منها أنه وفق لذلك العمل ” حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ”.
ومنها أنه إذا قيس بالنعم لم يف بمعشار عشرها.
ومنها أنه إذ لوحظت عظمة المخدوم احتقر كل علم وتعبد.
هذا إذا سلم من شائبة وخلص من غفلة ، فأما والغفلات تحيط به فينبغي أن يغلب الحذر من رده ويخاف العتاب على التقصير فيه فيشتغل عن النظر إليه.
وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون قالوا: ما عبدناك حق عبادتك. والخليل عليه السلام يقول: “ والذي أطمع أن يغفر لي ” وما أدل بتصبره على النار وتسليمه الولد إلى الذبح. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منكم من ينجيه عمله قالوا ولا أنت قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. وأبو بكر رضي الله عنه يقول: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. وعمر رضي الله عنه يقول: لو أن لي طلاع الأرض لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر. وابن مسعود يقول: ليتني إذا مت لا أبعث. وعائشة رضي الله عنها تقول: ليتني كنت نسياً منسياً. وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع.
وقد روي عن قوم من صلحاء بني إسرائيل ما يدل على قلة الأفهام لما شرحته لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدلوا بها. فمنه حديث العابد الذي تعبد خمسمائة سنة في جزيرة وأخرج له كل ليلة رمانة وسأل الله تعالى أن يميته في سجوده. فإذا حشر قيل له ادخل الجنة برحمتي قال: بل بعملي فيرون جميع عمله بنعمة واحدة فلا يفي فيقول: يا رب برحمتك.
وكذلك أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فإن أحدهم توسل بعمل كان ينبغي أن يستحيي من ذكره وهو أنه عزم على الزنا ثم خاف العقوبة فتركه.
فليت شعري بماذا يدل من خاف أن يعاقب على شيء فتركه تخوف العقوبة. إنما لو كان مباحاً فتركه كان فيه ما فيه. ولو فهم لشغله خجل الهمة عن الإدلال كما قال يوسف عليه السلام: ” وما أُبَرِّىءُ نفسي ”.
والآخر ترك صبيانه يتضاغون إلى الفجر ليسقي أبويه اللبن. وفي هذا البر أذى للأطفال ولكن الفهم عزيز. وكأنهم لما أحسنوا – فيما ظنوا – قال لسان الحال: أعطوهم ما طلبوا فإنهم يطلبون أجرة ما عملوا.
ولولا عزة الفهم ما تكبر متكبر على جنسه ، ولكان كل كامل خائفاً محتقراً لعمله ، حذراً من التقصير في شكر ما أنعم عليه.
وفهم هذا المشروح ينكس رأس الكبر. ويوجب مساكنه الذل. فتأمله فإنه أصل عظيم .