فالله سبحانه وتعالى هو الإله الخالق، وكل ما عداه مخلوق له (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ)(مريم:65)، فالدعوة إما أن تكون له وحده، وهذه هي دعوة الحق، ودعاتها دعاة الحق، وإما أن تكون دعوات لغيره أيًا كان من المخلوقات: ملك، أو جن، أو نجم، أو جماد، أو حيوان، أو إنسان، أو شهوة، أو أوهام، فتلك هي دعوات الباطل والضلال، على رأس كل منها شيطان، ودعاتها دعاة الباطل والضلال (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(الأعراف:194) .
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا بيده، ثم قال : ” هذا سبيل الله مستقيمًا، وخط عن يمينه وشماله ثم قال : هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(الأنعام:153)، وإنما وحّد ( سبيله ) لأن الحق واحد، وجمع ( السبل ) لتفرقها وتشعبها كما قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)(البقرة:257) .
فقد وحّد سبحانه لفظ ( النور ) وجمع ( الظلمات ) لأن الحق واحد، والكفر أجناس كثيرة، وكلها باطلة، إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق، وانتشار الباطل وتشعبه .
وقد ميز الله تعالى بين الدعوتين والداعين إلى كل منهما، فقال تعالى : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً) (مريم:48) ، وميز بين مصير دعوات المبطلين وهي باطل، وبين مصير دعوة الله تعالى وهي الحق، فقال تعالى : (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(البقرة:221) .
دعوات الباطل
الدعوات إلى غير الله تعالى هي الباطل وهي الضلال، وقد نهى الله تعالى عنها فقال سبحانه: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)(يونس:106) .
وبيَّن سبحانه أن الدعوات إلى غيره لا تصح، ولا ثمرة لها إلا لخسران، فقال تعالى: (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ )(غافر: 42، 43) . أي لا يصح أن يُدعى ويحث عليه إذ هو ليس بذي بال ولا قدر .
وبيّن سبحانه أن دعاة الباطل لا سند لهم ولا برهان، وأنهم لا يفلحون أبدًا : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)(المؤمنون:117) .
وبيّن جماع صفات دعاة الباطل وهي الكفر، ومصير دعواتهم وهو الضلال والضياع، فقال تعالى: (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ)(الرعد:14) ، وقال سبحانه: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)(الأحقاف:5) .
ونهى عن مشاركتهم في منهجهم وسلوكهم فقال تعالى آمرًا: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(غافر:66) .
وبيّن حقيقة ما يدعون إليه من دون الله تعالى ونهجهم وهدفهم فقال تعالى: (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (الحج:13) ، وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:74) ، وقال عز من قائل : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً)(النساء:117 – 121) ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(النحل:20، 21) ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ)(غافر:20) .
دعوة الحق
والدعوة إلى الله تعالى وحده هي دعوة الحق، يقول الله تعالى (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ)(الرعد:14)، أي الدعوة الحق لله وحده .
وقد بيّن سبحانه أنها طريق الاستقامة والمغفرة: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(المؤمنون:73) وقال تعالى : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)(إبراهيم:10).
وقد وجّه الله سبحانه رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إلى الدعوة إليه وحده فقال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)(الأنبياء:25) ، وقال تعالى : (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)(القصص: 87، 88) ، وقال تعالى : (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ)(الحج:67) ، وقال سبحانه : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ)(الحديد:8) .
ودعا المؤمنين ليكونوا دعاة إلى الله تعالى وحده وأن تقوم أمة منهم على أمر الدعوة إليه فقال تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران:104) . وعرّفهم منهجهم وسبيلهم في الدعوة إلى الله تعالى وحده فقال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(يوسف:108) .
وبيّنن منزلة الدعوة إلى الله تعالى وأنها بمكان لا يدانيها مكان (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(فصلت:33) .
ودعا إلى الاستجابة لدعوته سبحانه ولدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (الأنفال:24)
وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بصبر النفس مع الذين يدعون ربهم : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْد عَيْنَاكَ عَنْهُمْ)(الكهف:28) .
وبيّن أن الدعاة إلى الله تعالى إنما يدعون بدعوة الله إلى الجنة والمغفرة بإذنه : (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ)(البقرة:221) ، وقال تعالى : (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ)(يونس:25) .
………………………..
“فصول في الدعوة الإ