يمثل الأستاذ محمد قطب علامة فكرية وحركية بارزة بالنسبة للحركة الإسلامية المعاصرة ، فهو صاحب مؤلفات هامة تؤسس للفكر الإسلامي المعاصر من منطلق معرفي إسلامي مخالف لنظرية المعرفة الغربية ، وهو يربط بين الفكر والواقع عبر العديد من مؤلفاته التي حاولت تفسير الواقع أيضا من منظور إسلامي ، ويرجع الفضل لمحمد قطب في تأسيس مدرسة إسلامية ذات طابع حركي داخل الجامعات السعودية عبر إشرافه على العديد من الرسائل الجامعية التي رسخت العلاقة بين مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين المشاكل الفكرية والحركية المعاصرة ، وقدر لهذه الرسائل الجامعية أن تتجاوز في تأثيرها المملكة العربية السعودية لبقية العالم الإسلامي بعد طبعها في كتب .
استقبلني الأستاذ محمد قطب في منزله بمكة المكرمة ، وطال بنا الحديث حول المشاكل الجديدة التي تواجه العالم الإسلامي والحركات الإسلامية بعد الهجمة الأمريكية الشرسة الأخيرة على العالم الإسلامي ، وأدهشني أن محمد قطب يشعر بالتفاؤل ، وبأن ما يجري ليس شرًّا كله ، وأنه شر يأتي معه بالخير ، ومن وجهة نظره فإن من أكبر الخير الذي يواكب هذا الشر هو انكشاف الوجه الأمريكي الصليبي في الحرب على العالم الإسلامي ، فلم يعد هناك شيء مستور أو مخفي ، الحرب تدار علنا وعلى رؤوس الأشهاد .
ويكشف الأستاذ قطب أن اليهود هم الذين يقودون أمريكا في هذه الحرب على العالم الإسلامي ، ويؤكد أن ما حدث في 11 سبتمبر هو من فعل اليهود ، وهم الذين سعوا لتوظيفه ضد العالم الإسلامي ، ويتوقع محمد قطب أن تكون الحركة الإسلامية أقوى من ذي قبل ، وأنها ستكون أكثر وعيًا وخبرة بفعل ما يجري عليها من ضغوط خاصة على المسرح الدولي .
امتد الحديث مع الأستاذ محمد قطب على مدار أكثر من ساعتين ، كان الرجل فيها يبدو شديد النكران لذاته لحد أنه رفض تماما أن يتحدث عن نفسه لأقدمه للقراء .
وإلى تفاصيل الحوار :
بدأ الأستاذ محمد قطب بالحديث عن التطورات التي حدثت للجماعة الإسلامية في مصر ، وقال: إنه نبه في كتبه إلى خطر الصدام مع الأنظمة السياسية الحاكمة في العالم العربي قبل القدرة عليه ، وقبل أن يفهم الناس ـ المحكومون بهذه الأنظمة ـ معني كلمة التوحيد وضرورة الحكم بما أنزل الله ، واستدل على ذلك بقوله تعالى: ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ).
واستطرد محمد قطب قائلاً : إن قيادات الجماعة الإسلامية كانت تفتقد إلى الوعي والخبرة التي تمكنها من إدراك خطر التورط في مواجهة مع النظام السياسي .
ومضى ليقول : إن ما يجري اليوم من تطورات على الساحة الدولية والفلسطينية يشير إلى قرب قيام الساعة (في رأيه)، ويشير إلى تحقق وعد النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المسلمين لليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعالَ فاقتله .
واستدل على ذلك بسورة الإسراء في قوله تعالى: ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما عَلَوا تتبيرًا ) ، ويتفق مع آراء المفسرين الذين يقولون : إنه إذا جاء وعد الآخرة هذه (جئنا بكم لفيفا ) .. أي جاء بنو إسرائيل من كل أصقاع الأرض إلى فلسطين استعدادًا للمواجهة الكبرى بين المسلمين وبين اليهود .
وأكد الأستاذ محمد قطب على أن موقف الغرب من الإسلام هو موقف صليبي واضح وهذا مكسب ، وما يقول عنه الغرب: “إنه تسامح مع الإسلام ” ، إنما هو في الحقيقة مجرد شعارات فارغة. وتوقع أن تكون أوضاع الأقليات الإسلامية في الغرب ـ وأمريكا خاصة ـ في منتهى الصعوبة والخطورة ، ونبه المسلمين هناك للاستعداد للأخطر والأسوأ .
ـ قلت له : لكن هناك اجتهادات فكرية جديدة تتحدث عن خطأ الاجتهاد في تعجل الصدام مع الأنظمة السياسية في الداخل ، ولكن من منطلقات مختلفة عما قدمت من ضرورة استبانة سبيل المجرمين أولا ، هذه المنطلقات هي تقدير المصالح والمفاسد ؟.
وأجاب الأستاذ قطب بقوله : الاجتهادات والمآلات هي جزء من بيان حكم الله في هذا الأمر، والمصالح والمفاسد معتبرة شرعًا ، وتكشف عن خطأ التسرع في مواجهة الأنظمة السياسية من جانب الحركة الإسلامية .
ـ سألته: ولكن أين نضع فكر سيد قطب من تطور الحالة الفكرية للحركة الإسلامية ؟
فكر سيد قطب هو الامتداد الحقيقي لفكر حسن البنا ؛ فحسن البنا في رسالة التعاليم يقول : “ولا نكفر مسلمًا بذنب متى نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها” ، وسيد قطب يتحدث عن قيد أو شرط “وعمل بمقتضاها”.
وأضاف : لا شك أن الإخوان قدموا نموذجًا مهمّا في الجندية والتكافل ، لكن في جوانب أخرى أهملوها ولم يوجهوا لها الاهتمام الكافي.
ويقول : في عام 1948 حدث وعي جديد عند حسن البنا تمثل في أن الحكام ليسوا مسلمين إذا لم يحكموا شريعة الله ، وأتباعه الذين جاؤوا من بعده إما أنهم لم يدركوا هذا الوعي الجديد في خط تفكيره أو أهملوه عن قصد .
ـ ولكن متى حدث التحول الفكري الحقيقي عند سيد قطب ؟
التحول الفكري نشأ عند سيد بعد مذبحة 1945، فعبد الناصر ذبح الإخوان في السجون، والجماهير كانت تصفق له ، وتساءل : هل لو كانت هذه الجماهير تملك الوعي كانت ستصفق للطاغية ؟!! وتناقش سيد في هذا الأمر مع الشيخ محمد هواش ، وانتهي الاثنان إلى أن هذه الجماهير لو كانت تعلم حقيقة لا إله الا الله ما كانت صفقت للطاغية ، من هنا يجب أن تبدأ الدعوة من كلمة التوحيد .
ـ ولكن هل راجع سيد الظلال وفق رؤيته الفكرية الجديدة ؟
كان هناك 18 جزءًا صادرة قبل سجنه ، فأكمل في السجن حتى الجزء الثلاثين، ثم راجع عشرة أجزاء مما كتبه من قبل ، وكان يود إكمال المراجعة إلى النهاية ، لكنه لم يستطع .
كان سيد يؤمل في أن يصدر كتابا اسمه في ظلال السيرة ، لكنه لم يستطع أن يكتبه .
ـ ولكن كيف تحول سيد قطب إلى الاتجاه الإسلامي ؟
سيد نشأ نشأة قرآنية متدينة ، وهو تأثر بالعقاد .. فقد كان خالي صديقًا للعقاد ، وكان سيد يصحبه لمنزله ، وأصدر سيد عام 1947 مجلة اسمها ” الفكر الجديد ” لكنها توقفت بعد 13 عددًا ، وكان الفكر الشيوعي مكتسحًا في هذا الوقت ، ومجلة ” الفكر الجديد ” تقول : الفساد لا يمكن أن يستمر ، والحل في العودة للإسلام ، في هذا الوقت صدر أمر باعتقال سيد ، لكن رئيس الوزراء لم يشأ أن يعتقله ، فأصدر أمرًا بإرساله ضمن بعثة إلى أمريكا لدراسة نظام التعليم هناك ، وسافر فعلاً للبعثة ، وظل في أمريكا من عام 1948-195. وفي هذه الفترة كان ألف كتابه ( العدالة الاجتماعية في الإسلام ) ، وحتى هذه اللحظة لم يكن له صلة بجماعة الإخوان ، ولكن عام 1949 شاهد وهو في أمريكا حفلة ماجنة مخمورة احتفالاً بمقتل حسن البنا فقرر أن يكون عضوًا بهذه الجماعة التي يحتفل الأمريكان لمقتل زعيمها، وقال: لابد وأن أكون جنديّا فيها .
وأضاف محمد قطب : إن بدايات سيد الإسلامية بدأت على المستوى الفكري من الناحية البلاغية ، فكانت هناك قضية في هذه الوقت تتحدث عن ” هل إذا تغير اللفظ تغير المعنى ، أم أن تغير اللفظ لا يؤثر في معناه؟” ، ولاحظ سيد أن القرآن الكريم حين يتغير اللفظ يأتي بمعان جديدة ويعطي صورًا جديدة للمعاني ، فمشاهد القيامة في القرآن الكريم كل مرة تأتي في صور ومعان جديدة ، فاللفظ حين يتغير يأتي بصور ومعان جديدة ، وكتب كتابه ( مشاهد القيامة في القرآن ) .
ـ ما هو تصوركم لمستقبل الحركة الإسلامية في ظل التطورات الدولية والإقليمية الجديدة ؟
وعي الحركة الإسلامية لا يزال قليلاً ، وكثير من الوعي بدا العقل ولكنه لم ينزل إلى القلب ، الوعي المعرفي وحده لا يحرك ، لكنه حين يصبح عقيدة يكون مخزونًا للحركة ، وهذا ما أقصده بالتربية .
القرآن الكريم بدأ بـ “اقرأ” ، وأكمل بـ “فاعلم ” .. فلابد من تحويل القراءة إلى مشاعر وسلوك ومنهج حياة ، وهذا ما نقصده بالتربية ، المعرفة وحدها لا تحرك . فالوعي المصحوب بالتربية هو الوقود القادم للحركة الإسلامية .
ومعركة فلسطين هي جزء من تكوين الوعي والتربية للحركة الإسلامية ، فاليهود هم الذين يديرون المعركة ، والحمار الأمريكي هو الذي ينفذها ، وانكشاف هذا العداء للإسلام والمسلمين مهم ؛ لأنه يزيد من خبرة ووعي الحركة الإسلامية .
وأشار محمد قطب إلى أن الأمة تنتظر قيادة تقود الجميع ، وتأخذ بيدهم إلى النصر المبين .
ـ هل العمل السياسي والمجتمعي ليس مطروحًا على تفكيركم كما كان بالنسبة لسيد قطب ؟
السياسة والاقتصاد والاجتماع هامة لكل مجتمع ، كما هي هامة للمجتمع المسلم ، لكن السياسة والاقتصاد جاءت في المدينة بعد أن اكتمل التكوين العقيدى ، وبعد أن ارتبطت السياسة والاقتصاد والاجتماع بالعقيدة وبكلمة التوحيد ، ونحن نأمل أن ترتبط السياسة وتنضبط بالقواعد الإسلامية وهذا أمل سيتحقق بمزيد من العلم الشرعي ومزيد من التجربة والخبرة وبمزيد من الضغط العالمي .
ـ ماهو تقييمكم لأحداث سبتمبر ؟
ظني أن أحداث سبتمبر من تخطيط اليهود ، فهم المستفيدون منها ، وهناك الكثير من الشواهد على ذلك ، وهم يحاولون توظيفها ضد العالم الإسلامي والعربي.
ـ كيف ترون مالك بن نبي المفكر الجزائري المعروف ؟
مالك كان مسجونا في فرنسا ، وهو في البداية تأثر بالحضارة الغربية ، وكان لها وهج في حسه ، لكن فكره استقام بعد ذلك واكتمل ونضج .
ـ لكنكم تتحدثون عن الحركة الإسلامية وكانها حالة واحدة ، رغم أن هناك تنويعات هائلة في داخل العالم الإسلامي ؟.
الوسط الدعوي لم يكن جنسًا واحدًا ، لكن البناء الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم حمل هؤلاء جميعًا إلى غاية الدين الإسلامي ومقاصده وأهدافه .