الدعاة إلى الله هم الشموع ، التي تحترق لتضيء للناس طريق الهدى والحق والضيا ، وهم وعي الأمة المستنير ، وفكر الأمة الحر ، وهم قلب الأمة النابض ، وأطباء القلوب المريضة ، والنفوس الجريحة ، بل هم قادة سفينة النجاة في وسط الرياح الهوجاء ، والأمواج المتلاطمة .
والداعي إلى الله هو المبلغ للإسلام ، والمعلم له ، والساعي إلى تطبيقه ، وهو الذي يدل الناس على ربهم ، ويحدو بهم لتطبيق مبادئ الإسلام ، التي هي ـ في خلاصتها ـ دعوة إلى مكارم الأخلاق ، وإقامة العدل بين الناس .. ومن ثم كانت الدعوة من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله ، ولذلك اختار الله للقيام بها صفوة الخلق وأحبهم إليه وهم الأنبياء والمرسلون ، وأقربُ الناس إليه تعالى بعدهم أمثلُهم بهم طريقة وأشبههم بهم سلوكـًا في العلم والعمل .
ومكانة الداعي في الإسلام مكانة عظيمة ، وقوله في الدعوة أحسن الأقوال في ميزان الله الذي هو أصدق وأعدل الموازين، قال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)size=3> (فصلت/33) .
روى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الحسن أنه قال في تفسير هذه الآية : ” هذا حبيب الله ، هذا وليُّ الله ، هذا صفوةُ الله ، هذا خيرةُ الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله من دعوته ، وعمل صالحـًا في إجابته ، وقال إنني من المسلمين، هذا
خليفة الله” .(ابن كثير : 4/102) .
وفضل الدعاة ظاهر في كل جانب من جوانب دعوتهم ووظيفتهم : فموضوع دعوتهم هو الدلالة على الله وكيفية الوصول إلى جنته ورضاه ، والنجاة من سخطه وغضبه ، كما قال مؤمن آل فرعون : {ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار}size=3> (غافر:41،42) .. ولذلك كان قولهم أحسن الأقوال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ }size=3>
وأما وظيفتهم ومهمتهم فهي أشرف الوظائف على الإطلاق ؛ لأنها وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أشرف البشر وأكرمهم عملا : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }size=3> (الأنبياء:25) ، { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}size=3> (النساء:165) .
فمهمة الدعاة هي مهمة الأنبياء والمرسلين ، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم من المصلحين { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ}size=3> ( يوسف 108)
وأما من حيث الأجر والثواب : فقد وعدهم الله بالأجر الكبير والفضل الكثير ، بالغلبة في الدنيا ، والفلاح يوم الدين : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }size=3> (غافر:51) .. وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعلي يوم خيبر: [انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم].
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئـًا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئـًا ].
وقال صلى الله عليه وسلم : [معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر ](رواه الطبراني وغيره وهو صحيح) .
ولما كان الدعاة الصادقون المخلصون قوما يعيشون لدعوتهم ، ولأمتهم ، ولمجتمعهم ، فدعوتهم همهم بالليل والنهار ، وهي فكرهم في النوم واليقظة ، وشغلهم الشاغل في السر والعلن، يؤثرون من أجلها التعب والنصب ، ويضحون في سبيلها بالوقت والجهد والمال ، بل وبالمهج والأرواح ، ويستعذبون ، في سبيل نشرها وإبلاغها ، البلاء الشديد والعذاب الأليم ، لسان حالهم:
منـاي من الدنيا علوم أبثها … وأنشــرها في كل باد وحاضـر
دعاء إلى القرآن والسنن التي … تناسى رجال ذكرها في المحاضرsize=3>
فقد استحقوا بذلك تكريم الله لهم ، وتشريفه إياهم بقوله تعالى فيهم: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين }size=3> ( فصلت 33). وكفى بهذا فضلا وكرما.. والحمد لله رب العالمين.
…………………..