ـ علماء الشرع غير ملمين بالمهارات الاتصالية، وأداؤهم يؤدي لانصراف المشاهدين
ـ ضيق هامش الحرية أدى لتجاهل العديد من القضايا الهامة
ـ التلفزيونات تمنحها أسوأ أوقات المشاهدة، وتوفر لها أقل الميزانيات
……………………..
لماذا ينفر الناس من البرامج الدينية المتخصصة؟ وما السر في هذه القطيعة المتصلة بين العلماء الدارسين في الكليات الشرعية وبين جمهور التلفزيون ، في حين يقبلون على الدعاة “الهواة” الذين يبدؤون رحلة قصيرة مع الدعوة في المساجد ليصبحوا بسرعة البرق نجومًا في برامج الدعوة في التلفزيون.
في هذا الموضوع نناقش أسباب الفشل، كما نسعى إلى وضع وصفة النجاح التي يمكن عن طريقها وصل حبال الود بين المشاهد والبرامج الدينية.
في البداية كانت لنا جولة بين المشاهدين لاستطلاع رأيهم حول مستوى البرامج الدينية.
يقول محمود عبد الوهاب – موظف بإحدى الهيئات الحكومية: لا أتابع من البرامج الدينية في التلفزيون المصري إلا برنامج الشيخ محمد متولي الشعراوي، أما البرنامج الأخرى فإما أنني لا أتحملها، أو أنها تأتي في مواعيد لا تناسبني، فكثير من البرامج الدينية تأتي في فترة الصباح، حيث يكون جميع الرجال في العمل، وعندما نعود إلى المنزل لا يعرض إلا البرامج الترفيهية وبرامج الأغاني، ولذلك يمكن القول: إنني مقاطع للبرامج الدينية في التلفزيون بصورة شبه كاملة، ومصدر معلوماتي الدينية عادة هي إذاعة القرآن الكريم لأنها تعمل على مدار الساعات الأربع والعشرين، كما أن برامجها وضيوفها متنوعون.
أما أحمد عيد – الطالب بكلية الإعلام بجامعة القاهرة- فيقول: إن أسوأ ما في البرامج الدينية هو مستوى إعدادها وتقديمها، فعلى مستوى الإعداد فجميع الأسئلة التي تطرح هي ذات المطروحة منذ سنوات دون أدنى تغيير، بما يعني أن الحلقة التي تعرض هذا الأسبوع يمكن أن تكون قد عرضت قبل ذلك بعشرة أعوام دون أن يحس المواطن بالفرق، وحتى عندما يحاول المذيع أن يتطرق إلى قضية من قضايا الساعة فإن معلوماته الشخصية لا تسعفه، ولذلك تكون المعالجة غير مقنعة.
وأسوأ ما في البرامج الدينية من وجهة نظر شاب آخر هو حسين ربيع – الطالب بكلية التجارة بجامعة القاهرة – هو أن الشيوخ يتحدثون فيها بنفس الطريقة التي نفرت الناس من صلاة الجمعة، فهم في أغلب الأحيان لا ينظرون إلى الكاميرا، ويأتي حديثهم على وتيرة واحدة دون تفاعل مع الكلمات، فيصاب المشاهد بالملل والرتابة حتى، وإن كان البرنامج لا يزيد عن خمس دقائق، كما أنه لا يحس بأن هذا الحديث موجه إليه، وربما يجلس لمشاهدة برنامج ديني حتى ينتهي ثم تكتشف أنه لم يعرف عن ماذا كانوا يتحدثون.
وتقول أميمة عبد الهادي – طالبة بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية: معظم البرامج الدينية التي لفتت نظري لا يقدمها مذيعو البرامج الدينية، بل هم مذيعون عاديون يقدمون البرامج الأخرى مثل عمرو قنديل وعلاء بسيوني وجمال الشاعر، فأنا أحس أن هؤلاء يعرفون كيف يتخاطبون مع الجماهير، وكيف يداعبون أوتار النفس، وذلك على الرغم من أننا نشاهدهم في برامج أخرى يتحدثون عن الفن، أو الرياضة أو المرأة وغير ذلك، وهذا يثبت أن العيب الأساسي في البرامج الدينية هي في مذيعيها غير الأكفاء.
مشكلة السياسة الموضوعة
وبعد هذه الآراء كان طبيعيا أن نتوجه إلى المذيع محمد عبد العزيز مدير البرامج الدينية في التلفزيون المصري الذي قال لنا: المشكلة ليست في مستوى مقدمي البرامج، فمقدمو البرامج الدينية في التلفزيون المصري يتم انتقاؤهم على أساس الكفاءة وسلامة اللغة والدراسة الدينية، ولا دخل للواسطة أو العلاقات الخاصة على الإطلاق في هذا الموضوع، وفي الحقيقة فمشكلة البرامج الدينية التي انصرف الناس عن مشاهدتها لا تخصنا على الإطلاق، بل هي في الأساس، مشكلة السياسة الموضوعة لهذه البرامج والتي نضطر للعمل في إطارها.
فحتى وقت قريب كانت البرامج الدينية تحصل في خطة البرامج على أقل الأوقات في كثافة المشاهدة، ومدة البرنامج لا تتعدى في معظم الأحوال 10 دقائق، ومن بين المدة التي يتم احتسابها علينا فقرات قراءة القرآن في بداية الإرسال وختامه، وفقرات نقل الأذان في الصلوات المختلفة، والأدعية والأحاديث والمأثورات التي ترد بعد الأذان، والخطة تحدد لنا الموضوعات التي نتطرق إليها، وفي أغلب الأحيان فإن قائمة الضيوف الذين يمكن التعامل معهم غير متسعة، ويقتصرون في العادة على أساتذة العلوم الشرعية بجامعة الأزهر، ولا تتعامل مع الدعاة المشهورين بين الناس، وربما لا يرد ذكرهم في البرامج على الإطلاق.
السبب وراء هذه القائمة المقيدة لا يعود إلى توجهات الدولة بقدر ما هو عائد إلى الحساسية الخاصة للبرامج الدينية؛ حيث اختار التلفزيون المصري أن يكون العلماء وحدهم هم الذين يحدثون الناس في أمور الدين، وألا يفتح لآحاد الناس أبواب وسائل الإعلام وهو غير مؤهل شرعا لمجرد أن حديثه يأسر القلوب وأن شهرته ملأت الآفاق.
وليس معنى ذلك ـ كما يقول محمد عبد العزيز ـ أن التلفزيون يرفض مبدأ الجاذبية في المادة الدينية والابتكار في وسيلة عرضها، فيحسب للتلفزيون المصري – حسب قوله- أنه هو من اكتشف الداعية الكبير محمد متولي الشعراوي وقدمه للناس، كما أنه قدم دعاة من أمثال الدكتور زغلول النجار، والدكتور عمر عبد الكافي، وقدم أيضا حلقات للداعية عمرو خالد.
قلت له: ولكن هذه الحلقات لم تستمر؟
قال: الأسباب مختلفة في كل حالة، فبعض الدعاة لا يفضل الاستمرار مع التلفزيون المصري وينتقل إلى الفضائيات بحثا عن جمهور أوسع، وربما عن الأجر المادي لأن التلفزيون المصري لا يقدم لضيوف برامجه أجرًا.
ضعف مستوى المذيعين
ولكن الدكتورة ماجي الحلواني أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة ترى أن السبب الحقيقي وراء تراجع البرامج الدينية يرجع بصورة أساسية إلى ضعف المستوى وضعف الحضور والجاذبية الذي يعاني منه مقدموها وضيوفها، وتقول: في البرامج الدينية يتم كسر كل المحظورات التي يحرص التلفزيون على عدم الوقوع فيها، فالمذيع لا يجرى له اختبار صوت، ولا اختبار كاميرا، ولا يتم تلقينه مبادئ الإلقاء وفن الجاذبية أمام الكاميرا، وكل ما يتم اختباره فيه هو قدرته على الحديث باللغة العربية، وقدرته على قراءة القرآن، ويفضل عادة أن يكون من خريجي الأزهر.
وللأسباب السابقة ترى الدكتورة ماجي الحلواني أن عددا من المذيعين غير المؤهلين كانوا أكثر نجاحا عندما قدموا برامج دينية، لأنهم يملكون المؤهلات الأساسية التي تجعل منهم نجوما يتعلق بهم المشاهدين، وفي اعتقادي – والكلام لها- فإن المؤهلات الإعلامية لمذيع البرامج الدينية أهم من المؤهلات الشرعية لأن دوره هو أن يبحث عن الإجابات لا أن يكون مصدر المعلومة بالنسبة للمشاهدين، وإذا كان المذيع إعلاميا ناجحا فإنه يستطيع أن يعد مادته جيدا، ويكون مقنعا لضيوفه ومقنعا للمشاهدين، ويمكنه أن يقدم برامج تحظى بالجاذبية.
العيب الثاني الكبير في البرامج الدينية حسب رأي الدكتورة ماجي هو ضعف ميزانيات إنتاجها، فالقنوات التلفزيونية عموما تقدم لمخرجي هذه البرامج أسوأ الإمكانيات، وأعني بذلك أقدم الكاميرات، وأسوأ أجهزة الصوت، وأرخص الديكورات، وفي ظل الإبهار الذي تقوم به القنوات حاليا فلا مجال إذن لهذه البرامج للمنافسة، وتبقى هذه البرامج مجرد ذرٍّ للرماد في العيون بالنسبة لمن وضعوها على خريطة البرامج.
مشكلة القنوات الدينية
نفس المشكلات التي تعاني منها البرامج التلفزيونية الدينية في القنوات العامة تعاني منها بصورة أكبر القنوات الدينية التي بدأت في الظهور مؤخرًا.. هذا الرأي هو ما يؤكد عليه أشرف حسن المخرج بالتلفزيون المصري، فإحدى هذه القنوات الكبرى لا تريد في البرامج الدينية أكثر من شخصين يجلسان أمام الكاميرا ليتحدثا في أي موضوع، أما خروج الكاميرا إلى الشارع لإضفاء مزيد من الحيوية على البرامج، أو التنقل بين أكثر من ديكور لنفس الغرض فهي أمور شبه مستحيلة، وهو أمر لا يحدث إطلاقا في القنوات العادية.
ويحكي أشرف: تقدمت لإحدى هذه القنوات بأفكار برنامج لأقوم بإخراجه، ولكنهم في كل مرة يطلبون مني أن أختصر الميزانية بتغيير أماكن التصوير أو تقليص الوقت، حتى وصلوا بالفكرة المطروحة إلى مجرد برنامج يقدمه أحد الشيوخ، وعندما أصبح الأمر كذلك سحبت فكرتي لأنني كنت أريد أن أقدم برنامجا متميزًا على مستوى الشكل والمضمون، وكانت عندي رغبة قوية في كسر ما هو سائ