في لهو وطرب? ألم يغرق الله أقواما ويخسف بآخرين كل ذلك بسبب المعاصي والذنوب، ثم بعد كل هذا نتساءل: لم لا ينصرنا الله على أعدائنا? ومن أين أتانا كل هذا؟..(قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيئ قدير)[آل عمران: 165] .