لئن كان هذا هو وصف بعض أهل الشك والنفاق، فإن وصف الداعية إلى الله على عكس ذلك تماما .. فإنما هو على يقين بأن الإسلام ـ الذي هداه الله إليه وأمره بالدعوة إليه ـ حق خالص ، وهذه بدهية لا تحتمل نقاشا ولا شكا ولا جدلا ولا مراجعة وإعادة نظر ، وأي تحول عن هذا اليقين أو ميل إلى غيره إنما يعني اتباع الأهواء الباطلة : {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين * قل إني على بينة من ربي وكذبتم به } ( الأنعام : 56، 57).
وإيمان الداعية ويقينه بأحقية الإسلام قائم على علم قطعي وبينة راسخة ، تجعل هذا الإيمان يسري في دمه ، ويعيش في وجدانه ، فلا ينقطع عن العمل له أبدا .
وهذا الإيمان هو باب الثبات ومفتاح الرسوخ مهما كانت حال العاملين ـ أو حال الدعوة ـ من ضعف في الإمكانات ، أو قلة في الأعداد والإمداد ، أو اضطهاد من أهل الكفر والعناد ، أو انصراف الناس عن دعوته .. وللدعاة أسوة حسنة في سيدنا نوح عليه السلام ، وكذلك في نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حبسهم في الشعب ، وفي الهجرة للحبشة ، والخروج من مكة ، والهزيمة في غزوة أحد ، والحصار في الخندق ، .. ، .. ، فخرجوا من كل هذه المحن سالمين ، بفضل الله تعالى ، ثم بفضل إيمانهم الذي لا يتزعزع بهذا الدين الحق .
والدعاة في زماننا هذا أحوج ما يكونون إلى هذا الإيمان الوثيق، وذاك اليقين الكامل، خصوصا مع صولة الكفر وجولته، وارتفاع صوت الباطل وكلمته، واضطهاد أهل الإيمان المتمسكين بأوامره ، المحاولين إظهار شعائره ، وبعد إعلان أهل الكفر عداءهم ، وإظهارهم مكنونات صدورهم من حقد على الإسلام وأهله ، وخاصة الداعين إليه المجاهدين في سبيله ، وبعد تمالؤ أهل النفاق مع إخوانهم الذين كفروا في تضييق الأرض على المؤمنين ، ومطاردتهم في أي مكان نزلوا أو أي موطن حلوا ، فلم يعد لأهل التقوى إلا الاعتصام بالله والركون إليه ، والرجوع إلى ذخيرة الإيمان، وسلاح اليقين ، حتى يأتي الله بأمره ـ وهو آت ولابد بإذن الله رب العالمين : {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } (البقرة:214).
ثمرات الإيمان
هذا الإيمان بالله له ثمرات لابد أن تظهر على صاحبه.. منها :
ـ محبة الله ، ورجاء رحمته ، وخوف عقوبته .
ـ الولع بذكره سبحانه في كل لحظاته ، والأنس به في خلواته وجلواته ، والتلذذ بطاعته الموصلة إلى تحصيل مرضاته ، وإيثار ما يحبه الله على جميع مستحباته هو ورغباته .
ـ الحسرة على فوت الحظ منه جل وعز ، فإذا حصله فكل ما سواه غير مأسوف عليه .
ـ الغيرة على ضياع الدين ، الغضب عند انتهاك محارم العزيز الحكيم ، والحزن على عدم تمكن المؤمنين والشرع المتين ، والانبعاث لأثر الغيرة والغضب والحزن للعمل على نصر الله ودينه .
{يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }
{وجعلناهم أئمة لماصبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} .
…………………