” يقال عني أنني زوج بخيل ، هذا أمر غير مقبول مطلقاً ، فأنا لا أملك المال الوفير ، وما أخفيه هو مؤونة أدخرها للأيام القادمة، الحرص الذي أمارسه ما هو إلا خوف من الحاجة، هل تعطيني أنت المال في حال أصبحت في سن التقاعد، المثل يقول (احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود)، وهذا ما أعمل به، أنا لست بخيلاً والناس يريدونني أن أكون مبذراً، هذا لا يناسبني مالهم ومالي، أنا لا أتدخل بهم ليريحوا أنفسهم ويريحوني من انتقاداتهم”.
هذا ما قاله (علي. ج) عندما ذكر موضوع الزوج البخيل أمامه ، والروايات كثيرة حول البخلاء وفصولهم ، إذ يقال أن أحدهم رفض شراء فاكهة الموز والبطيخ ، لأن قشرتها سميكة وتحمل وزناً ، في حين قام بخيل بعد أن أكل الدجاجة المشوية بسحب عظامها ، ووزنها كي يعرف كم خسر منه مقابل ثمنه، وآخر يسير مسافة طويلة ليس بهدف ممارسة هواية رياضة السير، وليس لعدم وجود المال، إنما ليوفر أجرة سيارة النقل، فهو يذهب ويعود يومياً من عمله سيراً على الأقدامى، أخرى نقبت في أكياس القمامة بحثاً عن بقايا الطعام ، أما المشاركة في مشروع خيري فهو جنون مطبق، والهدايا هي ترف لا مبرر له، والقصص كثيرة أبطالها يعيشون فقراء ويموتون أغنياء.
ابنة أحد البخلاء (ح . ن) تقول: والدي مقصر في كل شيء، العيش معه يكاد لا يطاق، يحرمنا من أبسط الحقوق، ويتهمنا دائماً بالإسراف، دائما يفتش في جيوبنا بحثاً عن المال، أو حتى حبة سكر. هي قصص حقيقية كثيرة ، قد تكون للسامع مضحكة، لكن من يعيش مع الزوج البخيل يجد نفسه في مأزق.
الدخل والإنفاق
يقول الدكتور عبد الكريم الأمير حسن بأنه : ليس هنالك مفهوم واضح تبناه الباحثون والاخصائيون حول تعريف الزوج البخيل، وكل مجتمع ينظر إلى الأمر من منظوره الخاص، فمن نصفه بالبخيل في مجتمع ما يصفه آخر بالسخي أو غير المقصر، فهذا أمر مرتبط ببنية الأسرة وبتركيبة المجتمع، وبالنظام الاقتصادي القائم من حيث القدرة على تامين المستوى المعيشي الجيد للأسرة ، ومن حيث وضوح حقوق الأسرة داخل المجتمع في الحياة الهانئة أو ذات المستوى المحدود، فمن يطلب العمل ولايجده ، وإن وجده كان دخله منه محدوداً وغير كاف لن يستطيع أن ينفق بالشكل المطلوب، وهنا يظهر على أنه بخيل أومقنن في المصروف، والأمر هو أنه لا يعيش في بحبوحة يستطيع من خلالها أن ينفق كما يشاء، فالأمر إذاً يتعلق بالدرجة الأولى بالمستوى الاقتصادي العام من حيث الدخل والإنفاق، لكننا نستطيع أن نحدد متى يكون الزوج بخيلاً من خلال تحديد الحقوق والواجبات على كل من الزوج والزوجة، فمن واجبات الزوج تأمين الحاجات الأساسية لأفراد أسرته منها المادية كالطعام والسكن واللباس والعلاج في حال المرض، وأيضاً من واجبه
تأمين الحاجات المعنوية بحدودها الدنيا ، و ذلك بتأمين علاقات اجتماعية سليمة داخل الأسرة الكبيرة ، ومع الأصدقاء والجيران ، من حيث السماح بإقامة علاقات اجتماعية والقيام بالواجبات تجاههم ، ومن حيث الاهتمام بالنشاطات الثقافية والفنية المختلفة التي بمجملها تؤمن الغذاء الروحي للأسرة، ومن هذا المفهوم نقول إن الزوج البخيل هو من يمتلك الدخل المرتفع وحالته المادية جيدة ولا يقدم المطلوب من تلك الحاجات المادية والمعنوية لأفراد أسرته.
وطبعاً مشكلة الزوج البخيل تتشعب لتصل بكل تأكيد إلى علاقة الأسرة بالأسر المحيطة من أهل الزوج والزوجة، وهنالك أزواج وإن امتلكوا المال الوفير هم غير قادرين على بسط ذات اليد ، وهم يرزحون تحت تأثيرات نفسية تدفعهم إلى الشح والبخل بمالهم وعواطفهم ، وهم في جانب والعطاء في الجانب الآخر، وأنا أعتبرهم مشكلة بحد ذاتهم ، يؤثرون على المحيطين بهم ، ولابد من إجراء دراسات وأبحاث ميدانية اجتماعية ونفسية موسعة ومعمقة لدراسة الأسباب التي تؤدي بهم إلى هذا السلوك، ولنصل إلى نتائج تقدم لهم الحلول وتساعدهم على تجاوز هذا السلوك، فالكثير منهم يتملكهم البخل دون رغبة منهم ، وإنما الأمر ناتج عن التربية الخاطئة التي تلقاها منذ الصغر، ونحن نعلم أن المجتمع الشرقي بالذات يستنكر تصرف البخيل ويعده إحدى الصفات غير المرغوب بها ، لا بل المجتمع الشرقي يطلب الكريم ويفاخر به على أنها إحدى صفات الرجولة الحقة. بالتالي هو شخص غير مرغوب فيه اجتماعيا ، وفي كثير من الأحيان قد يتعرض للتقريع والتجريح، لذا لابد من مساعدته.
والزوج البخيل بالتأكيد يغرق حياة الأسرة في مشكلات اجتماعية تكاد لا تنتهي. فمثلاً عملية التربية للأولاد مبنية على مبدأ الثواب والعقاب، وغالباً يقوم على تقديم المكافأة المادية للأبناء، فإذا بخل الأب بتقديمها سيؤثر ذلك على نفسية الطفل وسيشعر بالفرق في التعامل بينه وبين أقرانه من قبل ذويهم.
وهنالك أبناء قد يقدمون إلى ارتكاب جنحة السرقة ليحصل على المال، وقد يتطور الأمر بهم إلى تعاطي المخدرات، وقد تودي بالفتاة إلى مهالك لاتناسبها طلباً للمال أيضاً ، أما الزوجة فإن بخل الزوج ينعكس عليها بشكل مباشر، فهي يقع عليها الغرم الأكبر، فهي المسؤولة أيضاً عن الأسرة، وعدم تأمين المصروف اللازم يوقعها في قلة الحيلة، وتبدأ مشاعر الاحترام والمحبة تجاه هذا الزوج بالتلاشي لتحل مكانها مشاعر النفور والبغضاء، وفي كثير من الأحيان قد يؤدي بخل الزوج إلى حدوث الطلاق.
البخيل لايدخل الجنة
أما من وجهة نظر الدين يقول أ د. حسن البغا: إن حقوق الزوجية متعددة ، ومنها ماهو مالي كالنفقة والسكن ومنها ماهو معنوي…، ومنها ما يلزم كلا الزوجين، أو يلزم أحدهما كالنفقة الواجبة على الزوج (في رأي الجمهور)، استدلالاً بقوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) 0 (البقرة:233) وغيره، ويعني وجوبها على الأب، لأن النفقة مقابل قيامهن بحق الوالد والولد، ولايمكنهن أن يقمن بذلك ويتكسبن في الأعم والأغلب، واستدلالاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) لهند، بعد قولها إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني (أخرجه البخاري 5364 ومسلم 1714 )، فلها النفقة ولو أخذتها دون إذنه إن كان يمنعها مقدرًا بحد الكفاية عرفاً بحسب حال الزوج.
إذا تبين هذا فلابد وأن يعلم الزوج أنه إن قام بهذا الحق فليس له منّة ولا فضل، وإنما يقوم بأداء واجب عليه، وحسبنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ) (أبو داود 1692 ) وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك ). (أخرجه البخاري1695) وحديث : ( لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً ) (أخرجه النساني 3110ـ 3112 )
فالتقصير في النفقة يعتبر إثماً من أشد الآثام ، وهو من الكبائر حالة القدرة عليها ، كما أن القيام بها يعتبر قربة من القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ويثاب عليها المسلم ، فإذا هو قصر فليعلم أن إيمانه مايزال ناقصاً مضطرباً ، لأن الرازق هو الله تعالى دون سواه ، بل قال تعالى: (نحن نرزقهم وإياكم) . (الإسراء 31) فإنما يرزق المرء برزق من يقوته ويعوله إذ قدم تعالى أولاد الشخص وأهله عليه، فتكون النتيجة أن الرزق يكون لكم أيضاً بعدهم ، فهم سبب رزقكم ، فكيف ببخل الشخص وامتناعه عن أداء حق من يلوذ به، ويركن إليه، بل ومن لاحول ولاقوة له من أطفال صغار يبكون لقمة سائغة هنيئة، بل وإن البخيل لا يدخل الجنة دون أن يحاسب على بخله وشحه ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة خب ولامنان ولابخيل) (أخرجه أبو داود 1964) فماذا تراه أسوأ من هذا المصير الذي يتوعد عليه البخيل، ثم يتجرأ بعض الأزواج على البخل !! إن هذا لعمري في غاية التقصير، وهو لم يكن إلا لنقص في الإيمان وسوء في الخلق، فكان ذلك مستحقاً لعقوبة تأجيل دخوله الجنة، وهو عذاب ليس بالتقصير فربما يدوم ألف سنة إلى أن يعفو الله تعالى، قال تعالى: (وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون) (الحج 47) وينبغي أن يعلم البخيل أنه مكروه ممقوت من أهله ، وذووه يرغبون له كل سوء ، ويصفونه بما لا يحبه ولايرضاه ، فيؤدي شحه إلى أن يوصف بكل سوء.
بل إن الشحيح يضيع على نفسه أجراً وثوابًا ، ويضيع على نفسه تكفير ذنوبه ومعاصيه وجرائمه ، لأن السعي على العيال فيه أجر وأيما أجر لقوله صلى الله عليه وسلم: (ماأنفق الرجل على أهله فهو صدقة) . (متفق عليه )
ولم يترك الفقهاء الزوج البخيل دونما مساءلة فقد ذهب الجمهور إلى جواز طلبها طلاق نفسها من القاضي رغماً عنه إن لم يدفع نفقتها ، وذهب الحنفية إلى سجنه.
فكم هو تقصير البخيل في حق زوجه وأهله، وكم هو مساءل ومحاسب وكم عرض نفسه للعقوبة من الله تعالى أولاً، ومن القضاء والناس ثانياً، وكم هو ناقص الإيمان مضطرب العقيدة، بل هو أتعس الناس وأشقاهم .
أنجانا الله تعالى من كل سوء ومكروه وجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
هذا ما قاله (علي. ج) عندما ذكر موضوع الزوج البخيل أمامه ، والروايات كثيرة حول البخلاء وفصولهم ، إذ يقال أن أحدهم رفض شراء فاكهة الموز والبطيخ ، لأن قشرتها سميكة وتحمل وزناً ، في حين قام بخيل بعد أن أكل الدجاجة المشوية بسحب عظامها ، ووزنها كي يعرف كم خسر منه مقابل ثمنه، وآخر يسير مسافة طويلة ليس بهدف ممارسة هواية رياضة السير، وليس لعدم وجود المال، إنما ليوفر أجرة سيارة النقل، فهو يذهب ويعود يومياً من عمله سيراً على الأقدامى، أخرى نقبت في أكياس القمامة بحثاً عن بقايا الطعام ، أما المشاركة في مشروع خيري فهو جنون مطبق، والهدايا هي ترف لا مبرر له، والقصص كثيرة أبطالها يعيشون فقراء ويموتون أغنياء.
ابنة أحد البخلاء (ح . ن) تقول: والدي مقصر في كل شيء، العيش معه يكاد لا يطاق، يحرمنا من أبسط الحقوق، ويتهمنا دائماً بالإسراف، دائما يفتش في جيوبنا بحثاً عن المال، أو حتى حبة سكر. هي قصص حقيقية كثيرة ، قد تكون للسامع مضحكة، لكن من يعيش مع الزوج البخيل يجد نفسه في مأزق.
الدخل والإنفاق
يقول الدكتور عبد الكريم الأمير حسن بأنه : ليس هنالك مفهوم واضح تبناه الباحثون والاخصائيون حول تعريف الزوج البخيل، وكل مجتمع ينظر إلى الأمر من منظوره الخاص، فمن نصفه بالبخيل في مجتمع ما يصفه آخر بالسخي أو غير المقصر، فهذا أمر مرتبط ببنية الأسرة وبتركيبة المجتمع، وبالنظام الاقتصادي القائم من حيث القدرة على تامين المستوى المعيشي الجيد للأسرة ، ومن حيث وضوح حقوق الأسرة داخل المجتمع في الحياة الهانئة أو ذات المستوى المحدود، فمن يطلب العمل ولايجده ، وإن وجده كان دخله منه محدوداً وغير كاف لن يستطيع أن ينفق بالشكل المطلوب، وهنا يظهر على أنه بخيل أومقنن في المصروف، والأمر هو أنه لا يعيش في بحبوحة يستطيع من خلالها أن ينفق كما يشاء، فالأمر إذاً يتعلق بالدرجة الأولى بالمستوى الاقتصادي العام من حيث الدخل والإنفاق، لكننا نستطيع أن نحدد متى يكون الزوج بخيلاً من خلال تحديد الحقوق والواجبات على كل من الزوج والزوجة، فمن واجبات الزوج تأمين الحاجات الأساسية لأفراد أسرته منها المادية كالطعام والسكن واللباس والعلاج في حال المرض، وأيضاً من واجبه
تأمين الحاجات المعنوية بحدودها الدنيا ، و ذلك بتأمين علاقات اجتماعية سليمة داخل الأسرة الكبيرة ، ومع الأصدقاء والجيران ، من حيث السماح بإقامة علاقات اجتماعية والقيام بالواجبات تجاههم ، ومن حيث الاهتمام بالنشاطات الثقافية والفنية المختلفة التي بمجملها تؤمن الغذاء الروحي للأسرة، ومن هذا المفهوم نقول إن الزوج البخيل هو من يمتلك الدخل المرتفع وحالته المادية جيدة ولا يقدم المطلوب من تلك الحاجات المادية والمعنوية لأفراد أسرته.
وطبعاً مشكلة الزوج البخيل تتشعب لتصل بكل تأكيد إلى علاقة الأسرة بالأسر المحيطة من أهل الزوج والزوجة، وهنالك أزواج وإن امتلكوا المال الوفير هم غير قادرين على بسط ذات اليد ، وهم يرزحون تحت تأثيرات نفسية تدفعهم إلى الشح والبخل بمالهم وعواطفهم ، وهم في جانب والعطاء في الجانب الآخر، وأنا أعتبرهم مشكلة بحد ذاتهم ، يؤثرون على المحيطين بهم ، ولابد من إجراء دراسات وأبحاث ميدانية اجتماعية ونفسية موسعة ومعمقة لدراسة الأسباب التي تؤدي بهم إلى هذا السلوك، ولنصل إلى نتائج تقدم لهم الحلول وتساعدهم على تجاوز هذا السلوك، فالكثير منهم يتملكهم البخل دون رغبة منهم ، وإنما الأمر ناتج عن التربية الخاطئة التي تلقاها منذ الصغر، ونحن نعلم أن المجتمع الشرقي بالذات يستنكر تصرف البخيل ويعده إحدى الصفات غير المرغوب بها ، لا بل المجتمع الشرقي يطلب الكريم ويفاخر به على أنها إحدى صفات الرجولة الحقة. بالتالي هو شخص غير مرغوب فيه اجتماعيا ، وفي كثير من الأحيان قد يتعرض للتقريع والتجريح، لذا لابد من مساعدته.
والزوج البخيل بالتأكيد يغرق حياة الأسرة في مشكلات اجتماعية تكاد لا تنتهي. فمثلاً عملية التربية للأولاد مبنية على مبدأ الثواب والعقاب، وغالباً يقوم على تقديم المكافأة المادية للأبناء، فإذا بخل الأب بتقديمها سيؤثر ذلك على نفسية الطفل وسيشعر بالفرق في التعامل بينه وبين أقرانه من قبل ذويهم.
وهنالك أبناء قد يقدمون إلى ارتكاب جنحة السرقة ليحصل على المال، وقد يتطور الأمر بهم إلى تعاطي المخدرات، وقد تودي بالفتاة إلى مهالك لاتناسبها طلباً للمال أيضاً ، أما الزوجة فإن بخل الزوج ينعكس عليها بشكل مباشر، فهي يقع عليها الغرم الأكبر، فهي المسؤولة أيضاً عن الأسرة، وعدم تأمين المصروف اللازم يوقعها في قلة الحيلة، وتبدأ مشاعر الاحترام والمحبة تجاه هذا الزوج بالتلاشي لتحل مكانها مشاعر النفور والبغضاء، وفي كثير من الأحيان قد يؤدي بخل الزوج إلى حدوث الطلاق.
البخيل لايدخل الجنة
أما من وجهة نظر الدين يقول أ د. حسن البغا: إن حقوق الزوجية متعددة ، ومنها ماهو مالي كالنفقة والسكن ومنها ماهو معنوي…، ومنها ما يلزم كلا الزوجين، أو يلزم أحدهما كالنفقة الواجبة على الزوج (في رأي الجمهور)، استدلالاً بقوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) 0 (البقرة:233) وغيره، ويعني وجوبها على الأب، لأن النفقة مقابل قيامهن بحق الوالد والولد، ولايمكنهن أن يقمن بذلك ويتكسبن في الأعم والأغلب، واستدلالاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) لهند، بعد قولها إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني (أخرجه البخاري 5364 ومسلم 1714 )، فلها النفقة ولو أخذتها دون إذنه إن كان يمنعها مقدرًا بحد الكفاية عرفاً بحسب حال الزوج.
إذا تبين هذا فلابد وأن يعلم الزوج أنه إن قام بهذا الحق فليس له منّة ولا فضل، وإنما يقوم بأداء واجب عليه، وحسبنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ) (أبو داود 1692 ) وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك ). (أخرجه البخاري1695) وحديث : ( لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً ) (أخرجه النساني 3110ـ 3112 )
فالتقصير في النفقة يعتبر إثماً من أشد الآثام ، وهو من الكبائر حالة القدرة عليها ، كما أن القيام بها يعتبر قربة من القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ويثاب عليها المسلم ، فإذا هو قصر فليعلم أن إيمانه مايزال ناقصاً مضطرباً ، لأن الرازق هو الله تعالى دون سواه ، بل قال تعالى: (نحن نرزقهم وإياكم) . (الإسراء 31) فإنما يرزق المرء برزق من يقوته ويعوله إذ قدم تعالى أولاد الشخص وأهله عليه، فتكون النتيجة أن الرزق يكون لكم أيضاً بعدهم ، فهم سبب رزقكم ، فكيف ببخل الشخص وامتناعه عن أداء حق من يلوذ به، ويركن إليه، بل ومن لاحول ولاقوة له من أطفال صغار يبكون لقمة سائغة هنيئة، بل وإن البخيل لا يدخل الجنة دون أن يحاسب على بخله وشحه ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة خب ولامنان ولابخيل) (أخرجه أبو داود 1964) فماذا تراه أسوأ من هذا المصير الذي يتوعد عليه البخيل، ثم يتجرأ بعض الأزواج على البخل !! إن هذا لعمري في غاية التقصير، وهو لم يكن إلا لنقص في الإيمان وسوء في الخلق، فكان ذلك مستحقاً لعقوبة تأجيل دخوله الجنة، وهو عذاب ليس بالتقصير فربما يدوم ألف سنة إلى أن يعفو الله تعالى، قال تعالى: (وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون) (الحج 47) وينبغي أن يعلم البخيل أنه مكروه ممقوت من أهله ، وذووه يرغبون له كل سوء ، ويصفونه بما لا يحبه ولايرضاه ، فيؤدي شحه إلى أن يوصف بكل سوء.
بل إن الشحيح يضيع على نفسه أجراً وثوابًا ، ويضيع على نفسه تكفير ذنوبه ومعاصيه وجرائمه ، لأن السعي على العيال فيه أجر وأيما أجر لقوله صلى الله عليه وسلم: (ماأنفق الرجل على أهله فهو صدقة) . (متفق عليه )
ولم يترك الفقهاء الزوج البخيل دونما مساءلة فقد ذهب الجمهور إلى جواز طلبها طلاق نفسها من القاضي رغماً عنه إن لم يدفع نفقتها ، وذهب الحنفية إلى سجنه.
فكم هو تقصير البخيل في حق زوجه وأهله، وكم هو مساءل ومحاسب وكم عرض نفسه للعقوبة من الله تعالى أولاً، ومن القضاء والناس ثانياً، وكم هو ناقص الإيمان مضطرب العقيدة، بل هو أتعس الناس وأشقاهم .
أنجانا الله تعالى من كل سوء ومكروه وجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
Source: islamweb.net